عن استعصاء سجن حماه المركزي (1)


09 أيار 2016

لا شيء يربك الديكتاتور أكثر من الإضرابات المدنية أو الاستعصاء في السجون، فهي تجعله يقف عاجزاً أمام حِراك لا حل له، فلا يستطيع غالباً أن يرضخ لمطالب المحتجين بسبب غطرسته، ولا أن يُجبرهم على إيقاف الحراك لعدم قدرة أجهزته الأمنية على التعامل إلا بمنطق القوة، وهو حراك يؤدي إلى شلله اقتصادياً وفضحه إعلامياً، كما حدث أواخراً في إضراب سوق الحريقة بدمشق، والذي أغلق خلاله التجار محالَّهم احتجاجاً على هبوط سعر الليرة أمام الدولار، أما الاستعصاء داخل السجون، فللنظام تجربة سابقة معه في سجن حمص المركزي، عندما قام عناصر الأمن بسحب أحد السجناء وضربه أمام زملائه في 18 حزيران 2015، فتمرد السجناء وبدأوا يهتفون بشعارات ضد النظام، ثم تطور الأمر إلى مظاهرة في ساحة السجن.

في 2 أيار 2016، دخلت قوات الأمن إلى أجنحة المعتقلين في سجن حماه المركزي، قاموا بضربهم، ثم حاولوا أن يقتادوا خمسة من المحكومين بالإعدام بتهمة التظاهر، فرد المُعتقلون على القوات الأمنية بأن أحاطوا بالعناصر واحتجزوهم داخل الأجنحة، ويصرح الناشط عبد الحميد الشحنة من مدينة حماه لـ (حكاية ما انحكت) أن "الاحتجاج اقتصر على الأجنحة التي تحوي معتقلين بتهم التظاهر أو النشاطات السلمية المناهضة للنظام، ولم تشمل معتقلي الجنايات"، أما عن مطالب السجناء فيضيف عبد الحميد "في البداية لم تكن لديهم أية مطالب، بل كان ما قاموا به مجرد ردة فعل، لكن الأمر تطور عندما وجدوا أنفسهم بمواجهة القوات الأمنية، فكانت مطالبهم عدمَ اقتياد أي من المحتجزين إلى محكمة مكافحة الإرهاب التي تصدر دائماً أحكاماً جائرة بحق المعتقلين، أو أي من المحكومين سابقاً".

سجن حماه المركزي، المصدر: شبكة شام الإبارية.
سجن حماه المركزي، المصدر: شبكة شام الإبارية.

في اليوم التالي، سيطر المحتجون على السجن بشكل كامل، فزاد ذلك من إرباك قوات الأمن التي أحاطت بالسجن وأطلقت القنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى حدوث حالات اختناق، ثم حاولت اقتحامه من عدة مداخل أكثر من مرة، إلا أن المحتجين كانوا متأهبين لذلك وصدوا الاقتحام.

https://www.youtube.com/watch?v=HwgRsIFBi5w

ارتفع سقف مطالب المحتجين بعد محاولة اقتحام السجن، فاشترطوا لإنهاء تمردهم أن يُفرج النظام عن مئتي معتقل ممن لم يمثلوا أمام القضاء بعد، وأوقِفوا على خلفية نشاطات سلمية، وقد بدأ النظام بالاستجابة لهذا الشرط، فأفرج عن اثنين وثلاثين معتقلاً، تم إخراجهم بعد أن تدخل الهلال الأحمر الذي نقلهم بسياراته إلى منطقة "قلعة المضيق" شمال حماه، حيث استلمهم الجيش الحر، و"قلعة المضيق" هي الفاصل بين المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر في الشمال، ومناطق سيطرة النظام في الجنوب، لكن وكما يضيف عبد الحميد لـ (حكاية ما انحكت) "جميع المُفرج عنهم من الموقوفين فقط، أي لم يمثلوا بعد أمام القضاء، ولم تصدر بحقهم أية أحكام، في حين أن المطالب تركز على المحكومين، لا سيما بحكم الإعدام، وهذه مناورة من قبل النظام".

https://www.youtube.com/watch?v=F-H9Tbwb0sU

حتى تاريخ كتابة هذا المقال، ما زال مصير السجناء مجهولاً، وسط مخاوف من عملية إبادة للسجن قد تقوم بها القوات الأمنية في حال استمر الاستعصاء، خصوصاً أن المطالب لا تتعلق بتحسين الأوضاع داخل السجن، بل بالإفراج عن المعتقلين، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يحتج فيها معتقلو سجن حماه المركزي، فقد سبق وأن قاموا بذلك في 15/08/2015، احتجاجاً على المعاملة غير الإنسانية وأعمال التعذيب داخل السجن، وشارك في الاستعصاء وقتها 1200 سجيناً، مما أدى إلى رضوخ النظام لمطالبهم بتغيير مدير السجن واللجنة الأمنية المشرفة على التحقيق، إضافة إلى إعادة المسجونين في الزنزانات الانفرادية إلى زملائهم في المهاجع.

اليوم لا يزال السجن تحت سيطرة المعتقلين، الذي يبثون رسائلهم وفيديواتهم واستغاثاتهم من داخل السجن، مناشدين الهيئات الدولية التدخل لإنقاذهم من موت يكاد يكون محققا، في ظل اتجاه النظام لنشر قناصيه وجنوده حول السجن ورمي المعتقلين بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص، في ظل محاولات كر وفر بينه وبين المعتقلين، في حدث يكثف جوهر الصراع السوري الحقيقي، بين نظام لا يملك إلا القمع وبين شعب لا يملك إلا أن يصرخ للحرية حتى وهو في المعتقل.

ستتابع "حكاية ما انحكت" تطورات كل ما يحصل في المعتقل، في حلقة ثانية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد