في ريف حماه الشمالي، وعلى الرغم من القصف المستمر الذي تتعرض له مجمل البلدات والقرى فيه، وعلى الرغم من شدة الدمار الذي طال المساكن المدنية والبنى التحتية بسبب غارات الطيران الحربي، إلا أن سكان هذه القرى يجدون أنه لا مفر لهم من الاستمرار في بناء حياتهم، حتى ولو كان ذلك في ظروف هي أشبه بالمستحيل.

وخلف هذه الأنقاض المتراكمة، تم تأسيس منظمة "بادر" المدنية في حوالي منتصف عام 2015، وأتت لتلبي جزءً من احتياجات ما تبقى من سكان في هذه المناطق، وبحسب "أحمد صباح" المسؤول في المنظمة لحكاية ما انحكت: "قام بتأسيس منظمة "بادر" مجموعة من الشبان السوريين (رجال – نساء) من مناطق مختلفة من محافظة حماة، تجمعهم ذات الرؤية، ويتطلعون بأسى إلى ما آلت إليه أحوال الإنسان  السوري، ومازالوا يعتقدون في إمكانية إحداث تغيير ولو طفيف على حياة الناس المحيطين بهم".

تأتي هذه المبادرة في ظل الأوضاع النفسية والاجتماعية السيئة التي يمر بها سكان ريف حماه الشمالي، حيث أدى طول فترة الحرب واللجوء، إلى تحويل الإنسان هناك، إلى إنسان قنوط.. محبط.. وسلبي، وغير قادر على المبادرة، مكتفياً بالحلم بانتهاء الحرب والعودة إلى حياته الطبيعية. ومن هنا كان من أهم الأهداف التي سعى إليها فريق "بادر": تحفيز الفرد السوري (وخاصة النازح) على استعادة حيويته ونشاطه، ومباشرة مهنة أو عمل يقوم به عوضاً عن انتظار المساعدة، وتلبية حاجة الموارد البشرية في التدريب والتطوير، ورفع كفاءات وقدرات الكوادر البشرية سواء العاملة في مؤسسات المجتمع المدني أو الأفراد الطبيعيين.

من أجل هذا وضعت المنظمة مجموعة من الآليات والمشاريع التي تساهم في دعم المدنيين ومساندتهم، وهي كما يقول "صباح": "التحفيز: من خلال إقامة دورات في علوم التنمية البشرية، وخاصة علوم البرمجة اللغوية العصبية، التي تساهم في إعادة بناء الثقة بالنفس وبث روح الأمل من جديد. التمكين: حيث العمل على مجموعة من الورشات التي تساهم في بناء قدرات الإنسان السوري، من خلال تمكينه من تنمية مواهبه وخبراته، والاستفادة من أوقات فراغه في إحياء بعض الفنون والصنائع التراثية المجدية في ظل ظروف الحرب الراهنة. التشبيك: اختيار النماذج الناجحة خلال المراحل السابقة ومحاولة ربطها وتشبيكها مع منظمات تدعم المشاريع الصغيرة".

تطال أعمال منظمة "بادر" العديد من النشاطات الميدانية، ومنها: توثيق انتهاكات النظام في ريف حماة، إنشاء مدرسة "خطوة أمل" التطبيقية، وهي عبارة عن صفوف مدرسية تستهدف عدداً محدوداً من أطفال النازحين، وتقويتهم في موادهم الدراسية، وتحفيزهم من خلال ألعاب هادفة، واستخدام أفلام الرسوم المتحركة التعليمية لإيصال الأفكار الإيجابية؛ العمل على إنشاء برنامج قاعدة بيانات نموذجي لعمل أي مجلس محلي، بحيث يساهم في تسهيل العمل الإنساني ويزيد من الشفافية في عمل المجالس، ويساهم في بناء جدار الثقة بين المواطن وممثليه الحكوميين. إطلاق دورات تدريبية في مجال الإدارة والأمن الرقمي وصناعة المشاريع. توحيد قاعدة البيانات لجميع نازحي محافظة حماة في مدينة كفر نبل.

وكانت خطة عمل منظمة "بادر" حتى منتصف عام 2016، كما يظهرها الجدول التالي:

يتحدث السيد أحمد صباح إلى حكاية ما انحكت عن العديد من العقبات التي تواجه عمل المنظمة وفريقها، ومنها بطبيعة الحال: "صعوبة إيجاد الكادر المتمكن من بعض الأنشطة، والذي يقبل العمل بشكل تطوعي. بينما العقبة الأهم هي الناحية المادية، حيث أن العمل بمجمله حتى الآن تطوعي، وتجهيز المكان بالأدوات اللازمة للعمل، تم تجهيزها بتمويل كادر الفريق بشكل تشاركي، ولكن لابد من التمويل لاستمرارية العمل، خاصة أنه ليس هناك من يقتنع أن عمل من هذا النوع قائم على إمكانات محدودة، بسبب إغداق المنظمات على العمل المدني فباتوا يطلبون الأجور وقيمة المواد بالعملة الصعبة في مثل حالة عمل الفريق".

ورغم هذه العقبات التي لا تعد ولا تحصى، لا يرى فريق "بادر" من خيار أمامهم سوى الاستمرار في العمل، على مبدأ: "أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام".