رغم كل التغطية الإعلامية المسلطة على الانتفاضة السورية بأطوارها المتعددة ومساحاتها الممتدة على كامل الأرض السورية، إلا أن ثمة مدنا وبلدات وجغرافية لم تأخذ حقها من التغطية لأسباب متعددة، بعضها يعود إلى الأجندة التي تعمل بها وسائل الإعلام الكبرى، التي سعى أغلبها لإعطاء صبغة ذات لون واحد للحراك السوري بغية تجييره لصالح أحزاب ودول بعينها، وبعضها يعود إلى ضعف المعارضة التقليدية وأجندتها المتضاربة، وبعضها يعود إلى ضعف الحراك أو نخبويته في تلك المناطق قياسا بغيرها من الجغرافية السورية، وهو ما ينطبق على مدينة السويداء التي ظل الحراك فيها نخبويا "يقوم بعبئه الطلاب والمحامون والمهندسون، والمعارضون المثقفون من أبناء المحافظة"، إضافة إلى "حراك مسلّح ضعيف هو الآخر"، حيث أن "كتائب السويداء في الجيش الحر جمدت نشاطاتها مؤخراً لظروف معقدة تمر بها"، الأمر الذي دفع ناشطو المدينة إلى إطلاق مجلة "ضوضاء" بهدف "تغطية الحراك في السويداء والمنطقة الجنوبية .. مجلة تغطي كل هذه الأحداث وتنقلها إلى باقي مناطق سوريا والعالم" كما يقول أحد مؤسسي المجلة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

المجلة التي انطلقت اليوم، يعود التفكير بتأسيسها إلى قبل عامين من الآن، حيث وجد الناشطون أن "مدينتهم غائبة عن الإعلام .. رغم أنّ أحداثاً كثيرة تدور هناك، وهي منخرطة بالثورة منذ بدايتها، مع اختلاف بطبيعة الحراك عن باقي المناطق التي تعرضت للقصف والدمار"، فجاءت المجلة لتغطي نقصا في هذا المجال، حيث تتخصص المجلة بنقل أبرز الأحداث في المنطقة الجنوبية ( درعا، السويداء) بالتوازي مع الدراسات والترجمات والتحقيقات، التي يقوم بها "فريق تحرير وكتاب صحفيون وكتاب سياسيون، وفريق ترجمة، وفريق مختص بالطباعة والتوزيع والتصوير".

يعمل فريق المجلة على أن يكون صوت العقل والتوازن في سوريا الجديدة، لأنه بعد "مرور ثلاث سنوات على الثورة، والتغيرات الحادة في مسارها، من طول أمد الصراع المسلح وبروز القوى المتطرفة، لا بدّ من الحفاظ على صوت التوازن، صوت القانون والدولة الموحدة، الدولة المدنية التي يتمتع فيها الناس بالحرية والمسؤولية".

و ربما برزت الحاجة لهذا الصوت العقلاني من "خصوصية موقع السويداء الجغرافي، وتجاورها مع محافظة درعا التي تشهد قصفاً ومعارك منذ الأشهر الأولى للثورة، ووجود عدد كبير من القرى بين السويداء ودرعا"، حيث عمل النظام منذ البداية على خلق فتنة بينها، من خلال عمليات الخطف المتبادل وإلقاء التهم على الطرفين المتجاورين"، ليكون دور "ضوضاء" هنا نقل "تقارير وتحقيقات ومقالات رأي تؤكد فيها على دور النظام في خلق هذه الفتنة، وجهود العقلاء من الطرفين لدرئها".

ولتحقيق هذا الأمر تعتمد "ضوضاء" على مراسلين موزعين بين المدينتين، حيث تم تأسيس مكتب للمجلة في السويداء يعمل بشكل سري، يتعاون ويتقاطع مع مكتب "سويداء خبر" و "المركز الإعلامي في السويداء وريفها"، إضافة إلى مكتب في منطقة اللجاة بدرعا، حيث يتواجد المراسلون بهذه المكاتب، إضافة لفرق العمل الأخرى، علما أن أغلب المراسلين هم "مواطنون صحفيون" تدربوا خلال عملهم مع المجلة التي تضم أيضا صحفيون محترفون، و فريق ترجمة محترف.

كون المدينة لا تزال بقبضة النظام الممسك بزمام الأمور بها حتى اللحظة، تبقى العقبة الأمنية هي الأبرز التي تواجه فريق العمل الذي يعمل على طباعة وتوزيع المجلة بشكل سري، وهو ما اضطر جزء من فريق العمل للهرب خارج البلاد، في حين بقي القسم الآخر يعمل في ظل شروط صعبة ودقيقة ومخيفة، خاصة بعد مقتل العديد من معتقلي المدينة تحت التعذيب مؤخرا.

الإعاقة الأخرى للمجلة تأتي من جهة التمويل، إذ بدأت المجلة بشكل تطوعي، ولا يزال حتى اليوم الجزء الأكبر من تمويلها تطوعي، رغم أنها تلقت دعماً من مؤسستي "سمارت" و"بصمة سوريا" التي توقف دعمها منذ أشهر في حين لا تزال سمارت تطبع وتوزع المجلة عبر فريقها في مناطق شمال سوريا وريف حماة.

"ضوضاء" الساعية لأن تكون صوت العقل والتوازن في بيئة سورية تعج بالفوضى اليوم، تحلم بأن تكون جزء من "إعلام سوري حر مستقل في المستقبل"، و أن تصل مرحلة التمويل الذاتي، لكي تستمر بعد الثورة كسلطة "حقيقية تراقب وترصد وتنتقد، كي لا نقع في فخ الديكتاتورية من جديد" لأن "الصحافة أداة من أدوات تغيير المجتمعات والحفاظ على حريتها وديمقراطيتها" كما يقولون.