الشارع إلنا: حراك الممكن بوجه سلطة المستحيل


21 آب 2015

بدأت حركة "الشارع إلنا" في الثلث الأخير من عام 2012، ومن أهم أسبابها كان تراجع ومن ثم توقف المظاهرات العارمة في مدينة سلمية، وأتت كشكل من أشكال الحراك الثوري الموجود في المدينة.

تأتي "الشارع إلنا" في سياق المنظمات المدنية، والتي نشطت بشكل مكثف بعد انطلاقة الثورة السورية، وأتت كشكل من أشكال التعبير المدني والشبابي عما يجري في سوريا، وساهمت من موقعها في عملية التغيير الجاري العمل عليها.

بدأت الحركة عبارة عن دعوة من قبل بعض الناشطين في المدينة، توجهوا بها إلى أهالي المدينة للخروج إلى أحد الشوارع المتفق عليها مسبقاً وفي توقيت محدد، وارتداء ألوان محددة، والسير في الشارع من دون هتاف أو تجمع أو رفع لأي لافتات. وأتت هذه الحركة، كرد على القمع السافر التي واجهت بها أجهزة الأمن مظاهرات مدينة سلمية وتحديداً بعد شهر أيلول من عام 2011.

ملصق من تصميم "الشارع إلنا" ضمن فعالية "آل شمة". المصدر: صفحة السلمية بدها حرية على الفيسبوك
ملصق من تصميم "الشارع إلنا" ضمن فعالية "آل شمة". المصدر: صفحة السلمية بدها حرية على الفيسبوك

 وبحسب شهادة الناشطة (ع.ج) لحكاية ما انحكت، والتي تعرضت للاعتقال من قبل أجهزة الأمن أكثر من مرة، ثم خرجت من البلاد هربا من بطش الأجهزة الأمنية، فإن الفكرة كانت عبارة عن "السير في الشارع بشكل صامت وعدم رفع أي شعارات أو لافتات، وكان ذلك شكل من أشكال تحدي قوى الأمن التي منعت خروج المظاهرات في المدينة". في حين جاء في تعريف الحركة عن نفسها على إيفنت نظمته تحت عنوان "أربعاء آل شمة": "تقوم فكرة حراك (الشارع إلنا) السلمي على أن نحشد أكبر عدد ممكن من الأحرار في شارع واحد, فنملأه كاملاً, وذلك طوال مدّة محدودة, دون أن نهتف أو نتجمع, ثم ننسحب منه بطريقة مفاجئة, مما سيخلق حالة تغير نوعي في طبيعة الحركة بالشارع, و تخلق حالة ارتباك لدى القوى الأمنية المستشرسة, و التي ستقف حائرة عاجزة أمام هذا الحراك. و تهدف إلى تقديم حراك يدعم الثورة في سورية و يعيد الروح المعنوية العالية للمنتفضين الأحرار في سلميّة, و يثبت قدرتنا على القيام بحراك منظم و سلمي, ويسقط عنّا اتهامات التخريب والعنف المغرضة التي اتهمنا بها, ويكون ممهداً لحركات أخرى أشد وقعاً و أكبر تأثيراً".

 وفعلياً لاقت الدعوة قبولاً واسعاً لدى أهالي المدينة وناشطيها، حيث داوموا على الخروج للسير في الشوارع في الأوقات التي يقترحها الناشطون في حركة "الشارع إلنا"، وهي يومين في الأسبوع، يوم الاثنين والأربعاء. وكانت الحركة شبيهة بأغلب المجموعات التي نشأت في كنف الحراك الثوري في المدينة، من حيث تبنيها للعمل السلمي المدني في مناهضة نظام الأسد، ونبذ العنف والوقوف ضد حمل السلاح.

وتنوعت العناوين التي نظمت الحركة نشاطاتها في إطارها، بدءا من التظاهر مشيا دون أي شعار محدد وصولا إلى التضامن مع المعتقلين، كما حصل في "أربعاء آل شمة" بتاريخ 23 مايو 2012، حيث دعت الحركة "لنخرج معاً الأربعاء القادم في الساعة السابعة, في حراك (الشارع إلنا) السلمي, لنؤكد على أننا لن ننسى آل شمّة, لن ننسى هذه العائلة التي ما زالت تقبع في ظلام السجون مما يقارب العشرة أشهر, و نطالب بالكشف عن مصيرهم, و نؤكد أننا سنمضي معاً يداً بيد حتى إسقاط هذا النظام المجرم و تحرير جميع أحرارنا المعتقلين"، حيث رفع ناشطو حماة لافتة التجمع في تظاهراتهم مطالبين أيضا بإطلاق سراح آل شمة.

وتميزت الحركة بأنها وضعت عدد من التعليمات لكل المشاركين في أنشطتها راجية منهم أن يلتزموا بها، بدءا من الوقت "لأنه دون التزامنا بالتوقيت فإن حراكنا سيفقد قسماً كبيراً من قوته, ولضبط خروجنا جميعاً في نفس الوقت, نرجو ضبط ساعاتنا على توقيت ساعة قناة ال BBC"، وليس انتهاء بالتشديد على عدم حمل صور أو لافتات أو القيام بهتافات، إضافة إلى تعليمات أخرى يمكن أن نقرأها على بعض الدعوات على الفيسبوك، حفاظا على جوهر الفكرة التي يريدون تحقيقها.

ورغم سلمية الحركة، والسقف المنخفض الذي اختارت العمل تحته، إلا أنها لم تسلم من قمع قوات الأسد، وبحسب شهادة (ع.ج): "آخر مرة خرجنا بها، وكانت في حوالي منتصف عام 2012، بمشاركة بعض التجمعات الأخرى في المدينة،  ولكن الأمن والشبيحة هجموا علينا، وحاولوا اعتقال بعض الشباب، وتعرضنا للضرب، وتم الاعتداء بالضرب على النساء الموجودات ضمن المظاهرة من قبل شبيحة الأسد، عندها كسرنا حالة الصمت وأصبحنا نهتف (الشعب يريد اسقاط النظام) كانت هذه آخر مظاهرة لحملة الشارع إلنا".

حملة "الشارع إلنا" تعكس حلم مجموعة من الشباب الذين قاوموا الدكتاتورية، تارة وفق فن الممكن والمتاح وتارة وفق أعلى سقف مواجهة معه، ما يجعل الحملة نموذجا مكثفا لصعوبة النضال ضد المستبد الذي لا يقبل أي اعتراض ضده، سواء بسقف منخفض أو مرتفع، فحين يدرك أن أهداف الناشطين –مهما بدت صغيرة- يمكن أن تتراكم وتتصاعد ضده، فإنه لا يتوانى عن قمعها.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد