الحراك السلمي في درعا: هدم الاستبداد بيد وتعزيز الديمقراطية بيد


16 شباط 2015

أن تتأسس مجموعة سلمية في بداية عام 2013، بعد أن يكون قسم كبير من الثورة انزاح نحو العسكرة، وفي مدينة درعا التي أطلقت الثورة السلمية وتكوّنت فيها الكثير من الكتائب العسكرية، هو أمر له دلالة كبيرة على أن المكوّن العسكري للثورة و التطرف لم ولن يتمكنا من إزاحة المشهد السلمي من الثورة، وعلى أن السلمية مستمرة رغم كل الصعاب، حيث يناضل "الحراك الثوري السلمي في مدينة درعا" الذي انطلق في 1/2/2013 ليبقي جذوة الحراك السلمي قائما، و لتوزيع "فيتامينات 18/3/20111 لتجديد الشعور بالحرية" كما تقول إحدى لافتاتهم المرفوعة بتاريخ 13 ديسمبر 2014، ولتأكيد أنه "مهما اختلفت الرؤيا وتوجهاتنا! سيبقى هدفنا الحرية وغايتنا إسقاط النظام" كما تقول لافتة أخرى رفعت في ذات اليوم.

تأسست المجموعة بهدف إيصال "صوت الأحرار والثوار في آن واحد إلى العالم أجمع بعد أن غطت المشاهد العسكرية على النشاطات السلمية, وبات النظام يروّج أن الثورة في سوريا قد انتهت، وأن الصراع القائم الآن هو صراع على السلطة وصراع طائفي في آن واحد, وروّج لهذه الصورة ونجح بها إلى حد ما"، الأمر الذي دفع مجموعة من النشطاء لتأسيس التجمع للتصدي "لأفكار النظام وإشاعاته وإظهار الجانب المشرق من ثورتنا وبأن ثورتنا ثورة كرامة وهي قائمة حتى تحقيق أهدافها النبيلة" كما يقول أحد نشطاء التجمع لـ حكاية ما انحكت.

لافتة رفعها المتظاهرون في درعا. المصدر" الصفحة الرسمية للحراك السلمي في درعا
لافتة رفعها المتظاهرون في درعا. المصدر" الصفحة الرسمية للحراك السلمي في درعا

إصرار التجمع على السلمية، وإيمانه به ليسا مجرد ترف أو بحث عن دور وظيفي، بل يأتي من إيمان عميق بأن "العمل السلمي هو السبيل الأنجع لتأسيس الدول على أسس قوية اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً، و أنّه أحد أقوى ضمانات الديمقراطية"، لذا هم يدعون الجميع للاهتمام بالمشاريع المدنية، لأنها "بذار المجتمع المدني الراشد" للوصول إلى "أفق الحرية و الكرامة الذي يتسع للجميع"، وهي الطريق الأفضل لعدم إظهار الثورة "بأنها صراع طائفي بل هي ثورة للنهضة بالإنسان"، وهو ما تجسده لافتاتهم فعلا، إذ يقول إحداها "الطائفية اقتلها قبل أن تقتلك".

التجمع الذي أخذ على عاتقه أمر الحفاظ على موقع الحراك السلمي في مهد الثورة ( درعا) لم يتوقف على تنظيم المظاهرات والحراك الثوري فقط، بل تعدى ذلك إلى القيام بزرع الأشجار لتعويض مع مات منها بالقصف، عبر السعي لإنشاء غابات بديلة وذلك عبر التعاون مع هيئات فاعلة على الأرض مثل المجلس المحلي وهيئة الدفاع في المدينة، إضافة إلى مساعدة "أهلنا العائدين إلى حضن الثورة على التأقلم مع الوضع الراهن"، والإشراف على المشافي الميدانية التي تعالج مدنيين إصاباتهم بالغة جراء قصف النظام، والعمل على إنشاء دور لإجراء دورات تأهيل نفسي للأطفال، والتواصل مع مكاتب الحراك السلمي في المدن الأخرى للتنسيق وتوحيد الرؤى.

لافتة رفعها المتظاهرون في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للحراك السلمي في درعا على الفيسبوك
لافتة رفعها المتظاهرون في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للحراك السلمي في درعا على الفيسبوك

اللافتات التي يرفعها التجمع تمتاز بحس نقدي سليم، فهي إلى جانب نقدها النظام ووحشيته لا تكف عن انتقاد قوى الثورة نفسها حين تنحرف وقوى المعارضة أيضا ومواقف الدول والمجتمع الدولي، مجسدة بذلك الديمقراطية وحق النقد والرأي رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشون في ظلها، ففي 17 اكتوبر 2014 رفعت طفلة لافتة كتب عليها "إغلاق المعابر في وجهنا، أشد علينا من وقع براميل الأسد"، في نقد موجه للسلطات الأردنية، وفي 4 اكتوبر 2014 رفع شاب لافتة تقول "أيها العالم ماذا عن إرهاب النظام السوري، إرهاب حزب الشيطان اللبناني" في نقد للتحالف الدولي ضد داعش الذي يركز على إرهاب ويستثني إرهابا آخر، وفي 23 يناير 2015 رفعت لافتة تقول: "رسالة إلى المتسلقين: الشعب يريد أن يعرف كم رئيس يحكمه"، في دلالة على تشرذم المعارضة التي انتقدت في لافتة أخرى، تقول "أيهما أصعب، إسقاط النظام أم اتحاد المعارضة؟".

لا يخفي التجمع تنسيقه مع الكتائب المسلحة على الأرض "من باب تصحيح المسار للثورة، وإعادة الرونق الجميل لهذه الثورة والتصدي لأي محاولة للنظام لزرع الفتنة بين الشعب السوري الواحد" كما يقولون لـ حكاية ما انحكت، لأنهم مؤمنون بالترابط بين المكونين المدني والعسكري، حيث كتب على أحد اللافتات في 12 أغسطس 2014 " أبطالنا على الجبهات، ومتظاهرينا في الساحات، يد بيد لإسقاط النظام"، مؤكدين بذات الوقت أنهم لم يتلقوا "دعم حتى هذه اللحظة من أي جهة ونتمنى أن يتم دعم الحراك من قبل جمعيات مستقلة للاستمرار بالعمل".

لافتة رفعها المتظاهرون في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للحراك السلمي في درعا على الفيسبوك
لافتة رفعها المتظاهرون في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للحراك السلمي في درعا على الفيسبوك

"الحراك الثوري السلمي في مدينة درعا": تجمع انطلق من مهد الثورة ( درعا)، وبعد عامين تقريبا على انطلاق الثورة السلمية وبعد عام على دخولها طورها المسلح، الأمر الذي يعني أنه يأتي نتيجة لكل ما سبق من جهة، وقراءة له ليستفيد من التجربة ويقدم أفقا بديلا يركز على تحقيق أهداف الثورة إلى جانب إبقاء النقد حاضرا في كل اتجاه، ليكون بذلك يهدم الاستبداد بيد ويبني ديمقراطيته الوليدة باليد الأخرى.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد