إذاعة "آرتا أف أم"


16 أيلول 2013

كانت كلمة "كردي" ممنوعةً  في الإعلام الرسمي السوري كأية شُبهة، وإلى تاريخٍ  قريبٍ كانت السلطات البعثيَّة القمعيَّة تمنع الأكراد السوريين من تسمية أبنائهم بأسماء كرديَّة، ضمن حملة خاصة لتعريض اللغة والثقافة الكردية إلى أقسى حملات التهميش والإقصاء والعزل، وتم تعريب أغلب أسماء المدن والقرى الكرديَّة، إضافة إلى ذلك  فإنَّ المكون الكردي السوري بقي غامضاً لعموم المجتمع السوري، والنظرة تجاههم كانت تترواح بين اعتبارهم حالة لغوية خاصة! أو ثقافة دينيَّة غامضة.

وبعد انطلاق شرارة الاحتجاجات في سوريا، عملت السلطة السورية على كسب تأييد الشارع الكردي، فرخَّت من قبضتها العنصرية على الثقافة الكرديَّة، فتشكلت إثر ذلك العديدُ من المدارس التعليميَّة للغة الكرديَّة، والمراكز الثقافيَّة التي تهتمُّ بالثقافة واللغة الكرديَّة، لتولد ضمن هذا السياق أوَّل إذاعة تتأسَّسُ باللغة الكردية في تاريخ سوريا هي إذاعة "آرتا أف أم"، التي تأسَّست بتاريخ 167-2013 في مدينة "عامودا، بعد تحضير دام  مدَّة شهرين، حيثُ تم تخصيص أربعة دورات تدريبية للكادر العامل في الإذاعة، وهم جميعاً ثوَّارٌ  وناشطون من الداخل السوري، وقُسمت الدورات بين مهارات عامَّة في العمل الإعلامي، بالإضافة إلى مهارات خاصة بالعمل الإذاعي، كما يقول "سيروان حاج بركو" مؤسس الإذاعة لموقعنا سيريا أنتولد Syria nuntold .

ولأنَّ السلطة البديلة المحليَّة بعد غياب سلطة النظام السوري في المناطق الكردية في الشمال السوري هي "الهيئة الكرديَّة العليا"، فقد عمل الناشطون في الإذاعة منعاً للالتباس على أخذ الموافقة الرسمية الموقعة من "الهيئة الكرديَّة العليا" قبل إطلاق الإذاعة، حيث قال
"بركو" كان لديُّ حلمٌ أن أقوم بتأسيسٍ محطّةٍ إذاعية في وطني, وأن أكون كادراً فيها.  منذ عام2005 كنت أعمل كصحافي في الإذاعة الألمانية WDR، وفي السنوات الثلاث الأخيرة استطعت تدريب أكثر من  مائة صحفي في كُردستان تركيا والأردن من أجل خدمة العمل الإذاعي، لذلك فقد تكوَّنت لدي خبرة متينة لعمل من هذا النوع. في الأردن و"عنتاب" عرضت الفكرة على بعض مؤسسات الإعلام الأوربية والأمريكية، وقد قدمت لنا مؤسسة "سيدا" التابعة للحكومة السويدية، المساعدة لتحقيق مشروعنا، ومن أجل تحقيق هذا المشروع كنّا بحاجةٍ إلى موظفين في هذا المجال, في الوقت الحالي لدينا أكثر من أربعين شاب وشابة من الكُرد والعرب والسريان يعملون في الإذاعة, منذ البداية وحتى الآن هم في عملية تعلّم يومية ويخطون خطواتٍ جادة نحو الصحافة المهنية".

صورة تظهر مؤسس اذاعة ارتا اف ام سيروان حاج بركو مع كادر العمل المصدر موقع شباب كوباني
صورة تظهر مؤسس اذاعة ارتا اف ام سيروان حاج بركو مع كادر العمل المصدر موقع شباب كوباني

إذاعة "آرتا إف إم" هي إحدى مشاريع المركز السوري للتعاون والتواصل في المناطق الكُردية (sccck)، وهي مؤسَّسة غير ربحية غير حكومية, مركزها السويد. تهدف إذاعة "آرتا أف أم" إلى مساندة التنوُّع القومي والديني في المناطق الكردية وباقي المناطق السوريَّة، وذلك بتعاضد مع النشاطات المشتركة الكردية والعربية والمسيحية وباعتماد ثقافة الحوار، لأنَّ "ثقافة الحوار وحدها ترسخ العيش المشترك السلمي والاحترام والتسامح بين المكونات المختلفة"، وينصب جهد العاملين في الإذاعة  لأجل قيام مجتمعٍ مدنيّ ديمقراطيّ في المجتمع السوري عموماً والمناطق الكُردية بشكل خاص في إطار سوريا موحدة  وديمقراطية، بالإضافة إلى غرس قيم العدالة في المرحلة الانتقالية السورية، والعاملون في إذاعة "آرتا إف إم" يمتلكون قناعةٍ قوية لحماية وتطوير حقوق المرأة والطفل, بالإضافة إلى إيصال المشاكل اليومية للمواطنين إلى الجهات المسؤولة في السلطات المحليَّة.

وفي ظل التشرذم السياسي الكردي فإنَّ إذاعة  "آرتا إف إم" هي إذاعة مجتمعيَّة لا تمتلك أجندات سياسية أو حزبيَّة أو دينية أو أيديولوجية, هي إذاعة المواطنين ومن أجل المواطنين. من ناحيةٍ أخرى فإنَّ إذاعة "آرتا إف إم"  صاحبة التزاماتٍ مجتمعية, إذ يقول مؤسس الإذاعة "سيروان حاج بركو" : "وطننا يعيشُ  حالة حرب وفوضى عارمة حيث أن مئات الآلاف من المواطنين هُجّروا إلى الدول المجاورة و أوروبا, في هذا الوقت فإنَّ  إذاعة "آرتا أف أم" سنحت الفرصة لأكثر من أربعين شخصاً كي يعيشوا في سوريا  وكان من الممكن أن يهاجر هؤلاء الموظفون أيضاً, إلا أنَّهم الآن يعملون في وطنهم ويساهمون في بنائِه وهناكَ البعض من الذين يعملون في "آرتا أف أم"، وسُبِقَ أن هجروا إلى تركيا وإقليم كُردستان"، إذاً فإنَّ إذاعة "آرتا إف إم" فتحت للعاملين في الإذاعة أبواب الوطن واحتضنتهم، وكلَّما ازداد عدد العاملين، قَلَّتْ فُرصُ الهجرة من الوطن.

 تختلف البرامج التي تُعرض على إذاعة "آرتا أف أم" من  أخبارٍ وتقارير ولقاءات واستطلاعات وبرامج مختلفة بالكُردية والعربية والسريانية، وأغلب المواضيع نابعة من شوارع المدينة ومنازلها، أي أن العمل لا يختصر على الاستديو فقط، والموظّفون ينزلون إلى الشارع ويأتون بقصص، وتولي إذاعة "آرتا أف أم" اهتماماً خاصّاً بالبرامج الاجتماعية كمشاكل الشباب والعائلة، كما تتناول المعاناة اليومية للمواطنين كانقطاع الكهرباء والماء وكافة ضرورات الحياة اليومية في المدن, وتشكّل الثقافة والفن جزءً كبيراً من عمل الإذاعة، حيثُ يتمُّ إفساح المجال أكثر للفنانين والشخصيات في منطقة الجزيرة.

باحتوائها على موظفين من كافة المكونات الأهلية في منطقة الجزيرة، فإنَّ إذاعة "آرتا أم أف" إضافة لكونها تجربة في العمل الإعلامي الإذاعي، فهي تشكل حالة وطنية للتجاور السلمي للمكونات في الشمال السوري.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد