مجلة أوكسجين


23 شباط 2014

 

مُعتَقلُ في أقبيةِ النّظام السوري المُعتِمة، يقبع في زنزانةٍ بعيدَةٍ عن الضّوء والهواء، هُناك في السجن حيثُ اشتاقَ لتفّاح مدينتهِ في الزبداني ولهوائها العليل (هنا تولّد أصل تسمية المجلة، مجلّة "أوكسجين)، إذا أن الأوكسجين للمعتقل هو معادل للحريّة، من خَلفِ تلكَ القُضبان كان ابن الزبداني يحلُمُ بمستقبلٍ أفضَل لوطنِهِ، وكانَ يطمحُ إلى عملٍ يستطيعُ من خلالهِ أن يوصل صوت من هم في الداخل السوري، ليعلِم الجميع بسلميّة ثورتهم ونُضْج أفكارهم، فتولّدت فكرة المجلة.

بدأَ تنفيذُ فِكرة مجلة "أوكسجين" بالتواصُل مع شَباب وشابَّات الحِراك السلمي في مدينة "الزبداني"، مِمَّن كانَ لديهم حبُّ الثورةِ والحماس لأيّ عملٍ يخدُم أهدافَها، وتطورت من مجموعةٍ صغيرةٍ هي نفسها التي كانَت تَخرُج في المظاهرات وترسُم اللافتات، حيث تم إصار العدد الأول في 22 / كانون الثاني/ 2012، تحت شعار "نحنا مو مجلة... نحنا صوتكم الحر".

انطلَقت مجلّة "أوكسجين" بدايةً من مدينة "الزبداني" في ريف دمشق، كونَها الحاضِنة الأولى والأخيرة لها، وكانت المجلّة موجّهةً بشكلٍ أساسي إلى الفئةِ الرماديّة التي التزمت الحياديّة والصّمت، ثم اتّجهت المجلة  فيما بعد إلى أهالي المدينة أنفسهم، من أجل توعيتهم ولفْت نظرهِم إلى الأخطاء التي ترتكب باسم الثورة، وهي لا تغطي الزبداني بشكل خاص  بل تغطي كافة المدن والبلدات السورية، ولو أنّ فيها مساحة مخصصة للشأن المحلي في الزبداني، وذلك لأن الكثير من أهالي الزبداني المغتربين يتابعون المجلة من أجل معرفة أخبارها وأحوالها.

وحولَ توزيعِ المجلّة وأهم العوائق الماديّة واللوجستية التي تواجه فريق العمل، يقول أحدُ الناشطين في المجلة لموقعنا سيريا أنتولد Syrian untold :"قبل عام تقريبًا كان يوزع من المجلة أكثر من ألف نسخة ورقيّة في مدينة الزبداني، إلا أنّه وبسبب تصعِيد العمليّات العسكريّة ونزوح الأهالي عن المنطقة توقَّفَت عن الطباعة واقتصرَت على النشر الالكتروني فقط، إلا أنّها عادت للنشر الورقي في عدّة مناطقَ مُحرَّرة مثل ريف حلب وإدلب والرقة ومؤخرًا بِنّش، وذلك عن طريق جمعيَّة "سمارت لدعم الإعلام الحر"، كما تتم طباعة المجلة في "الحولة" بريف حمص بجهود فريق أوكسجين الموجود فيها، ونشرِت عدة مرات في مدن عالميّة، مثل بروكسل وواشنطن، وذلك نتيجة جهودٍ شخصيّة من بعض الناشطين.

 الصعوبات التي تواجه فريق العمل هي صعوبات أمنية وماديّة، كالخطر على سلامة العاملين في المجلة من قبل بعض التيارات التي قد لا تكون راضية عن محتوي المجلة، علماً أنّه قد تم اختطاف أحد أفراد فريق التوزيع من قبل "داعش"، وذلك أثناء توزيع العدد في منطقة منبج في ريف حلب، إلى جانب كل ذلك هنالك أيضاً مشاكل ضعف التمويل المادي وارتفاع كلفة مستلزمات النشر والطباعة"، إضافة إلى خطر الاعتقال من قبل النظام بطبيعة الحال، عدا عن ضغوط العمل تحت ظروف سيئة مثل القصف والحصار وانقطاع الكهرباء والأنترنت وعدم تفرغ فريق العمل للمجلة لانشغالهم بتأمين سبل العيش.

صورة توضح قرّاء مجلة أوكسجين بعد توزيعها في مدينة كفرنيل، المصدر الموقع الرسمي للمجلة عالفيسبوك
صورة توضح قرّاء مجلة أوكسجين بعد توزيعها في مدينة كفرنيل، المصدر الموقع الرسمي للمجلة عالفيسبوك

فريقُ العمل تم اختيارهُ من الناشطين والناشطات العاملين في الحراك السلمي في مدينة الزبداني، معظمُهُم شبّان وشابات جامعيّون، ولكِن لم يكُن لدى أيّ منهم اختصاصٌ في الإعلام أو الصحافة، تمّ اختيارهم بشكلٍ أساسي من الناس الثقاة الذين يعتمَد عليهم والمتحمّسين للعمل في هذه المطبوعة. عملهم الصحفي بدأ مع انطلاقة المجلة وازدادت خبرتهم مع ازدياد رصيدهم من المواد في المجلة، وتطور عملهم من خلال النقد والنقاش الذي كان يعقب كل عدد، مع التنويه للأخطاء والملاحظات التي من شأنها التطوير ورفع سوية العدد والمواد.

لا يوجدَ تمويل مستمرّ وحقيقي لمجلة "أوكسجين"، إذا أنه بدايةً لم يكن يوجد تمويل للمجلّة واعتمدَت فقط على دخل أعضاءِ الفريق الشخصي لتأمين المستلزمات الخاصّة بالطباعة والانترنت. "منذ عام تقريباً بدأنا بتلقّي دعم محدود من جمعية "ASML" لتغطية مصاريف الانترنت والتواصل وبعض التجهيزات الصحفيّة لأعضاء الفريق".

 مجلّة "أوكسجين" تلتزم بأخلاقيات الثورة بشكل عام، من احترام المجتمع بكافة أطيافه والابتعاد عن الأفكار التي قد تثير الفتن وتفرّق الصف، لا توجد خطوط حمراء في النشر طالما أن المواد تعبّر عن الحقيقة وعن الواقع المعاش، لذلك فإن أي موقف وأي شخص هو مادة للنقد والتمحيص حتى ولو كان أحد رموز الثورة.

صورة تظهر أعداد مجلة أوكسجين مطبوعة في مدينة الحولة بريف حمص المصدر الموقع الرسمي للمجلة عالفيسبوك
صورة تظهر أعداد مجلة أوكسجين مطبوعة في مدينة الحولة بريف حمص المصدر الموقع الرسمي للمجلة عالفيسبوك

استمرارية المجلة ضرورية لطرح سلبيات وهموم ما بعد الثورة، و لنشر الوعي العام واحترام الحريات وتعزيز قيم الديمقراطية وتقبّل الرأي الآخر بحيث تكون جسراً بين جميع أطياف المجتمع. "لذا نعمل دائماً على تطويرها لتكون بمثابة توثيق لذاكرة الثورة وتحريض لمن سيأتي بعدنا من أجل رفض سياسة التهميش والإرهاب التي انتهجها الأسد لأعوام طويلة".

الإمكانيات متواضعة والأخطاء كثيرة، ولكن يبقى الدافع للاستمرار هو أن الكتاب الحقيقين للمجلة هم شباب موجودون تحت القصف والحصار ، وليس كتّاب لامعون ادّعوا الفكر والحرية ورفضوا اليوم أن يقفوا مع شعب ثائر أراد الحياة.

 

 

 

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد