عنب بلدي: تجربة صحفيَّة مُعمّدة بدم الحقيقة.


24 تشرين الأول 2013

لكل مدينة سورية طابعها ولمستها الخاصة التي أضفتها على الانتفاضة السورية، فأصبحت ملوّنة بألوان المدن و أطيافها المتنوعة، لتعطي الانتفاضة هذه المدن أيضا صفاتها التي باتت تعرف بها في علاقة جدل وحوار بين الانتفاضة والمدن التي أحييتها، فمن "مهد الثورة" (درعا) إلى "عاصمة الثورة" (حمص) تمددت مدن كثيرة عرف كل منها بلونه الخاص وطبيعة تظاهراته ونشاطاته التي عكست ألوان الطيف السوري من كلمة "آزادي" التي ارتفعت في سماء القامشلي وعامودا في الشمال الشرقي من سوريا إلى "صوت القاشوش" في حماه (يلا ارحل يا بشار) إلى بانياس إلى أصوات الراحل "غياث مطر" وصديقه المعتقل "يحيى الشربجي" في مدينة داريا التي تعتبر معقل النشاط السلمي إبان الفترة السلمية للانتفاضة. تلك المدينة الصغيرة في ريف دمشق التي قدمت تجارب مبدعة ومذهلة في النشاط السلمي، بدءا من تقديم الورد والماء لعناصر الجيش والأمن وليس انتهاءا بالتظاهرات التي أبدع فيها أهالي المدينة حين ابتدعوا "تظاهرة الفزاعة" بمواجهة الضغوط الأمنية، مرورا بتجربة نساء المدينة وصباياها لنصل إلى تجربتها الصحفية الأهم "عنب بلدي" التي سنروي حكايتها اليوم، والتي " أسميناها عنب بلدي تيمنًا بثمار مدينتنا الأشهر، والتي تطورت لاحقًا لتصبح مؤسسة عنب بلدي" كما يقول أحد النشطاء لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold".

"عنب بلدي" ولدت على يد "مجموعة من النشطاء السوريين، ينحدر معظمنا من مدينة داريا في ريف دمشق الغربي، يبلغ عددنا حاليًا 26 شابًا (14 شاب و 12فتاة) أوجدتنا الثورة في ساحة عمل واحدة، وقد جمعتنا مجموعة من النشاطات السلمية والمدنية، قمنا من خلالها بإصدار مجموعة من المنشورات والمطبوعات المتفرقة قبل أن يتبلور عملنا في جريدة أسبوعية" تتناول مواضيع "سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية منوعة"، دون أن تقتصر على ذلك، إذ تم الربط بين العمل الصحفي الذي تخصصت به الجريدة والعمل المدني السلمي التوعوي الذي تخصصت به المنشورات والملحقات التي باتت تصدر مع كل عدد من الجريدة، مثل إصدار "مجموعة من المنشورات الطبية ومنشورات الدفاع المدني" بهدف " توجيه نصائح وتوجيهات للتعامل مع الحالات الطارئة وإصابات الحروب"، إضافة إلى إصدار "سلسلة من الملحقات التوثيقية لمجزرة داريا الكبرى ضمت صورًا وأسماء الشهداء في المدينة.. و كتيبًا بعنوان "تحررت وبانتظار تحرر وطني" وهي عبارة قطوف من أدب السجون إضافة لمجموعة من المقالات التي نشرت في صفحة "معتقلون وسجون" في جريدة عنب بلدي.

وتعاونت المؤسسة مع مؤسسة "الحراك السلمي السوري" لإصدار مجلة "طيارة ورق" الموّجهة للأطفال من عمر 7 إلى 14 سنة، وقد صدر منها حتى الآن 17 عدد وهي نصف شهرية.

 

ورقة من شجرة العنب تدل على اسم الجريدة، المصدر: صفحة الفيسبوك الرسمية للجريدة.
ورقة من شجرة العنب تدل على اسم الجريدة، المصدر: صفحة الفيسبوك الرسمية للجريدة.

لا ينسى فريق العمل الذي أصدر حتى اليوم (21/10/2013) 87 عددًا، العدد صفر الذي تم إصداره في 29/1/2012، إذ كان بالنسبة لهم أجمل اللحظات على الإطلاق"، لأنها "أشبه بحلم دفع معظمنا للبكاء عند استلام النسخة الورقية الأولى"، خاصة أن التمويل في السنة الأولى اقتصر على جيوب المؤسسين للمشروع وبعض أهالي المدينة "الذين كانوا يتكفلون بتأمين الورق والحبر وبعض نفقات الطباعة، إلى أن اتسع العمل وزادت الأعباء على الفريق بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي قضت على مصادر التمويل الذاتي بشكل كامل، وهو ما جعلنا نتلقى مع مطلع العام الحالي دعمًا محدودًا من بعض الجمعيات التي تقوم بدعم الإعلام الحر" علما أن الجريدة رفضت تمويل منظمات فرضت "علينا شروطًا على الجريدة، كوضع اسم المنظمة الداعمة، أو وضع شعارها على غلاف الجريدة، وبعضها طلب تخصيص زاوية للترويج لنشاطات المنظمة".

آواخر شهر آب عام 2012 كان من أعصب الفترات التي مرت على الجريدة بسب حدوث مجزرة داريا الكبرى "التي راح ضحيتها أكثر من 700 شهيد من أهلنا وأصدقائنا، والتي أصابتنا بصدمة كبيرة جعلتنا نتوقف عن إصدار الجريدة لعددين متتالين، وقد رافق تلك الفترة تخبط كبير لدى أعضاء الفريق واختلاط في المشاعر ، وقد كانت تلك المجزرة السبب الأكبر في تشرذم الفريق وانتشاره في مناطق مختلفة في دمشق وريفها بعد أن كنا مجتمعين في مكان واحد تقريبًا" لتأتي بعدها صدمة رحيل الشاب "محمد أنور قريطم" أحد أبرز مؤسسي عنب بلدي ومبتدع فكرة تظاهرة الفزاعات التي أذهلت السوريين والعالم، إذ رحل آواخر تشرين الأول(2012) ليصدر العدد "41 الأكثر قساوة على الفريق" ليفجع الفريق مرة أخرى برحيل مدير التحرير في آذار (2013) بعد أن أصابته شظية داخل مدينة داريا، وهو الحدث الذي كان "كفيلًا بتدمير الفريق لولا أنه كان قد وصل إلى مرحلة من التنظيم والمأسسة جعلته متماسكًا وقادرًا على الاستمرار"، لنكون أمام تجربة صحفية معمدة بالدم في سبيل قول الحقيقة.

https://www.youtube.com/watch?v=SK91LYzNCtQ

تهدف الصحيفة إلى "تعزيز مبادئ الدولة المدنية ومفاهيم المجتمع المدني، لا سيما مع التحولات الأخيرة التي بدأت تدفع بالمجتمع نحو التشدد الديني والعنف وسط غياب فعاليات ومشاريع مدنية تقاوم هذا الانحدار الخطير في مسار الثورة"، لنكون أمام وعي مدني يحمله أصحاب المشروع عن خطورة التشدد على "سورياهم" والأهداف التي خرجوا من أجلها.

يحز في نفس القائمين على المشروع أن صحيفتهم اليوم لا توزع في المدينة التي ولدت فيها، إذ "توقفت في داريا منذ حوالي عشرة أشهر لأكثر من سبب، منها - إضافة لخسارة عدد من أعضاء الفريق وفقدات معدات الطباعة- نزوح جميع أهالي المدينة وبقاء المقاتلين وبضعة آلاف من المدنيين فقط، ولم يكن مناسبًا في هذه الظروف التي رافقت الحملة على داريا طباعة الجريدة وتوزيعها عليهم"، ليقتصر توزيعها على عدد من مناطق الشمال السوري، مثل الرقة وريف حلب وإدلب.

 ومع ذلك فإن الفريق يفكر حاليا بطباعة ١٠٠ - ٢٠٠ نسخة أسبوعية من جريدة عنب بلدي داخل داريا، نظرًا لمطالبة بعض النشطاء بذلك كبديل لغياب الكهرباء وعدم اطلاع المدنيين المتبقين في الداخل على الأخبار، وقد "استطعنا استعارة آلة طباعة من داخل المدينة بشكل مؤقت، كما أنه لدينا كمية جيدة من الورق لم تصب بأذى بعد، ويبقى لدينا العائق الوحيد هو الحبر، الذي لم نستطع إدخاله بعد في ظل الحصار المحكم الذي تتعرض له المدينة حاليًا"، لنكون أمام مؤسسة تناضل بالقلم من جهة، و على أرض الواقع من جهة أخرى، حين تسعى لفك الحصار لإيصال منشورتها الورقية إلى قرائها المحاصرين في مدنهم.

"عنب بلدي" مؤسسة إعلامية بصناعة سورية مئة بالمئة، تقاوم بدم أبنائها ومؤسسيها لاستيلاد سورية حرة من براثن النظام، ولانتزاع صناعة الرأي العام من يد النظام، ليكون بيد السوريين المتعطشين لصناعة الحقيقة وقولها في إعلامهم بعد أن احتكرها النظام عقودا.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد