رمضان شاق آخر


30 تموز 2014

 

منذ رمضان 2011 والسوريون يعرفون أنّ شهر الرحمة هو الأقسى عليهم. فعلاوة على ما يعانونه بطبيعة الحال من قصف وحصار يقوم به النظام، وإرهاب ممنهج يمارسه السلفيون؛ تأتي فريضة الصيام ضمن صيفٍ لاهبٍ يفوق الاحتمال.

رمضان 2014 هو الأشدّ قسوة خلال عمر الثورة السورية، فقد جاء في فترة وصل فيها الانهيار الاقتصادي إلى أوجه، وفي ظل أوضاع معيشية يعجز عنها الوصف، لكنّ حاجة الناس إلى العزاء الروحاني تخفّف وطأة كل ذلك.

تفاعل السوريون مع حلول الشهر الكريم، فكتبوا وعبروا على صفحات التواصل الاجتماعي متناولين المسألة من منظورهم الخاص، مرة بالسخرية، ومرة أخرى بنبرة تراجيدية. وقد قامت "سيريا أنتولد Syria untold" برصد ما كبته السوريين وانتقت من هذه باقة صغيرة.

كتبت الناشطة "Roody AH" على فيسبوك: "سؤال لرجال الدين والمسلمين: ما فتوى صيام المحاصر والجائع؟". السؤال محاولة لعكس الآية، ذلك أن الفتوى في هذه الحال تأتي بخصوص المفطرين في العادة، لكنّ المقصد سيحمل الكثير من الدلالات، حيث أنّ المحاصرين أشبه بالصائمين. كما كتب الناشط الفلسطيني السوري محمد شتات على فيسبوكه: "رمضان مُتَرَدِّد.. سيسأل نَفسَهُ في كُلِ حين.. وأذان مغرب وفجر.. بِأي وجهٍ أتَيت؟". شتات أراد الربط بين الشهر الكريم بوصفه شهراً للرحمة وبين اللعنات الكبرى التي تحل بأبناء سوريا من جوع وتشريد وقتل. في حين ذهب رامي السيد إلى توصيف واقع الحال وتواطؤ قوى النهب والفساد وتجّار الأزمات مع بطش النظام ضدّ الشعب المغلوب على أمره: "لا يوجد في أسواق جنوب دمشق كيلوا أرز واحد يزيّن موائد الفقراء. أزمة غذائية وشبح الجوع يخيم على كل بيت بعد سحب المواد الغذائية من الأسواق، وإغلاق قوات النظام كل المعابر في وجه أهالي الجنوب، ويعود كل الفضل إلى تجار الدم عليكم من الله ما تستحقون". وفي مواقع اللجوء والغربة يفتقد السوريون ألفة رمضان التي عهدوها وعاشوها، مثلما يعبّر عنها ياسر الأطرش تحت عنوان "سحور": "بلا صوت أبٍ يرفع بلا إله إلا الله، ليعلو على صوت الحنفية التي يتوضأ منها. بلا صمت أم يقول بوضوح الفجر: الله يرضى عليك ..بلا لمة العائلة.. بلا وطن ..سحور بنكهة القهر والوحدة والأسئلة الموجعة . ولكن رمضانكم كرم وخيرات ومحبة وحرية".

رمضان أليم لوحة للفنان مصطفى يعقوب... المصدر : صفحة الفنان على اليوتيوب
رمضان أليم لوحة للفنان مصطفى يعقوب... المصدر : صفحة الفنان على اليوتيوب

 

كان المشهد الأبرز في رمضان 2014 هو قيام الخلافة الإسلامية في بدايته، حيث أعلنت "داعش" في بيان رسمي لها تنصيب خليفة للمسلمين هو عبد الله إبراهيم "أبو بكر البغدادي"، وبذلك "تم إلغاء اسمي العراق والشام من مسمى الدولة ويقتصر على الدولة الإسلامية"، وقد رأى البيان أنه "صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة الخليفة وتبطل جميع الإمارات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جنده". وقد كتب الناشط نائل الحريري: "الخلافة كويسة، والدولة الإسلامية ما فيها شي وعين الله عليها... نحن بس اللي مصابين بالإسلاموفوبيا!". بينما علّق الناشط فادي داهوك: "بما أن المسلمين كانوا أقوى من الزمن وأعادوه للوراء، على الكفّار أيضاً أن يرصّوا صفوفهم جيداً، فهذه الفرصة لن تتكرر. فليقاتلوا من أجلها بالسيف والكيف". فيما سخرت خولة دنيا: "طلع رمضان كريم فعلاً، ما رح يخلص رمضان السنة إلا بكم دولة جدد". وبدوره علّق الفنان غطفان غنوم على ظهور "الخليفة" في الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية: "نطالب الخليفة الذي حَمَلَ حِمْل الجبال بولايته علينا أن يخفف قليلاً من وزنه وكرشه، وأن يمارس الرياضة وركوب الخيل أسوة بالسلف الصالح. ومن ناحية أخرى نطالب البغدادي ببدء تنفيذ وعوده والإعلان عن تحقيق جاد وحقيقي للكشف عن قتلة المخرج العالمي المرحوم مصطفى العقاد الذي أخرج فيلم "الرسالة"، فقدم الإسلام بصورة زاهية تليق بنا وبه. علما بأن البغدادي ذو الكرش تتلمذ على يد الزرقاوي العقل المدبر للتفجير. وعلماً أن المرحوم العقاد سوري الجنسية من حلب، وأنه قد أسلم بسبب فيلمه الكثير من الكفار.

لوحة بعنوان رمضان شهر الفتوحات يرفعها ناشطون كفرنبل.. المصدر صفحة لافتات كفرنبل على الفيسبوك
لوحة بعنوان رمضان شهر الفتوحات يرفعها ناشطون كفرنبل.. المصدر صفحة لافتات كفرنبل على الفيسبوك

خلال رمضان 2014 أُطلقت عدة مبادرات لإطعام الفقراء، وكان من أبرزها حملة "إفطار الصائم" التي أطلقتها مجموعة "المغتربين الحلبية"، وهي حملة تقوم على جمع تبرعات، وقد وضّحت قبل بداية شهر الصيام نوعين للتبرّعات، الول بـ10 $ لإطعام عائلة لإسبوع، والثاني بـ50$ لإطعام عائلة طيلة الشهر. أما عملية الطبخ والتحضير فقد جرت في "مطبخ الطم"، في منطقة السكري، حيث راح فريق من الطباخين يعمل تحت إشراف المجموعة، وفي كل يوم يعد وجبات مجانية تصل إلى 120 عائلة من عوائل الشهداء والأيتام ضمن حلب المحررة. وراحت صفحة المجموعة تعلن يومياً عن اسم الوجبة التي يجري إعدادها، وأسماء المناطق والأحياء التي توزع فيها. كما بادرت المجموعة إلى إعلان عن جمع زكاة الفطر من اجل توزيعها في أحياء حمص.

لا ندري إن كان رمضان 2014 سيكون الصفحة الأخيرة من حكاية الوجع السوري أم لا، ما ندريه أنه كان فصلاً عاصفاً وعصيباً، لكن السوريين استطاعوا عبوره، بالعمل الجماعي مرة، وبالكتابة والسجال والتفكير مرات أخرى. تلك هي الدروس السورية.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد