حملة "لا تذهبوا إلى جنيف"


28 كانون الثاني 2016

نستطيع أن نحصيَ عدد سنوات الثورة السورية، لكننا بالتأكيد لا نستطيع إحصاء عدد الضحايا والمشردين والمعتقلين، كما لا نستطيع إحصاء الآراء شديدة التضارب حول أي حدث سياسي، والملفت أنه كلما ازداد الوضع السوري سوءاً تزداد الفرقة بين السوريين.

اليوم، بعد كثير من المؤتمرات السياسية والمبادرات الدولية، وبعد أن أصبحت سماء سوريا ساحة لطائرات الدول المتحالفة والمتعادية، ينعقد مؤتمر جنيف 3 لحل الأزمة السياسية في سوريا، فهل سيكون هذا المؤتمر كما سبقه مجرد حبر على ورق مضرج بدم الضحايا؟، أم أنه سيقدم بداية حل لأزمة وصلت ذروتها في التعقيد على كافة الأصعدة؟.

خيبة أمل

لا يوجد شعب انتظر الحلول الدولية كالشعب السوري، وما من شعب خيبه المجتمع الدولي وهو يرزح تحت حكم فاشي كهذا الشعب، لذلك فإن كثيراً من السوريين لم يعودوا ينتظرون حلولاً سياسية، فهم ليس لديهم ما يخسرونه، ولأن جنيف3 لم يقدم مسبقاً أية شروط تُفرض على النظام لصالح السوريين قبل بدء المفاوضات، لا سيما في ما يتعلق بالمعتقلين الذين يموتون كل يوم مئات المرات في جحيم السجون، هكذا أطلقت مجموعة من السوريين حملة لا تذهبوا إلى جنيف ، تنديداً بهذا المؤتمر، فقد كتب رامي اسكيف عن الراحل مهند اسكيف "أنا الشهيد مهند اسكيف، قتلوني في المعتقل، كتموا صوتي في الحياة، لا تفاوضوا على دمي .. لا تفاوضوا مشان أولادي، ومشان أولادكم، لا تفاوضوا، الدم ما بيتفاوض عليه".

لافتة تندد بمؤتمر جنيف3، المصدر: صفحة حملة لا تذهبوا إلى جنيف، فيس بوك.
لافتة تندد بمؤتمر جنيف3، المصدر: صفحة حملة لا تذهبوا إلى جنيف، فيس بوك.

ومن أهم أسباب الاعتراض على هذه المفاوضات أن الوفد المعارض الذي تم اختياره في مؤتمر الرياض لا يمثل الشعب السوري، فـ"من لم يفوضه الداخل لا ثقل له في أي مفاوضات.، وهو بالتالي يشغل مكاناً "عالفاضي"، لا تفاوض بلا تفويض"، بشر الحاج إبراهيم، لكن ما هي آلية هذا التفويض؟، وكيف يجمع السوريون على تفويض أحد وهم أصلاً متفرقون؟،  فـ "ما لا يعلمه المجتمعون في جنيف أنهم اذا أرداوا ممثلين عن الشعب السوري يحتاجون لشخص ممثل عن كل مواطن سوري أو شخص عن كل ثلاث مواطنين، هنا كل مواطن يشكل كيان مستقل"، هذا ما كتبته الناشطة روز دالاتي التي تعيش في دمشق.

خيبة الأمل هذه تحولت إلى ردة فعل حادة على كل من يشارك في هذه المفاوضات، "تبدأ العدالة الانتقالية بتحضير ملفات لمحاكمة كل من يذهب إلى جنيف يوم الجمعة ليبيع دماءنا وآلامنا وأحلامنا طمعاً بحصّة من فتات مائدة سفّاح دمشق وشركائه"، و"ذُبح أهلنا بسكاكين المجتمع الدولي المجرم، ويريدون الآن دفننا أحياء في جنيف" فراس ديبا، إذ " لا معنى للذهاب دون تحقق الحد الأدنى من مستلزمات تسوية سياسية: وقف القتل وقف القصف العشوائي، الإقرار بحق السوريين في اختيار نظام الحكم المناسب ودون ابتزازهم بالحرب على الارهاب" كما كتب خليل الحاج صالح.

لافتة تندد بمؤتمر جنيف3، المصدر: شبكة الثورة السورية، فيس بوك.
لافتة تندد بمؤتمر جنيف3، المصدر: شبكة الثورة السورية، فيس بوك.

بالمقابل، يحوي الوفد المعارضُ ممثلين عن المعارضة الداخلية والخارجية، رأى بعض الناشطين أن في هذا توحيداً للمعارضة بوجه النظام بعد سنوات من التفرق، في حين رآه منظمو الحملة سخرية من حقوق السوريين، فالمعارضة الداخلية أكثرها يعمل تحت مظلة النظام، كتب عبد الناصر عبد القادر "يا قادة المعارضة لا تذهبوا غلى جنيف3، فليفاوض النظام مخابراته (هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلم) لاتكونوا شركاء في قتل شعبكم وتشريده".

فشل حلفاء النظام

لا توجد خطوط واضحة لهذه المفاوضات المزمع عقدها، هل هي لوقف القتال أولاً ومن ثَم إشراك المعارضة والنظام بإدارة البلاد تمهيداً لرحيل بشار الأسد، كما نشرت إحدى الوثائق المسربة من واشنطن؟، أم أن كيفية الحل تم الاتفاق عليه مسبقاً بين الأطراف المتصارعة وما المؤتمر إلا إعلان لها، ثم على ماذا سيفاوض النظام وحلفاؤه؟، وما الأسباب التي تدفعهم إلى الذهاب، هل هو الفشل كما كتب رامي عساف "لو أن روسيا استطاعت حسم أي شيء على الأرض خلال الشهور الأربع الماضية ؛ مع كل القوى العاملة لتثبيت أركان النظام المجرم، لما سعت لحلٍّ سياسي،  ولما تحدثت به أصلاً".

ملصق يدعو لعدم الذهاب إلى جنيف. المصدر: شبكة الثورة السورية
ملصق يدعو لعدم الذهاب إلى جنيف. المصدر: شبكة الثورة السورية

 

سوريا وفيتنام

من جهة ثانية، ذهب بعض المشاركين في الحملة إلى المقارنة بين هذه المفاوضات ومفاوضات تاريخية سابقة جرت بين دول لوقف الحرب، بهذف تبيان الاختلاف في شروط التفاوض، والنتائج المترتبة عليها كتب عادل طه "بعد ٣٥ عاماً على انتهاء مفاوضات باريس قال رئيس الوفد الفيتنامي المفاوض إنها كانت مفاوضات طويلة وقاسية. واستطرد أن الهدف كان الوصول الى اتفاق يوقف القصف الأميركي على شمالي البلاد ولكن مع الحفاظ على استمرار المعارك البرية نحو سايغون، كانت مفاوضات بين دولة لدولة وبين شعب لشعب، الهدف منها الاستفادة من منبر المفاوضات لتسليط الضوء على قضيتهم العادلة وحشد أكبر دعم من شعوب العالم لها، وفي النهاية تأثر الرأي العام الأميركي وتحول إلى قوة ضاغطة على مفاوض بلاده حتى أقرّت الحكومة بالانسحاب". كما قارن البعض بين الاتفاقية التي ستنتج عن هذه المفاوضات واتفاقية أوسلو، " مع أن نظام الأسد أكثر بكثير من إسرائيل، فإن جنيف أقل بكثير من أوسلو"، مصطفى الجرف.

حتى الآن، يبدو جنيف 3 مجرد محاولة لتقاسم سوريا دولياً، وإذا اقتنعنا بأن الحل السياسي ممكن بمشاركة النظام والمعارضة في الحكومة المقبلة، فماذا عن الأراضي التي تسيطر عليها الميليشيات الإسلامية ومنها داعش والنصرة؟، وقبل ذلك، كيف بإمكاننا أن نقتنع بجدية روسيا والنظام وإيران وهم بحل سياسي دون أن يكون لهم النصيب الأكبر من الكعكة السورية وهم الذين قدموا المليارات واستقدموا آلاف المرتزقة حفاظاً على مصالحهم في سوريا؟.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد