أنصفونا بوحدتكم: صعوبة الطريق نحو القضاء الأفضل


21 حزيران 2015

على مدى أربع سنوات ونيف تغيّرت وتعددت وتنوعت أدوات الصراع بين النظام ومعارضيه، من المظاهرات بمواجهة الرصاص، إلى الفعاليات المدنية المتعددة بوجه اللون الواحد، إلى السلاح بمواجهة الطائرات والدبابات والبراميل، إلى الإدارة الذاتية المستقلة عن النظام بوجه نظام القمع المركزي، إلى محاولة بناء مؤسسات بديلة عن مؤسسات القهر والإخضاع التي يسعى النظام لإبقائها حيّة في المناطق التي ينسحب منها، من خلال القصف المتواصل وعدم ترك فرصة للناس لبناء دولتهم التي ينشدون، وهو ما رأيناه في كثرة الهيئات القضائية والشرعية والمؤسسات والفصائل التي لكل منها مشروعها وقضائها، والتي ولدت في تلك المناطق فأصبحت الفوضى السائدة والقوانين الموضوعة على عجل طرف الكماشة الذي يضيّق على الناس بالتوازي مع كماشة البراميل الهابطة من السماء، الأمر الذي دفع مجموعة من النشطاء لإطلاق حملة "الهيئات القضائية أنصفونا بتوحدكم" في مدينة حلب، بهدف "دمج كافة الهيئات القضائية في جسم واحد"، لمواجهة "النظام الذي استطاع إلى اليوم الوقوف بوجه ثورتنا من خلال تنظيم صفوفه".

ولأن القضاء هو المؤسسة الأهم بين كل مؤسسات الدولة، فـ "إذا استوى أمره ستستوي بعده جميع الأمور"، يعمل النشطاء على توحيد الصفوف لخلق مؤسسة قضاء موحدة في كامل مدينة حلب، مدركين أن نجاحهم في هذا الأمر يعني وضع اللبنة الأولى في بناء الديمقراطية التي سيكون دربها طويلا ومتعرجا بطبيعة الحال، خاصة أن "تعدد المحاكم أصبح يعيق العدالة بسبب تعدد المرجعيات وعدم توحيد النص القانوني، مما قد يتسبب في حكمين مختلفين لقضية واحدة إذ ما عرضت على محكمتين مختلقتين.. هناك هيئات قضائية أبدت استعدادها للاندماج كالمحكمة الشرعية والقضاء الشرعي إلا أن تبعية الهيئات القضائية لفصائل عسكرية مختلفة قد يعيق هذه الخطوة." كما يقول المحامي عباس الموسى.

لافتة مرفوعة ضمن الحملة. المصدر: صفحة الحملة على الفيسبوك
لافتة مرفوعة ضمن الحملة. المصدر: صفحة الحملة على الفيسبوك

بدأت فكرة الحملة لدى ثلاث شباب (عباس الموسى، بانا، عبد الله) من مؤسسة اليوم التالي، إذ سبق لهم أن عملوا برفقة نشطاء آخرين أعمالا "تحريضية" لتوحيد القضاء، بدأت بزيارة وزارة العدل بالحكومة المؤقتة لدفعها لأخذ المشروع على عاتقها. إلا أن الأمر لم ينجح بسبب صدام بين الوزارة التي تريد تطبيق القانون السوري والفصائل المجمعة على "إقامة كيان قضائي واحد وفق الشريعة الإسلامية"، حيث أدى التصادم بين "هيئة المحامين الأحرار" والمشائخ إلى إلغاء الأمر، في حين أن رؤية النشطاء تقول "أن نسير بالقضاء خطوة خطوة، لتجميعهم أولا ثم ندخل بشكل القضاء ثم بآلية العمل ثم القانون واجب التطبيق من خلال سيطرة القانونيين على هذا القضاء وإبعاد المشايخ" كما يقول عباس لحكاية ما انحكت.

إلا أن الخوف يتجلى هنا من عدم القدرة على تغيير القانون لاحقا إن تم التوحد تحت صيغة إسلامية ترفضها الأطياف العلمانية والأقليات، ناهيك عن كون قانون النظام القضائي أكثر حداثة عن القانون الذي تطبقه الفصائل اليوم أو حتى الذي يعمل الجميع على التوحد تحته. هذا الأمر يقول عنه النشطاء العاملين على الحملة أنهم "كقانونيين نحاول دائما إظهار عجز هذا القانون ونلوح بالقانون السوري .. أصبح لنا مساحة داخل المحاكم وأصبحنا نبدي رأينا وبقوة، ووضعنا النظام القضائي لدى النظام بمقارنة مع ما هو قائم لدينا وبينا أن الأفضلية للنظام القضائي لدى النظام. لكن الفصائل العسكرية تحول دون تطبيق القانون السوري"، مع إدراكهم أن ثمة فصائل قد لا توافق لاحقا على تعديل قانون القضاء الإسلامي، خاصة تلك التي تتلقى تمويلا إخوانيا، ساعين لـ "فصل الشق المدني عن الجزائي لكي يتسنى لنا طرح تطبيق قانون الأحوال الشخصية السوري والقانون المدني السوري. لكننا ننتظر أن يتخذوا خطوات عملية أكثر نحو الاندماج. ونحن نقصد من وراء هذا الطرح إعادة تطبيق القوانين السورية تدريجيا لأن جل الخلاف يكمن بالشق الجزائي، لأن هناك بعض النصوص مخالف للشريعة الإسلامية".

لافتة ضمن الحملة. المصدر: صفحة الحملة على الفيسبوك
لافتة ضمن الحملة. المصدر: صفحة الحملة على الفيسبوك

إصرارهم على رؤيتهم دفعهم لاقتراح الحملة على مؤسسة "اليوم التالي" التي تبنتها ليبدأ الفريق بالعمل، حيث تولى "عباس" التنسيق والمتابعة وزيارة القضاء والكتل الثورية مع "عبد الله" للبحث عن شركاء في حين قامت "يارا" بالتوثيق داخل المكتب مراعاة لوضعها في منطقة غير آمنة، لتنطلق الحملة أخيرا بمشاركة "اليوم التالي" الذي تولى التنسيق والمتابعة و"اتحاد ثوار حلب" الذي عمل كلوبي داخل الفصائل العسكرية للضغط باتجاه وحدة القضاء واستقلاله وتبيان ميزات ذلك، ومجموعة من المحامين الذين يعملون كقضاة داخل هذه المحاكم، إذ قاموا بحث رؤساء الهيئات على التوحد، وهم يعملون اليوم على وضع "مشروع هيكل قضائي" يجمع بين القضاء العربي الموحد والرؤية الإسلامية.

ثمة صعوبات تمثلت بـ "العمل بحلب نتيجة القصف الذي لا يكاد ينقطع عنها"، و "معوقات اجتماعية تمثلت بفقدان كثير من الحاضنة الشعبية، والثقة بالقضاء، مما أدى إلى صعوبة بإقناع  الشارع بأن الأمر قابل للحياة ونستطيع الوصول لنتيجة". إلا أن هذا لم يجعل النشطاء يشعرون باليأس فهم مؤمنون بأن "القضاء سيستجيب"، مستدلين بذلك بالتحوّل الحاصل في رأي الفصائل المموّلة للقضاء إذ باتوا يؤكدون على استقلاله، وأن دورهم تنفيذيا فقط، ساعين ( الفصائل) من خلال ذلك لكسب "الرأي العام والخارجي، كما أن هذه المحاكم بدأت تمول نفسها ذاتيا من خلال رسوم وتراخيص"، كما يقول عباس لحكاية ما انحكت.

الحملة التي انطلقت في الرابع من يونيو 2015 وتستمر حتى السادس من أغسطس، طلبت من كل من يود المشاركة في الحملة رفع لافتة كتب عليها "الهيئات_القضائيّة في حلب #أنصفونا_بوحدتكم"، ساعين لأن تكون حملتهم هذه مجرد خطوة أولى في طريق توحيد "الصفوف وإنشاء إدارة واحدة في حلب، خاصة إذا تحررت"، لهذا فإن "حملة وحدة القضاء هي جزء من خطة شاملة لمحافظة حلب".

لافتة مرفوعة ضمن الحملة. المصدر: صفحة الحملة على الفيسبوك
لافتة مرفوعة ضمن الحملة. المصدر: صفحة الحملة على الفيسبوك

رغم أهمية المعركة والحملة التي يخوضها الفريق، إلا أن ثمة مخاطر من نوع آخر تتجلى بكيفية التوفيق بين تيارات متعارضة في اجتهاداتها السياسية والقضائية ورؤيتها لموقع الدين في الدولة والقضاء، والذي على أساسه تحدد الأقليات وبعض الكتل العلمانية والمدنية موقفها مما يحصل، حيث يراهن فريق الحملة على فرض الأمور تدريجيا، إذ يقول "عباس" أنه "في بدايات تشكيل المحاكم كان هناك رفض قطعي لكل قانون وضعي. أما الآن فقد توجهت كل المحاكم عدا النصرة باتجاه قوننة الشريعة الإسلامية، ومراعاة الأقليات وفق نصوص مأخوذة من القرآن والسنة"، الأمر الذي يثير المخاوف من جهة، لأن هذه الأنظمة القضائية لا تزال أكثر تخلفا من النظام القضائي للنظام، ما يشكل ردة فعل سلبية للناس، وفيما يتضاد مع معايير حقوق الإنسان والمواثيق الدولية من جهة ثانية، ما يعني تضادها مع دولة الحريات التي هتف السوريون وخرجوا لأجلها.

معركة القضاء، هي معركة الانتقال من الحرية في فضاء الشارع إلى الديمقراطية في فضاء المؤسسات. معركة بناء البديل الحقيقي عن نظام الاستبداد، ولهذا هي الأكثر خطرا على النظام الذي يدرك أن نضوج البديل الحقيقي الحر يعني وفاته عمليا، فهو حتى اليوم يتعيّش على ظلال مؤسساته وعدم قدرة المعارضة على مأسسة نفسها وتقديم بديل أفضل، ما يوفر مرتكزات أساسية للنظام ليقدم نفسه بديلا صالحا للسوريين.

على القائمين على القضاء أن يدركوا أن إسقاط النظام لا يكون عسكريا، بل بتبني أنظمة أفضل ومتصالحة مع العصر. والقضاء هنا معركة الفصل

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد