جمال جراح


27 تشرين الثاني 2014

محمد ديبو

باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها، يعمل محرّرا في صحيفة العربي الجديد.

صدام الفنان "جمال جراح" المولود في دمشق (1958) وعضو نقابة الفنانين التشكيليين السوريين (1981) مع السلطة السورية بدأ منذ زمن طويل، إذ يعود تاريخ أول صدام إلى عام 1981 حيث أقام أول معرض له في المركز الثقافي السوفييتي، حيث "بعض اللوحات ذات التوجه السياسي سبّبت لي إشكالات مع النظام، لقساوة تعبيرها ومباشرتها مما اضطرني إلى مغادرة دمشق إلى قبرص" التي عمل في صحافتها العربية، ليرحل بعدها إلى بيروت ويستقر بها قرابة عشرة أعوام، متنّقلا بين الصحافة والفن، حيث أقام العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية.

عودة الفنان الثانية إلى دمشق أسست لصدام آخر مع السلطة ممثلة هذه المرة بنقابة الفنانين التي قطع علاقته معها بشكل نهائي منذ خمس سنوات "اعتراضا على سياستها في التعامل مع أعضائها، والمبنية على المحسوبيات والعلاقات الشخصية والخلفيات السياسية التي أنا بعيد عنها كل البعد" كما يقول الفنان لموقعنا "حكاية ما انحكت".

حين اندلع الربيع العربي وجد الفنان نفسه وجها لوجه أمام لحظة انتظرها طويلا، إذ أدرك بحدسه الفني أن بلاده قاب قوسين من الثورة، فعمل مباشرة على تسريع هذي الولادة "عبر طباعة وتوزيع مناشير ورقية في أغلب أحياء مدينتي دمشق" مركزا على "الأحياء التي تسكنها غالبية من الأقليات الدينية السورية" لإدراكه أن "النظام سيقلب أي حراك ضده إلى حراك طائفي" لهذا ركزت المنشورات على "أن الثورة السورية لن تكون ثورة فئة من المجتمع ضد فئات أخرى بل هي ثورة المجتمع السوري بكامله ضد الظلم والاستبداد".

لم يكتف الفنان بذلك بل كان أول فنان تشكيلي يعتقل في الثورة على خلفية مشاركته في تظاهرة الثامن عشر من آذار التي خرجت من الجامع الأموي كما يقول، ليخرج بعدها من الاعتقال ويبدأ التفكير بكيفية جعل فنه قادرا على التعبير عما يتعرّض له الشباب السوري من قتل واعتقال وتعذيب.

أمام صعوبة إخفاء الأعمال الكبيرة بدأ الفنان برسم لوحات بقياسات صغيرة، ليكتشف بعد ستة أشهر أنها لم تعد تكفي للتعبير عما يحصل حوله وفي داخل روحه "فاتجهت إلى الكتلة وبدأت بالنحت مستخدما الصلصال ومواد أخرى وكانت تشكيلاتي جميعها تتمحور حول الثورة والشهيد والمعتقل"، علما أن المنحوتات أيضا كانت صغيرة لأجل إخفائها.

مع تزايد الضغط على الفنان بعد سنة ونصف من انطلاق الثورة بات الخطر قريبا من عائلته مما اضطره لسلوك طريق المنفى مرة أخرى إلى عمان حيث يقيم منذ سنتين "مسكونا بهاجس الحراك الثوري السوري وهو الموضوع الطاغي على كل أعمالي".

منحوتة "صرخة" التي تمثل وجها يصرخ بكامل تفاصيله، هي الأحب إلى قلب الفنان، كونها أوّل عمل نحتي له في الثورة، أراد من خلاله التعبير عن "صرخة الإنسان السوري التي كانت مخنوقة لعقود من سنين القمع". إضافة إلى كون الفنان الذي كان منتميا يوما للحزب الشيوعي السوري في شبابه ينتمي وجدانيا إلى لوحة "تصوّر ملاحقة رجال الأمن والشبيحة بالرصاص الحي للمتظاهرين السلميين. وأخرى (من مرحلة ما قبل الثورة) تعبّر عن هم ووجع الإنسان السوري الذي سرق النظام لقمة عيشه وكرامته. وكانت باسم "الوجع السوري".

صرخة
الفنان الذي يتقن الكاريكاتير أيضا وجه سهام نقده نحو المثقفين والفنانين الذين أيدوا الدكتاتورية، فهاهو ينتقد في لوحة له موقف الشاعر الفلسطيني "سميح القاسم" الذي مدح الدكتاتور الأب، في لوحة له تصوّر الأسد بجانب قبر وجماجم مرسوم فوقها صورة الشاعر وبيت شعر له يقول: " أسد الرجال وفي صمودك عبرة"، وفي لوحة أخرى يصوّر الفنان اللبناني "زياد الرحباني" ورأسه ملفوف بعمامة إيرانية!

نشرت مجلة رابطة الكتاب السوريين التي تشكلت في ظل الثورة بعض منحوتات الفنان، واختارت مجلة دمشق إحدى منحوتات الفنان كغلاف لها، ويعمل الفنان اليوم كرسام لصحيفة العرب اللندنية، متناولا الشخصيات السياسية والفنية والأدبية في جميع أنحاء العالم. ويعمل اليوم على التجهيز لمعرضه النحتي.

يختم الفنان كلامه مستوحيا اسم موقعنا ( حكاية ما انحكت) ليقول "هناك الكثير من الحكايات السورية التي تنظر وننتظر أن تُحكى. رغم كل الإرهاصات التي عاشتها الثورة السورية، إلا إنني شديد الإيمان بأن الشعب السوري الذي ثار من أجل كرامته وحريته لا محال سينتصر ولو بعد حين".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد