أكرم أبو الفوز


الصعوبات التي واجهها أكرم في البداية هي تأمين الأدوات اللازمة للبدء في تنفيذ الفكرة. وعلى الرغم من وطأة الحرب الذي دفعته إلى ترك بيته، إلا أنه يواصل عمله اليومي على مشغولاته، كما لو أن هذه المشغولات ستكون شاهدة، في الغد، على الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق البلاد.

30 أيار 2014

انتشرت أعمال الفنان أكرم أبو الفوز انتشاراً واسعاً خلال فترة وجيزة، وذلك لجمعها بين ثنائيتي البساطة والعمق في اللحظة ذاتها. فالفنان الشعبي الذي فقد منزله نتيجة قصف النظام، تفرّغ للرسم على القذائف، وبقايا الأسلحة، والرصاصات الفارغة، مُعطياً لها معاني لم تكن فيها أصلاً، أو بالأحرى؛ كانت تحمل نقائضها بالكامل. وفي سلسلة بسيطة، تظهرها الصور التي انتشرت على الفيسبوك، نرى كيف تتحوّل أدوات الموت إلى قطع فنية تنبض بالجمال.

أكرم، 35 سنة، أب لثلاثة أطفال، ينطلق من الرسم كي يساهم في تغيير النظرة نحو أبناء غوطة دمشق الذين يوصفون بأنهم أرهابيون. 

نظرياً ينتمي مشروع الفنان أكرم أبو الفوز إلى أفكار المحبة والسلام، كما تنتمي إلى روح الفن الشعبي السوري، وعلى وجه الخصوص "الأرابيسك".
ولدى الوقوف على مصطلح "الأرابيسك" الذي يعني "ما هو عربي"، نجد أن ما يقابله في العربية هو "الرقش"، ما يعني زيّن وحسّن ونمّق. اعتُمد هذا المصطلح للدلالة على الأشكال المجردة أو المحورة عن الواقع، والتي يبتكرها الصانع في رسمه أو نقشه أو حفره، مستوحاة من الجمالية العربية الكلاسيكية. ويرى الناقد الفني عفيف بهنسي أن التجريد في "الرقش العربي" سار في أسلوبين "الأسلوب الأول هو التوريق، ويقوم على تأويل النبات من أغصان وأوراق وزهور مختلفة الأنواع تأويلاً يصل إلى حدود الصيغ الرمزية. والأسلوب الثاني يُطلق عليه اسم الخيط، ويعتمد على الأساس التشكيلي للأشياء، وهو أساس يبدو رياضياً لاعتماده على الأشكال الهندسية، المثلث والمربع والمخمس، ولكن هذه الأشكال تصير في الرقش العربي أوعية لمضامين رمزية لا تخلو من معانٍ قدسية أو صوفية أو وجودية".

ومن خلال ميراث الترقيش، أو "الأرابيسك"، نرى أنه محاولة للتعبير عن ملكوت الخالق والإيمان به، فهو أقرب إلى "التبتل الجمالي منه إلى التزويق المجاني"، كما يرى بهنسي. 
نسوق هذه المفاهيم لقراءة الأعمال التي أنتجها أبو الفوز على ضوء ميراث هذا الفن، فبدونها سنكون أمام سؤال ساذج: هل هي أعمال تزيينية فحسب؟ بالتأكيد لا. إن إدراج الفنان لأدوات الحرب ضمن عوالم "الأرابيسك" يحمل دلالات كثيرة، قد نستنبط منها رغبته الصوفية في الاعتذار للضحايا الذين أودت بهم قوتها التدميرية، فراح يطوّع أداة القتل لتصبح أقرب إلى وثيقة تسجّل صوت المقتول، ولكن بلغة بصرية. أو أنها محاولة في العودة إلى أصل الأشياء أمام عجز اللغة عن القول والتعبير. أو لعلّها سعي إلى وضع الموت في ذاكرة المكان السوري، بالأسلوب الفني الذي تميّز به هذا المكان، فلا يمكن لهذا الموت كلّه أن يكون عابراً وعارضاً على الإطلاق، بل هو جزء من حاضر تراجيدي شديد الارتباط بماضي تراجيدي هو الآخر، وربما على ضوئه سنعيد النظر إلى فكرتنا عن هذا الفن في واجهة الجامع الأموي، وأثاث البيت الدمشقي، بوصفها مرثيّات من الأسلاف.

الصعوبات التي واجهها أكرم في البداية هي تأمين الأدوات اللازمة للبدء في تنفيذ الفكرة. وعلى الرغم من وطأة الحرب الذي دفعته إلى ترك بيته، إلا أنه يواصل عمله اليومي على مشغولاته، كما لو أن هذه المشغولات ستكون شاهدة، في الغد، على الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق البلاد.

 

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد