بيوت في درعا لتعليم الأطفال


التعليم في البيوت خطوة جديدة أنتجتها ظروف الحرب في درعا، وقد لاقت حتى الآن رواجاً في المحافظة، إذ يعتبرها الآباء فرصة للحفاظ على سلامة أطفالهم مع متابعتهم للتحصيل العلمي، لكن هذه الخطوة بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والتطوير، شأنها شأن جميع جوانب التعليم الجديد في سوريا، والذي يعيش بين جانبين، جانب الحرب وآثارها النفسية والمادية المدمِّرة، وجانب التحرّر من حكم البعث وما يتبعه ذلك من البحث عن وسائل تعليم جديدة تهيئ الطفل السوري للإبداع بعيداً عن الإيديولوجيا.

11 تشرين الثاني 2016

التعليم في البيوت خطوة جديدة أنتجتها ظروف الحرب في درعا، وقد لاقت حتى الآن رواجاً في المحافظة، إذ يعتبرها الآباء فرصة للحفاظ على سلامة أطفالهم مع متابعتهم للتحصيل العلمي، لكن هذه الخطوة بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والتطوير، شأنها شأن جميع جوانب التعليم الجديد في سوريا، والذي يعيش بين جانبين، جانب الحرب وآثارها النفسية والمادية المدمِّرة، وجانب التحرّر من حكم البعث وما يتبعه ذلك من البحث عن وسائل تعليم جديدة تهيئ الطفل السوري للإبداع بعيداً عن الإيديولوجيا.

خطر المدارس

كانت المدارس الرسمية دائماً مستهدفة لوقوعها في مناطق الاشتباك، وآخرها مدرسة "ذات النطاقين" التي قُصفت في شهر أكتوبر 2016، ما أدّى إلى مقتل سبعة مدنيين، خمسة منهم أطفال.

يقول الناشط في تجمع "غصن زيتون"، أيهم الغريب، (اسم مستعار) لحكاية ما انحكت": "منذ عام 2013 والمدارس مُستهدفة لوقوعها ضمن مناطق الاشتباكات بين النظام والمعارضة، لذلك سعينا إلى تعويض الأطفال الذين لا يتمكنون من الوصول إلى المدارس، فهؤلاء فقدوا تعليمهم بسبب الظروف الأمنية الصعبة والحالة المعيشية المتردية".

أحد سكان درعا الذي يوصل ابنه البالغ من العمر تسع سنوات، في الصف الأول الابتدائي يومياً إلى قاعة دراسية في "داعل"، أحمد عجاج (اسم مستعار) يقول لـ"حكاية ما انحكت": "ابني انقطع عن الدراسة طوال سنتين، منذ أن قصف النظام مدرسة الشهيد (محمود الحريري) في مدينة داعل عام 2013، لكنّنا وجدنا في البيوت التي يعقد فيها الشباب دروساً للأطفال مكاناً آمناً لهم، ويعوّضهم عن ما فاتهم من دروس".

مَن أسس هذا المشروع؟ ومن يعمل فيه؟

لا توجد منظمة تعمل على هذا المشروع، بل جهود فردية من قبل المجتمع المحلي في درعا، لكن جميع العاملين فيه من نشطاء الثورة السورية، وهم إما يعملون في منظمات تنموية مثل "منظمة غصن زيتون وأضواء سورية، أو ناشطون مستقلون.

تعريف الاطفال على شجرة الزيتون وشرح لهم فوائد الزيتون وكيفية قطافها واستخلاص الزيت منها وكيفية صناعة الصابون. المصدر: الصفحة الرسمية لتجمع غصن زيتون/ الثلاثاء 8/11/2016
تعريف الاطفال على شجرة الزيتون وشرح فوائد الزيتون وكيفية قطافه واستخلاص الزيت منه وكيفية صناعة الصابون. المصدر: الصفحة الرسمية لتجمع غصن زيتون/ الثلاثاء 8/11/2016

أمّا الكادر التدريسي، فيؤكد الناشط في منظمة أضواء سورية، والذي يعمل مشرفاً على المشروع، عواد البردان، لـ "حكاية ما انحكت" على أنّه "في كل مدرسة عشرون مدرساً، ستة منهم لتعليم الأطفال في مرحلة الروضة، والباقون للمرحلة الابتدائية، والكادر من أبناء درعا الدارسين في الجامعات السورية، وهم من كافة الاختصاصات، ويعملون جميعاً بشكل تطوّعي، باستثناء بعض المكافآت الرمزية التي ينالونها من التبرعات الشخصية، بمقدار خمسة آلاف ليرة في الشهر، فنحن ما زلنا نبحث عن منظمات تدعم مشروعنا كي يستمر".

آلية التعليم

 مرّت العملية التعليمية بأزمة خلال العقود الماضية على مستوى المفاهيم الوطنية والتربوية، فالتشاركية التي كانت غائبة عن الحياة السياسية امتدت إلى المدرسة، وأكثر ما ظهرت في طريقة التعليم التلقينية، لذلك يعمل المسؤولون عن التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على صياغة طرق جديدة، وعن هذا الموضوع يعلق عوّاد البردان "في مرحلة الروضة، تمّ تجهيز المنهاج الدراسي من قِبل الكادر التدريسي الذي يعمل في منظمة أضواء سورية، والذي يهيّء الطفل تعليمياً ونفسياً، وذلك من خلال فنون الرسم والقصص والمسرح، والتي نترك فيها الطفل يعبّر عن نفسه وأحلامه، كما أنّنا نقدم المعلومة بطريقة بسيطة بعيداً عن الشعارات والإيديولوجيا، ونستخدم قدر الإمكان وسائل التكنولوجيا الحديثة. أما في المرحلة الابتدائية، فقد تمّ اعتماد المنهاج الذي يُدرّس في المدارس العامة، لأنّنا وجدناه منهاجاً ناضجاً فيما يتعلق بالمواد الأساسية فقط، (المواد العلمية والأدبية)، وليس في المواد التي تستخدم أيديولوجيا النظام (مادة القومية وأناشيد البعث)".

 وعن العلاقة الإدارية بينهم وبين مؤسسات النظام التعليمية يقول "لا يوجد أيّ رابط بين القائمين على هذا المشروع ووزارة التربية التابعة للنظام، باستثناء منهاج الابتدائية". أما بالنسبة إلى الأدوات المتوفرة للتعليم فيقول عواد "يتم توفير القرطاسية والكتب بشرائها من المدارس الخاصة، والتي أغلِقَت خلال الحرب، لكنها ما زالت تحوي هذه الأدوات، وما ينقصنا من المواد نشتريه من المكتبات"، أما أيهم الغريب فيعلّق على هذه النقطة بقوله "يوجد لدينا كامل الأداوت التعليمية (السبورة، مقاعد، بروجكتر، كمبيوترات، مكتبات ...الخ)، إضافة إلى أدوات برامج متعلّقة بالدعم النفسي (ألعاب خاصة بالدعم النفسي، أفلام توعوية وتثقيفية، أدوات رسم)".

لماذا البيوت؟

لماذا لم يتم اختيار محلات تجارية بدل المدارس لتعليم الأطفال؟

يجيب أيهم "البيوت تعطينا حرية اختيار المكان المناسب، كما أنّ المحلات غير مصمّمة لحالات الخطر، أما البيوت، فنحن نعمل على اختيار تلك التي تحوي قبواً لحماية الأطفال من القصف، علماً أنّ عدد الأطفال الذين سجّلوا في هذا المشروع ثلاثة آلاف طفلاً، ليس كّلهم من درعا، بل هناك نازحون من حمص ودمشق، أما عدد المدارس/ البيوت، فثلاث عشرة مدرسة".

 مدرس مع طلابه في أحد مراكز تجمع غصن زيتون. المصدر/ الصفحة الرسمية لغصن زيتون على الفيسبوك/4نوفمبر/2016)
مدرس مع طلابه في أحد مراكز تجمع غصن زيتون. المصدر: الصفحة الرسمية لغصن زيتون على الفيسبوك،4نوفمبر/2016)

عواد البردان، عقّب بدوره على موضوع البيوت بقوله "نحن نختار البيوت لأّنها تناسب عملنا، بحيث يكون البيت كبيراً، ويحوي عدّة غرف، بالإضافة إلى ساحة تتوّسط البيت نستخدمها لاستراحة الأطفال، هذه البيوت إمّا هجّرها أصحابها خلال الحرب، أو لديهم بيت آخر يسكنون فيه".

مشكلات هذا النمط من التعليم

لا شك في أنّ القائمين على هذا المشروع يعانون من صعوبات، إذ لا توجد مؤسسات تنظّم عملهم وتدعمه، يقول عواد البردان لـ "حكاية ما انحكت": "ضعف الإمكانيات المادية أصعب ما يواجهنا، فنحن بحاجة إلى منظمات تدعم هذا المشروع، إضافة إلى ذلك، لا نستطيع أن نمنح شهادات رسمية للطلبة، لأنّنا لسنا مؤسسة معترفاً بها في أيّ من المنظمات الدولية التي تُعنى بالطفل وتعليمه، كما أنّنا نواجه مشكلة في ضيق المساحة، فمهما بلغ اتساع الصالونات في البيوت، لا تستوعب العدد الذي تستوعبه المدرسة".

خاتمة

يُعدّ هذا المشروع إحدى نقاط التحوّل في طريقة تدريس الأطفال بسوريا وأمكنتها، ليس فقط لاختيار البيوت مكاناً للتعليم، بل لأنّ طريقة التعليم مختلفة عنها في المدارس الرسمية. وبانتظار انتهاء الحرب حتى يعود الطلاب إلى مدارسهم الرسمية، تبقى هذه البيوت ملاذاً تعليمياً، يأمل الجميع أن لا يتحوّل واقعا يومياً.

(هامش: تم تعديل النص فيما يخص  استهداف مدرسة ذات النطاقين، نظرا لتضارب المعلومات حولها، وعدم قدرة حكاية ما انحكت للوصول إلى الحقيقة فيما يخص الاستهداف)

(الصورة الرئيسية: صف في أحد البيوت بإشراف منظمة أضواء سورية. المصدر: الصفحة الرسمية لأضواء سورية على الفيسبوك، 19اكتوبر/2016)

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد