زوجاتٌ سوريّات عائداتٌ إلى العزوبيّة من بوابة اللجوء!


تُمرّغ ما تبقّى من سيجارتها في قاع المُنفضة وتلحقها بأخرى من علبة دخانٍ جديدة، لتمضي بالقول: "زواجي منه كان بهدف الوصول إلى ألمانيا، لكن لم أُفكّر بالطلاق إلا بعد سلسلة من المشكلات منذ الشهر الأول من زواجنا، أدركتُ أنّ حياتنا الزّوجيّة أمست مستحيلة... ما شجعني أكثر على الطلاق، هو سوء المعاملة وثقتي بالقانون الأوربي الذي سيحميني من ذكوريته الشرقية

06 تشرين الأول 2016

فريد إدوار

كاتب وصحفي سوري

كمعظم السّوريين الهاربين من الموت المؤجّل، ركبَ "بلال" برفقة زوجتهِ وطفلتيهِ، أمواج بحر "إيجه" بعد أن باع كل ما يملك لتأمين مصاريف السّفر إلى الفردوس المُنتظر في إحدى الدّول الأوربية، إلى أن حطّ به الرّحال في ألمانيا، لكنه لم يكّن يعلم أنّ جنّته تلك؛ ستنقلب جحيماً.

فبعد إقامةٍ لم تتعدَّ العام الواحد، اضْطرّ "بلال" /38/ عاماً من مدينة "حلب" السّورية، للانفصال عن زوجتهِ "نور" /25/ عاماً، بناءً على طلبها، بعد أن اكتشف علاقتها الغراميّة مع شابٍ سوريٍ آخر يعيش في ذات المُخيم الذي آواهم جميعاً من مآسي بلادهم في برلين العاصمة.

ارتفاع معدلات الطلاق

"بعد وصولنا إلى ألمانيا بعدة أشهر، أُجبرتُ على الانفصال عن زوجتي بطلبٍ منها، اكتشفتُ فيما بعد أنها كانت على علاقة حب مع شابٍ في الثلاثين، حينها طلبتُ من إدارة المُخيم أن تنقلني وطفلتَي الصغيرتين إلى مُخيمٍ آخر، حتى لا أرتكب جريمة قتل" يقول "بلال" لحكاية ما انحكت، وهو يحضن طفلتيه.

يمضي في سرد حكايتهِ وهو يُمرّر يديهِ على رأس طفلتيه "تنازلتْ زوجتي عن هاتين الطفلتين لأنها اعترفت أنها لا تريد الاحتفاظ بأيّ شيءٍ يُذكّرها بي. هي قالت أيضاً إنها لا تُحبني، وإنها لم تكن تجرؤ على طلب الطّلاق في سوريا خوفاً من أهلها، والآن هي حرّة ولا خوف من شيء، لأنها في بلدٍ تحمي حقوقها كامرأة".

حكايةُ "بلال" و"نور"، هي من بين عشرات حكايا الطّلاق التي تتزايد في بلاد اللجوء وأبطالها دائماً سورياتٌ وافقن أصلاً على الارتباط بأزواجهن لأسبابٍ قد تكون مرتبطة في مجملها بعادات وتقاليد أوطانهن، أما أسباب طلاقهن المُفاجئ، الذي بات ينتقل كمرضٍ مُعدٍ بين زوجةٍ وأخرى،  فيبدو أن "طبيعة المجتمع الشّرقي الذكوري بعاداتهِ وقوانينهِ التي فرض الرّجل على المرأة تحت ستار العادات والدين" ليست السّبب الأوحد لتخلّص الزوجة من حياتها الزّوجيّة، كما يقول الدكتور "برادوست سعيد" دكتور محاضر في جامعة دمشق – كلية التربية، لحكاية ما انحكت.

بوستر حملة طفلة لا زوجة. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك/22يناير/2015
بوستر حملة طفلة لا زوجة. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك/22يناير/2015

المسألة مرتبطةٌ أيضاً، وفق "سعيد"، بـ "حرمان المرأة من اختيار الزوج، وإبداء رأيها في اختيار شريك العمر، إلى جانب جعل الطّلاق بيد الرّجال دون النّساء، ووضعها أمام ظلمه في سائر أمور الحياة الزوجيّة إما أن تصبر، أو أن تنتظر حتى يقرّر هوّ أخذ المبادرة في الطّلاق".

المساواة بين الزوجين

تُشكّل المساواة بين الرّجل والمرأة، هدفاً أساسياً بالنسبة للعديد من الدول الأوربية التي باتت تُجاذف بكل مضامين دساتيرها وقوانينها، من أجل تغيير الذّهنيّات وتحقيق نوعٍ من التّقدم داخل شعوبها، حتى أضحى ذلك الهدف عنواناً لتقدّمها ورقيّها.

وهو ما تؤكّده الباحثة الاجتماعية "دنيا فواز" التي تُدير مركزاً للمجتمع المدني والديمقراطية في مدينة قامشلي، إذ قالت: "نظراً لحالة المساواة التي يتسلّح بها المجتمع الأوربي، فإنه لا وجود لنظرةٍ دونية للمرأة المُطلّقة"، كما تشير إن قضية الحرّيات في توفرها وعدمها والعامل الاقتصادي إضافةً إلى الخروج عن السّلطة الاجتماعيّة المعياريّة، "قد تكون أهم العوامل المؤثّرة في قضية الطلاق عند المُهاجرين السّوريين، إذ يرى المجتمع الأوربي؛ أن تجربة زواجٍ فاشلة أمرٌ طبيعيٌ قد يمرّ به أي إنسان للكثير من الأسباب التي لا تتعلّق بالضرورة بالزوجة نفسها"، والكلام للباحثة دنيا فواز.

الباحثة الاجتماعية دنيا فواز. المصدر: حكاية ما انحكت
الباحثة الاجتماعية دنيا فواز. المصدر: حكاية ما انحكت

يتّسم القانون الأوربي بالوضوح فيما يتعلّق بالحياة الزّوجيّة والمساواة بين الطرفين، إذ لا يستطيع الزوج أن يتحكّم بزوجته، ولا يستطيع أن يُجبرها على العيش معه، أو أن يُعاملها بطريقةٍ مهينة ومذلّة، حتى وصل إلى درجة زج الرّجل في السّجن في حال أقدم على ضرب زوجته، كما حدث مع اللاجئة السورية "مها" /30/ عاماً التي قدّمت شكوى للبوليس الألماني بسبب تعرّضها للضرب المُبرح على يد زوجها وزجّه في السجن فيما بعد.

لكن قصّة هذه الزّوجة المنحدرة من مدينة "إدلب" السّوريّة، تختلف عمّا نصّ عليه القانون الأوربي من حيث حمايتها من عنف الزوج، أما تفاصيل الحكاية؛ فتبدأ من لحظة وصولها إلى أحد مخيمات اللاجئين في ألمانيا، ونيّتها المُبيّتة في طلب الطلاق من زوجها لحظة اتّخاذ قرار الهجرة من الشمال السوري.

عادات وتقاليد اجتماعية

"لم يكن بمقدوري الاستمرار في العيش معه، /5/ سنوات وأنا أتحمّل كلّ إساءاته لي، لم يكن يُشعرني أبداً كوني أنثى، لكن الانفصال هناك؛ كان مُحالاً في ظل العادات الاجتماعيّة التي تنظر للمطلقة نظرة دونية" تقول "مها" وهي تفترش الأرض ضمن طابورٍ من اللاجئين السّوريين أمام مكتب الإعانات الشهرية في مدينة "كولن" مكان إقامتها.

تمضي بالقول وهي تتهيّأ للنهوض والمشي بعض الوقت "بعد وصولنا إلى ألمانيا، حاولت إقناع زوجي بالانفصال دون ضجة، لكنه رفض ولجأ لاستخدام العنف ضدي، ما كان سبباً مُساعداً لتقديم الشكوى بحقه وزجّه في السجن وإجباره فيما بعد على الطلاق".

لوحة للفنان تمام عزام. المصدر: صفحة الفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان تمام عزام. المصدر: صفحة الفنان على الفيسبوك

تسبّب الصّراع المُسلّح الذي يُخيّم على حياة السوريين منذ أكثر من خمسة سنوات، بنزوح وهجرة آلاف العوائل من مختلف المُدن والمناطق السّورية، التي لمّا تزل تشهد نزاعاً دامياً، إلى القارة الأوربيّة بحثاً عن الأمن والأمان المفقودين أصلاً في بلادهم.

لكن تلك الهجرة الإجباريّة، نقلت حياة العديد من الأُسر السّورية من مرحلة الاستقرار النسبي إلى مرحلةٍ أكثر اضطراباً، لا بسبب الاغتراب الاجتماعي فحسب؛ بل إنها خلقت لدى رب العائلة (الزوج) مشكلةً أكثر تعقيداً حتى من هجرته إلى بلادٍ لا يعلم عنها شيئاً سوى أنها تحترم حقوق الإنسان، إن كان رجلاً أو امرأة.

فالرجال هناك في الموطن الجديد البعيد، لم يعودوا "قوّامون على النّساء" كما تقول الآية القرآنية في سورة "النساء"، ولم يعد بإمكانهم هجرة أزواجهن في المضاجع أو ضربهن إذا خافوا نشوزهن، بل بات بإمكان المرأة /الزوجة نيل كل حقوقها وحقوق أولادها قانونياً، في حال اتّبع الزوج بعض الأساليب القسرية التي اعتاد عليها بعض الرّجال.

ذكورية شرقية

كما حدث مع "إبراهيم" /45/ سنة، وهو من مدينة قامشلي شمال شرقي سوريا، عندما اضْطرّ للتّنازل عن رجولته الشرقية وانتزاع عصا الطاعة من يديه مُكرهاً، بعد تدخّل السلطات المحلية في مدينة "إيسن" الألمانية نتيجة خلافاتٍ مستمرة مع زوجته "إلهام" /22/ عاماً.

حكاية هذين الزوجين، لم تكن غريبةً على الرّجال المُغتربين الذين يقبلون بزواجٍ تقليديٍ من فتياتٍ يصغرهنّ في العمر بسنواتٍ وسنوات، هي قصة /23/ عاماً بحساب الكبار، تفاصيل حياتية موزّعةٌ على /23/ ربيعاً مقدار الفارق العمري بين الزوجين.

تقول "إلهام": "حلم السفر إلى ألمانيا كان مستحيلاً بالنسبة إليّ حتى قبل /5/ أشهر، عندما قبِلتُ بالزواج من طليقي الذي يحمل الجنسية الألمانية، لم أتعرّف إليه سوى عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي بطلبٍ من والدته وشقيقته".

لوحة للفنان وسام الجزائري. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان وسام الجزائري. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

تُمرّغ ما تبقّى من سيجارتها في قاع المُنفضة وتلحقها بأخرى من علبة دخانٍ جديدة، لتمضي بالقول: "زواجي منه كان بهدف الوصول إلى ألمانيا، لكن لم أُفكّر بالطلاق إلا بعد سلسلة من المشكلات منذ الشهر الأول من زواجنا، أدركتُ أنّ حياتنا الزّوجيّة أمست مستحيلة... ما شجعني أكثر على الطلاق، هو سوء المعاملة وثقتي بالقانون الأوربي الذي سيحميني من ذكوريته الشرقية، ثم إنني اكتشفت الخطأ الذي ارتكبته بزواجي من رجلٍ يكبرني في العمر كثيراً، بيني وبينه اختلافاتٌ وخلافات في طريقة ومستوى التفكير، ولو كنتُ متزوجةً منه في سوريا، لما كان بمقدوري طلب الطلاق أبداً" تُضيف "إلهام" لحكاية ما انحكت بعد أن فضّلت عدم الخوض في باقي تفاصيل الخلافات.

اختبارات الحرية

ومن وجهة نظر الدكتور "برادوست سعيد " فإنّ حالات الطلاق تلك؛ ترتبط بشكلٍ أو بآخر "بفرض معظم الرجال جلوس الزوجة عنوةً في البيت أو العمل في الحقل تحت حراسته المشدّدة، ونبذ الاختلاط واعتزال مجتمع الرّجال".

الأمر ذاته تؤكّد عليه الباحثة الاجتماعية "دنيا فواز" وترى إن "المسألة تأخذ جوانب أخرى غير تلك المرتبطةِ بالعقلية الذكورية للزوج، وإنما قد تُسجّل بعض حالات الطلاق بسبب تغيّر أطباع الزوج لحظة قدومه لبلدٍ يمنح الحرية الكاملة لمواطنيه"، وتضيف: "يبدأ بإظهار الكبت الذي خيّم على معظم غرائزه وميوله في وطنه، على سبيل ارتياد الحانات والملاهي الليليّة الذي ينتج مع الزمن ظهور مشاكل أُسريّة نتيجة إهماله شؤون أولاده وزوجته التي ما تلبث تطلب الطلاق".

يرفض العديد من الرّجال التّحدث عن تجاربهم وقصصهم مع زوجاتٍ طلبن الطلاق في أوربوا. بالمقابل تتشجّع الزوجات المُطلّقات بسرد قصص خيباتهنّ العاطفية لأزواجهنّ، إما انتقاماً منهم ومن تعاملهم غير اللائق معهن، أو لإظهار اندماجهن "المُزيّف" في مجتمعٍ لا يربطهنّ معه سوى بطاقة لجوءٍ إنساني قد تنتهي مع انتهاء الصراع الدموي في أوطانهن.

وإلى ذلك الوقت، كم من الزوجات سيطلبن الانفصال من شريك حياتهنّ لسببٍ مُفتعل؟ وكم من الفاطمات والسميرات سينتظرنّ الفرصة للوصول إلى بلاد المهجر لإعلان صك تحرّرهنّ من قيد الزوج.؟

(مصدر الصورة الرئيسية: الصفحة الرسمية لحملة طفلة لا زوجة على الفيسبوك/ 31 يناير/2015)

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد