ميديا

ببغاء سوري ثائر ومعارض!


لتنظيم المظاهرة، لا بد من توزيع الأدوار، كلّ مجموعة تعمل على جانب، شباب يقومون بالتصوير، آخرون يقفون في النقاط المحيطة لمراقبة حركة الناس واحتمالات مداهمة الأمن، مجموعة تقوم بتأمين طريق الهروب في حال وقعت المداهمة، إضافة إلى الشباب المسؤولين عن الهتاف وقيادة المتظاهرين حسب النقاط المحدّدة مسبقاً، هذا التنظيم كان في بدايات الثورة السورية، لا سيما في دمشق التي يسيطر عليها النظام حتى اليوم.

حي الحلبوني، يتوّسط العاصمة دمشق، ويقع ملاصقاً لمحطة الحجاز وحي "البرامكة" الحيوي والذي يعج بوسائل النقل، وسوق الحميدية في دمشق القديمة، لذلك فإنّ خروج أية مظاهرة في الحلبوني يُعدّ أمراً بالغ الصعوبة، بسبب التواجد الأمني الكثيف فيه، لكن عدداً من النشطاء أرادوا تنظيم مظاهرة في هذا الحي بتاريخ 30 كانون الثاني 2013، لذلك كان لابد من أن يقوموا بتخطيط دقيق تجنباً لاعتقالهم.

تحرّكت المظاهرة من قلب حي الحلبوني، من الحارات السكنية الضيقة التي تصعب مداهمتها، وقد كان عدد المتظاهرين بين عشرين وثلاثين متظاهراً، بعد الظهيرة، حيث طَقس دمشق البارد يخفف من تواجد الناس في هذه الأثناء، لكن دمشق لم تكن خارج الحراك السوري، حيث شارك مجموعة من طلبة جامعة دمشق في الشهر نفسه بحملة "دمِّك حلب، صار بكل البلد"، وفي هذه الحملة قاموا برش الطلاء الأحمر في شوارع دمشق، كما قاطعوا امتحانات منتصف العام اعتراضاً على ما يحدث في حلب التي كانت تغلي بالاشتباكات بين قوات المعارضة والنظام، وكانت الاشتباكات مترافقة مع قصف من قبل قوات النظام للأحياء السكنية في المدينة، وإضافة إلى حلب كانت داريا مشتعلة أيضاً، وهو السبب الذي من أجله خرجت المظاهرة، فقد وقع في بدايات عام 2013 عشرات الضحايا نتيجة الحملة العسكرية التي بدأها النظام على داريا، والتي فشلت في استعادة المدينة بعد أن قُتل قائدها "إياد عيسى" خلال المعارك، فتحوّل فشل النظام إلى انتقام بالقصف المدفعي من المدنيين.

لم يكن عدد المتظاهرين كبيراً، لكنهم لم يكونوا وحدهم، فبعد أن قطع المتظاهرون عشرين متراً، التفوا إلى الجهة اليسرى في إحدى الشوارع الضيقة، فصادف أن مرّوا أمام محل لبيع الحيوانات الأليفة، ومن بين هذه الحيوانات تواجد ببغاء، ما إن سمع هتافات المتظاهرين حتى بدأ يردّدها.

هتف المتظاهرون "الشعب يريد إسقاط النظام" فردّد الببغاء هتافهم، وبدأ يردّد كل ما يسمعه منهم: "حرية"، "الله أكبر"، و" داريا الحرَّة، نحنا معاكي".. أصبحت هذه الهتافات تخرج من فم الببغاء، ومن حسن الحظ أنّ الشارع كان خالياً من قوات الأمن التي سبق، وأن قتلت حيوانات خلال الثورة السورية، لا سيما الحمير، حيث قاموا بتصوير مقطع فيديو يُظهرهم وهم يجمعون عدداً من الحمير في صحراء تدمر ثم يقتلونها بالرشاش، وذلك انتقاماً من الأهالي المتظاهرين.

الببغاء المعروف بأنّه يردّد ما يسمعه دون وعي منه، تحوّل إلى معارض استمر بالهتاف حتى بعد ابتعاد المتظاهرين عن محل بيع الحيوانات، ما جعل أحد مراقبي المظاهرة يترك عمله ويبدأ بتصوير الببغاء الذي أصبح مطلوباً لمخابرات النظام، ولا نعرف مصيره حتى الآن، هل هو معتقل؟ أم تمت تصفيته؟، أم أنه قد أصبح لاجئاً سياسياً؟.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد