مصوِِّرة الثورة في دمشق، الإصرار على الحرية


تؤكد روز أن الثورة في البداية كانت على أهلها وطريقة تفكيرهم، حيث إن إحدى الأسباب التي جعلتهم يعترضون على خروجها في المظاهرة أنها فتاة، لكنها تمرّدت على هذا الوضع، واستطاعت الوصول إلى ما تريد، لتشارك في الثورة الأكبر، ثورة الشعب السوري على نظام الأسد.

16 آب 2016

في شهر نوفمبر 2011، قررت "روز الدمشقي" كسر جدار الخوف، وقد أعلِن عن تشييع لفتاة في حي الميدان الدمشقي، لكن ذلك الإعلان لم يكن سوى إشاعة من النظام، لكي يقع المتظاهرون في فخ مفاده أنهم يكذبون، ويعلنون وفاة فتاة لم تمُت، شاهدت روز إعلان التشييع، وبعد كثير من الحوارات مع أهلها الذين كانوا يمنعونها من المشاركة في الثورة خوفاً عليها، حسمت أمرها وقرّرت الخروج في التشييع دون أن تخبرهم بذلك، اتصلت بابنة خالتها واتفقتا على الذهاب معاً، كانت في السنة الأولى من الجامعة، وتبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، قبل خروجها من المنزل، كتبت رسالة إلى أهلها، ووضعتها في غرفتها، فوق الوسادة، تقول الرسالة "أنا آسفة، لكن ضميري لم يسمح لي بأن لا أذهب، وإن لم نغير نحن واقعنا الصعب فمن سيغيره؟، على كل حال، إن رحلت فلا تزعلوا، لن يكون رحيلي هباءً".

ارتدت روز حذاءً رياضياً، وأخذت معها شالين لكي تتلثم خلال المظاهرة، خوفاً من أن يتم تصويرها ويُعرف وجهها، ثم توجهت إلى حي "البرامكة" وسط دمشق، لكي تستقل إحدى الباصات الذاهبة إلى "الميدان". في البرامكة شاهدت روز مسيرة مؤيدة للنظام، يحمل المشاركون فيها أعلامه، ويرتدي بعضهم أحذية رياضية أيضاً، سمعت إحداهن تقول إنها ارتدت هذا الحذاء في حال حدث وأن دبكوا خلال المسيرة، في حين أن روز ارتدته لكي تستطيع الركض إذا ما تمت مداهمة المظاهرة.

في سوق "أبو حبل" بحي الميدان، وجدت روز نفسها ضائعة، فهي المرة الأولى التي تتوجه فيها إلى هذا الحي، كان الوضع مريباً، إذ ثمة مجموعات متفرقة من الناس، كل منها يضم بين خمسة وعشرة أشخاص يتوّزعون في زوايا الحي، كانت المحلات جميعُها مغلقة، الناس يراقب بعضهم بعضاً، ففي هذا الوقت، لم يكن حي الميدان خالياً من الأمن، ولم يكن ثمة وجود للجيش الحر، لذلك كان الجميع يشك بمَن لا يعرفه من أهالي الحي، أو بالغرباء الداخلين، كان وقت التشييع عند منتصف الظهيرة، وسينطلق من جامع "الدقاق"، لكن الحقيقة أنّ هناك مظاهرة ستخرج، ولا وجود للتشييع، وبعد الكثير من البحث، وجدت روز وابنة خالتها الجامع، ووقفتا أمامه.

كانت اللحظة التي لن تنساها روز ما حيِيَت، كما تؤكد لـ (حكاية ما انحكت)، تلك التي هتف فيها أحد الشبان بكلمة "تكبير"، وتبعه الجميع بترديد كلمة "الله أكبر"، التمت المجموعات من جميع زوايا الحي أمام الجامع، وبعد دقائق تحول سوق "أبو حبل" إلى كتلة بشرية، وفي هذه اللحظات صادفت روز فتاة طلبت منها شالاً زائداً لكي تتلثم، خافت روز من أن تكون الفتاة مخبرة، لكنها أعطتها الشال، وبقيتا معاً حتى نهاية المظاهرة، هذه الفتاة أصبحت رفيقة روز المفضلة فيما بعد.

https://www.youtube.com/watch?v=tx0nRG7mWXw

"سوريا لينا وما هي لبيت الأسد" و"طار الكرسي طار، يللا يا بشار، مشِّي عالمطار"، كان هذان الهتافان الأكثر ترديداً في المظاهرة، وهما ما جعل روز لا تتمالك نفسها من البكاء فرحاً، شعرت بأن حنجرتها قد وُلدت من جديد، إذ أن كل ما خبأته من غضب منذ بداية الثورة خرج في هذه اللحظة، نظرت حولها فلم تعرف أول المظاهرة من آخرها لأن المتظاهرين كانوا يسدون منافذ الحي بالكامل، وعددهم يقدَّر بـ 5000 متظاهراً، هذا جعل روز تشعر بالأمان.

https://www.youtube.com/watch?v=QqMG33kqxV4

استمرت المظاهرة ساعة ونصف، ثم هجم عناصر الأمن بعد أن طوقوا المكان، وبدأ المتظاهرون يسمعون إطلاق الرصاص، أصاب الخوف والهلع الجميع، لكن روز وابنة خالتها استطاعتا الهرب بين الحارات الضيقة والوصول إلى أول تكسي أقلهما إلى المنزل.

النشوة التي شعرت بها روز غيرت حياتها، فقد حضرت فيما بعد خمسين مظاهرة سلمية في دمشق وقامت بتوثيقها بالكاميرا، علماً أنها لم تخض دورة في هذا الفن، بل تعلمت ذلك بجهود فردية من خلال كتب تعليم التصوير، واكتسبت خبرتها خلال المظاهرات، واليوم، بعد أن اعتُقل أو قُتل أو رحل جميع رفاقها، لم تزل مقيمة في دمشق، ومحافظة على نشاطها في توثيق انتهاكات النظام، مرّت بها مواقف كثيرة من الخطر، وكانت تنجو منها بأعجوبة، لكن محافظتها على سرية العمل، وتعلمها من الأخطاء التي جعلت زملاءها يتم اعتقالهم، كوَّن لديها خبرة في التخفي مع الاستمرار في الثورة، أما أهلها، وقد عرفوا بأمر مشاركتها في الثورة، فقد تقبلوه، مع خوفهم الشديد عليها، فقد كانت تقول لهم إنها ذاهبة إلى الجامعة، وتذهب إلى المظاهرة، في قرارتهم كانوا عالمين بأنها تتظاهر، مع ذلك لم يشاءوا أن يدخلوا في جدال معها، لمعرفتهم بأنها ستسمر على كل حال، أما الدافع الذي جعلها تختص بالتصوير فهو الشعور بأنها توثق حراك شعب، أنها تشارك بصنع الحدث، لا بالكتابة عنه، هذا الشعور يعني بالنسبة إليها إنجازاً كبيراً، ومع الوقت جعلها تشعر بوجودها.

تؤكد روز أن الثورة في البداية كانت على أهلها وطريقة تفكيرهم، حيث إن إحدى الأسباب التي جعلتهم يعترضون على خروجها في المظاهرة أنها فتاة، لكنها تمرّدت على هذا الوضع، واستطاعت الوصول إلى ما تريد، لتشارك في الثورة الأكبر، ثورة الشعب السوري على نظام الأسد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صورة المقال مأخوذة من صفحة الناشطة على فيسبوك.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد