عبد الله عيسى، ضحية الجميع


لا أبشع من جريمة ذبح الطفل إلا تصويره، ونشر مقطع الفيديو، كيف اعتُقل؟، كيف عُذب؟، ثم كيف ذُبح? سابقاً، قامت عصابات الأسد بجرائم بشعة، تتجاوز هذه الجريمة، خصوصاً في ما فعله الشبيحة من ذبح الأطفال في حي كرم الزيتون بحمص عام 2013، لكن النظام أنكر أن يكون مَن فعل ذلك، كما كان دائماً، في حين أن عناصر كتيبة نور الدين زنكي تباهوا بفعلتهم. هذا يمنحنا عدة دلالات عن المستوى الذي وصلت إليه الحرب السورية، خصوصاً في ما يتعلق بردود الأفعال من قبل الأطراف المعنية بالجريمة.

27 تموز 2016

لا أبشع من جريمة ذبح الطفل إلا تصويره، ونشر مقطع الفيديو، كيف اعتُقل؟، كيف عُذب؟، ثم كيف ذُبح?

سابقاً، قامت عصابات الأسد بجرائم بشعة، تتجاوز هذه الجريمة، خصوصاً في ما فعله الشبيحة من ذبح الأطفال في حي كرم الزيتون بحمص عام 2013، لكن النظام أنكر أن يكون مَن فعل ذلك، كما كان دائماً، في حين أن عناصر كتيبة نور الدين زنكي تباهوا بفعلتهم. هذا يمنحنا عدة دلالات عن المستوى الذي وصلت إليه الحرب السورية، خصوصاً في ما يتعلق بردود الأفعال من قبل الأطراف المعنية بالجريمة.

خطأ فردي؟

بررت حركة نور الدين زنكي ذبحها للطفل الفلسطيني البالغ من العمر اثني عشر عاماً ما حدث بأنه خطأ فردي لا يمثلها، وقارنت بين ذبح الطفل وجرائم النظام، حسبما صرح ياسر اليوسف عضو المكتب السياسي في الحركة، لكن المقارنة لم تكن في محلها، إذ من المفروغ منه أن النظام مهما فعل فهو ساقط، أما ما يبدر عن الثوار الذين من المفترض أنهم نقيض النظام سلوكاً فإنه يلقى الإدانة الأشد.

بيان الحركة عقب الحادثة، المصدر: صفحتها على تويتر.
بيان الحركة عقب الحادثة، المصدر: صفحتها على تويتر.

منفذو الجريمة كانوا هادئين، يتبادلون المزاح ويهزأون بالطفل، لم تبدُ على وجوههم آثار الغضب، أراد رئيسهم أن يتم تصويره (سيلفي) بجانب الضحية، كما التقطوا عدة فيديوهات من أكثر من زاوية لعملية تعذيبه، وأخيراً سألوه عن أمنيته قبل قتله، فطلب أن يُعدَم بالرصاص بدل الذبح، لكنهم رفضوا هذا الطلب من قبل الطفل المُجند في مليشيا لواء القدس، والذي تديره المخابرات الجوية، ويضم مجندين فلسطينيين وسوريين يقاتلون إلى جانب النظام في حلب.

https://www.youtube.com/watch?v=wyuMTdh-URc

المعطيات السابقة تدحض كل الحجج التي قدمتها الحركة، فهذا ليس خطأ فردياً، المجموعة كانت تتألف من ثمانية أفراد، منهم مَن أعطى الأمر بتنفيذ الجريمة، وهو رئيس قطاع حلب في حركة نور الدين زنكي "عمر سلخو"، و"محمد معيوف" رئيس قطاع حندرات، الذي ظهر إلى جانبه، أما من نفذ العملية فاسمه "متين أحمد النحلاوي"، والسؤال الذي يُطرح: هل هؤلاء القادة والجنود بهذا المستوى من السذاجة كي يصوروا جريمتهم بعدة كاميرات مع علمهم أنها ستسيء أشد الإساءة لسمعة حركتهم وتحولها إلى حركة إرهابية في نظر الرأي العام؟

عمر سلخو (وسط) محمد معيوف، رئيس قطاع حندرات الذي ظهر في فيديو الجريمة، المصدر: حركة نور الدين زنكي، تويتر.
عمر سلخو (وسط) محمد معيوف، رئيس قطاع حندرات الذي ظهر في فيديو الجريمة، المصدر: حركة نور الدين زنكي، تويتر.
محمد معيوف (يمين)، رئيس قطاع حندرات الذي ظهر في فيديو الجريمة، المصدر: حركة نور الدين زنكي، تويتر.
محمد معيوف (يمين)، رئيس قطاع حندرات الذي ظهر في فيديو الجريمة، المصدر: حركة نور الدين زنكي، تويتر.

مَن ارتكبوا الجريمة لم يتخيلوا أن الفيديوهات ستنتشر بهذه السرعة على الإنترنت، وتحدث ضجة عالمية، فالقادة قد أعمت عيونهم نشوة الجريمة، وهو ما يحدث أحياناً في الحروب والاحتلالات، إذ ينسى الجندي ما قد يدينه في المستقبل، ويفخر بما يفعله من القتل الذي اعتاد عليه، وصار من ضروريات حياته، ولدينا عدة شواهد من التاريخ، منها ما حصل خلال احتلال فرنسا للجزائر (1830-1962)، فمن الانتهاكات التي وقعت اغتصاب امرأة جزائرية من قبل جنديين فرنسيَّين قاما بالتقاط صورة معها وهي عارية، ما يدل على اللامبالاة التي يتصف بها المُسلح نتيجة الغطرسة والإحساس بالقوة، ومن الشواهد أيضاً الصور التي تم تسريبها لسجن أبو غريب في العراق، فاضحة ما ارتكبه الجيش الأميركي من تعذيب للمدنيين، فقد كانوا يتباهون بما يقومون به وهم ينظرون إلى الكاميرا.

جندية أميركية في سجن أبو غريب تتصور بجانب المعتقلين خلال تعذيبهم بعد احتلال العراق 2004، المصدر: صحيفة الأهرام المصرية.
جندية أميركية في سجن أبو غريب تتصور بجانب المعتقلين خلال تعذيبهم بعد احتلال العراق 2004، المصدر: صحيفة الأهرام المصرية.
جنود فرنسيون يتصورون بجانب امرأة جزائرية بعد اغتصابها، المصدر: صورة عامة.
جنود فرنسيون يتصورون بجانب امرأة جزائرية بعد اغتصابها، المصدر: صورة عامة.

من جانب آخر، أكدت الحركة في بيان لها على أنها ستسعى لتقديم من ارتكبوا الجريمة إلى المُحاكمة، في محاولة لحصر التهمة بالأفراد والدفاع عن الحركة كونها كما تدعي "معتدلة"، وتستنكر هذه الأفعال.

ليس طفلاً

من الحجج التي قدمتها حركة نور الدين زنكي أن الضحية ليس طفلاً يبلغ من العمر اثني عشر عاماً كما انتشر، بل هو في التاسعة عشر من عمره، ومتطوع في مليشيا القدس، وقد اعتمدت الحركة على قرينتين لإثبات ذلك.

الأولى: منشور كتبه شخص مجهول على فيسبوك، ادعى من خلاله أن الضحية "ابن خالتها"، وأنه ليس فلسطيني الجنسية، بل سوري من مدينة "حماه"، وهو مصاب بمرض "ثلاسيميا"، (فقر دم وراثي يصيب الأطفال ويسبب الحد من نموهم)، لذلك فإن شكله يبدو كالأطفال، في حين أن عمره الحقيقي 19 عاماً، لكن هذه القرينة تدين الفاعلين، لا تبرئهم، فالمريض أولى بالتعاطف من غيره، أما كون الضحية سورياً، كما تم التصريح في هذا المنشور مجهول هوية الكاتب فلا يغير من بشاعة الجريمة.

عبد الله عيسى

الثانية: هوية عسكرية ادعت الحركة أنها للضحية، وتحوي معلومات تثبت أنه في التاسعة عشرة، لكن هذا لا يُعد دليلاً، إذ من الممكن تزوير هوية عن طريق برنامج (فوتوشوب)، مثالاً على ذلك، قام بعض النشطاء بتزوير بطاقة للصحفية اللبنانية كارول معلوف على أن اسمها "كارول عيسى"، مع وضع صورتها الشخصية، ومعلومات مطابقة للمعلومات التي وردت في الهوية المنسوبة إلى الفقيد.

الهوية المنسوبة لعبد الله عيسى، المصدر: موقع جنوبية.
الهوية المنسوبة لعبد الله عيسى، المصدر: موقع جنوبية.
الهوية التي صاغها نشطاء لكارول معلوف، المصدر: موقع جنوبية.
الهوية التي صاغها نشطاء لكارول معلوف، المصدر: موقع جنوبية.

صيد في الماء العكر

تناولت القنوات المؤيدة للنظام خبر الجريمة بأسلوب يتهم الثورة السورية بأنها ثورة مجرمين، متناسين أن النظام الذي جند الطفل قد ارتكب جريمة حرب أيضاً، ومتجاهلين عشرات المجازر التي يرتكبها بقصفه لمدينة حلب، ثم ما كان قد ارتكبه من مذابح في بعض المدن والقرى السورية، مثل مذبحة البيضا التي راح ضحيتها 248 مدنياً، فكان تناول هذه القنوات للجريمة انتهازياً، ومتقاطعاً مع تناول حركة نور الدين زنكي ومن دافع عنها بحجة المقارنة بين هذه الجريمة وجرائم النظام، حيث إن الجميع استثمروا الخبر كل لصالحه، ومن طرف واحد، دون أن يكون هناك استنكارلكافة جرائم الحرب التي تشهدها سوريا أياً كان الفاعل.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد