داريَّا بين النار والحصار


15 تموز 2016

منذ بداية الثورة، لم تمر على داريا أيام بهذه الصعوبة، حيث تواجه المدينة منذ فجر الحادي عشر من تموز محاولة اقتحام بالمدرعات مع قصف متواصل، ما يهدد بأن تسقط في يد النظام، بعد أربع سنوات لم يستطع خلالها أن يدخلها، منذ أن تم طرده من المدينة عام 2012.

خريطة توضح النقاط التي سيطر عليها النظام في داريَّا حتى تاريخ 12/07/2016، والمدن المحيطة بها، المصدر: المجلس المحلي لمدينة داريا، فيسبوك.
خريطة توضح النقاط التي سيطر عليها النظام في داريَّا حتى تاريخ 12/07/2016، والمدن المحيطة بها، المصدر: المجلس المحلي لمدينة داريا، فيسبوك.

خصوصية داريا

لم تتخلَّ داريا عن نشاطها السلمي حتى بعد مرحلة دخولها مرحلة التسليح عام 2012، فقد استمرت الفعاليات المنادية بإسقاط النظام، منها فعالية لسنا أرقاماً التي رفع فيها أطفال داريا لافتة “نحن لسنا أرقاماً، نحن مستقبل سوريا، أنقذونا من الموت والحصار، أنقذوا مستقبلكم”، وذلك في شهر شباط 2016، إضافة إلى أن تسليح المدينة لم يبدأ من خارجها، بل نشأت الفصائل المقاتلة من بين أبنائها، ولا وجود لعناصر أجنبية بين هذه الفصائل، ما يعني أن التسليح كان اضطرارياً، وأبقى على التماسك بين المدنيين والمسلحين الذين حملوا السلاح دفاعاً عن المظاهرات السلمية، إضافة إلى أن المجلس المحلي لداريا يعتمد الفصل بين الأنشطة المدنية والعسكرية، وهو مجلس يديره مدنيون، أما الفصائل المقاتلة فإنها إحدى أجنحته، ذلك الجيش الذي استطاع مقاومة النظام وصد محاولاته دخول المدينة، كما أن داريا التي تقع جنوب غرب العاصمة دمشق، لا تبتعد سوى كيلومترين عن مبنى رئاسة مجلس الوزراء، الواقع في حي كفرسوسة، قرب مطار المزة العسكري، إضافة إلى ذلك، فإنها تتوسط أحياء الميدان والقدم والمعضمية وجديدة عرطوز، وجميعها أحياء منتفضة وقريبة من العاصمة دمشق، كل ذلك جعل النظام يستميت خلال السنوات السابقة لاسترجاع داريا، وعندما لم يستطع دخولها، اتَّبَع ساسة الحصار والقصف لإضعاف المدينة بالتدريج تمهيداً للاستيلاء عليها.

مناشدات عاجلة واتهامات

إذا كان العالم قد نسيَنا، فلا يجب أن ننسى بعضنا بعضاً، هذا مفادُ مناشدات النشطاء على مواقع التواصل لثوار الغوطة الشرقية الذين تقع كتائبهم على بعد كيلومترات عن داريا، ولثوار درعا أيضاً، حيث تبعد المدينة عن داريا نحو 100 كم، والطريق بينها وبين داريا مُتاحة للمقاتلين، هكذا وُجهت نداءات إلى المدنيين في درعا ليخرجوا بمظاهرات تضغط على الفصائل المقاتلة هناك، " الجبهة الجنوبية في درعا والقنيطرة تتحمل المسؤولية الأكبر، هم الأقرب لها وهم الوحيدون القادرون "لو أرادوا" على قلب الطاولة ومساعدة إخوتهم في داريا، ولأننا تعبنا ونحن نوجه النداءات لهم بالتحرك دون فائدة فإني أدعو أهلي الأحرار في درعا للتظاهر ضد القيادات المتخاذلة"، هذا ما كتبه الصحفي هادي العبد الله على صفحته على الفيسبوك، ومن جانب آخر، رأى بعض النشطاء أن داريا تستطيع وحدها صد الهجوم بما تملكه من تحصينات وخبرة في القتال تراكمت خلال سنوات الثورة، "من أسباب تقدم النظام في المنطقة الغربية الأراضي الواسعة والمفتوحة عدم وجود أبنية يتمكن الثوار من الاحتماء بها، مما أعطي حرية لتحرك دبابات النظام، مع دعم غير محدود من طيران الأستطلاع والقصف، لا ننكر أن  الجيش الحر فقد من قوته وتعب كثيراً، لكنه مازال مستعداً للوقوف ومواجهة قوات النظام على الأقل خلال الفترة االقادمة"، كما كتب كرَم الشامي، وهو ناشط مقيم في داريَّا.

القصف على داريَّا، 12/07/2016، المصدر: المجلس المحلي لمدينة داريا، فيسبوك.
القصف على داريَّا، 12/07/2016، المصدر: المجلس المحلي لمدينة داريا، فيسبوك.

ماذا يعني سقوط داريا

إضافة إلى الحصار الذي دخل عامه الرابع، منذ عام 2012، وُمنع دخول المساعدات الغذائية والمواد الدوائية عن 8300 مدنياً نسبة كبيرة منهم أطفال يقيمون في المدينة، فإنّ قوات النظام وصلت إلى المناطق السكنية في داريا يوم الاثنين 11 تموز، حسبما نشر المجلس المحلي لمدينة داريا، حيث قامت باحتلال المزارع الواقعة جنوب غرب داريا، ما أدى إلى نزوح عشرات العائلات التي كانت تسكن هذه المزارع باتجاه المدينة خوفاً من تصفيتهم.

نزوح سكان المزارع جنوب غرب داريا باتجاه الأبنية السكنية في 12/07/2016، المصدر: المجلس المحلي لمدينة داريا، فيسبوك.
نزوح سكان المزارع جنوب غرب داريا باتجاه الأبنية السكنية في 12/07/2016، المصدر: المجلس المحلي لمدينة داريا، فيسبوك.

إضافة إلى مجزرة محتملة ستقوم بها قوات النظام وحزب الله انتقاماً من أهالي داريا لاحتضانهم العسكريين الذين كبدوا النظام خسائر كبيرة منذ أربعة أعوام ومنعوه من دخولها، فإن سقوط داريا بما تعنيه للسوريين من رمزية لاستمرار النضال السلمي، يعني سقوطاً لآخر معقل للمظاهرات ومبادئ الثورة التي حافظت عليها المدينة، فهي في ذاكرة السوريين تجسيد للمقاومة الثقافية والإبداعية، وللجانب النقي من التظاهر السلمي، فداريا التي شهدت أول مظاهرة مناهضة للأسد في 25/03/2011، يعود تاريخها في الحراك المدني إلى عام 2003، عندما قام مجموعة من شباب المدينة بمشروع يمهد للمجتمع المدني بأنشطة بسيطة تتلخص في تنظيف الشوارع ومكافحة الرشوة، وذلك عبر منشورات وزعوها على المدنيين، ما أدى إلى اعتقال معظمهم من قبل مخابرات النظام ومحاكمتهم ميدانياً بالسجن لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، وفي بداية الثورة السورية، قدّمت المدينة نموذجاً مغايراً من النضال السلمي، وذلك بتوزيع الورود وقناني الماء على عناصر الجيش والأمن في الحواجز المحيطة، وكانت ردة فعل القوات الأمنية أن اعتقلت أبرز وجوه منظمي هذا الحراك، ومنهم إسلام الدباس ومحمد قريطم وغياث مطر الذي قُتل تحت التعذيب، في حين ما زال الباقون قيد الاعتقال.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد