الانتخابات في المجالس المحلية الوليدة حديثاً


11 تموز 2016

محمد النجار

كاتب سوري

اعتمدت المجالس المحلية التي تشكلت إبان تحرير المدن والبلدات السورية، على عدة طرق انتخابية لاختيار أعضائها ورئيسها، بعضها اعتمد على أساس التعيين، بينما مجالس محلية تشكلت على أساس الانتخاب، فيما يقول حقوقيون أن الانتخابات التي حصلت في بعض المدن بعيدة عن أسس الديمقراطية لأسباب عديدة لكنها نظيفة إلى حد ما من التزوير.

في المقابل، نجحت العديد من المجالس في اختيار طرق انتخابية لاقت رضى لدى الناس، سيما أن كرست أعمالها فيما بعد بالأمور الخدمية التي يحتاجونها المواطنين ببعض المدن والبلدات.

في ريف حلب

تحرّر ريفي حلب الشرقي والشمالي في وقت مبكر، الأمر الذي فرض على أهالي المدن والبلدات المتواجدة في الريف تشكيل مجالس خدمية لتسيير أمور المدنيين خاصة بعد زوال المجالس التابعة للنظام.

ففي مدينة منبج التي تحررت في سنة 2012، دعت الضرورة إلى عقد اجتماعات دورية بين أهالي المدينة ضمن إحدى المدارس من أجل الاتفاق على تشكيل مجلس محلي يقوم بتنفيذ الأعمال الخدمية في المدينة.

وبعد نقاشات دامت لأسبوع، اتفق المجتمعون على تشكيل مجلس محلي مبدأي عن طريق اختيار شخصيات ثورية لها دور في تحرير المدينة من أجل تأسيس المجلس، لم يلبث الأمر وقتاً طويلاً حتى طالت الانتقادات للمجلس المحلي، ليُعاد تشكيل مجلس ثانٍ لكن ليس على أساس التعيين، بل انتخاب المرشحين للمجلس من قبل الفصائل الثورية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في المدينة.

يقول أحمد الأحمد، أحد المدنيين الذين شهدوا على انتخابات المجلس بمنبج "كانت التجربة تكرس مفاهيم الديمقراطية بشكل نسبي، لكن بات الأمر يحسب بالنهاية على أساس صفة الثورية، فمن كان له نشاط ثوري أيام تواجد النظام له الأفضلية في الترشح، خاصة إن كان لديه قدر من الشعبية".

ويكمل "أما عن المرجعية التي بنيت على أساسها الانتخابات فلا يوجد أي مرجعية ثابتة، خاصة بعد ظهور فريق معارض للمجلس المحلي والبدء بالتهجم عليه عن طريق التشكيك بأعماله".

مجلس الأعيان بريف إدلب

تختلف المسميات في كل مدينة تحررت من أيدي النظام، وتشكلت فيها مجالس محلية، ففي مدينة معرة النعمان ظهر ما يسمى بمجلس الأعيان اليوم.

وقال مدير المجلس المحلي في المعرة، ناصر هزبر، لحكاية ما انحكت "إن مجلس الأعيان يتألف من أشخاص تم الاتفاق عليهم من قبل فعاليات البلد والمواطنين، ودوره كان بالفترة الماضية هو انتخاب مجلس للمعرة والابتعاد عن الفصائلية وتفضيل الخبرات والشهادات الجامعية على غيرهم من المرشحين".

وأضاف "هناك هيئة عامة، وهي هيئة رقابية تتألف من الأشخاص الذين قدموا لانتخابات المجلس ولم يعملوا ضمنه، فهم جهة رقابية على المجلس، تضم 150 عضواً وتم اختيار 28 منهم، بينما بقي العدد المتبقي ضمن الهيئة".

في درعا الأمر مختلف

التقينا بالمحامي عاصم الزعبي، أحد النشطاء الحقوقيين الذين واكبوا التطورات في درعا وريفها خلال السنوات الماضية، وقال فيما يخص رأيه بانتخابات المجالس المحلية بالمنطقة الجنوبية "لا يمكن القول عن الانتخابات التي حصلت في المناطق المحررة أنها ديمقراطية، إلا شكلاً، لأنه أساساً لم تحدد أسس الديمقراطية في عموم سورية حتى الآن، ولكن يمكن القول أنها نظيفة إلى حد ما من ناحية التزوير الذي اعتدنا عليه بالمقارنة مع السابق".

أما عن المرجعية التي اعتمد عليها فيما يخص تشكيل المجالس المحلية، أجاب الزعبي "ليس هناك مرجعية محددة حتى الآن كقانون انتخابي دقيق يتم العمل بناء عليه، وإنما تنظم من قبل المجالس المنتهية ولايتها بالتعاون مع السكان المحليين".

وتابع "إن الانتخابات ليست تقدمية أكثر من انتخابات النظام لأن العقلية العائلية والعشائرية لا تزال مسيطرة على غالبية المناطق والقرى والمدن، فيجب أن يكون رئيس المجلس من عائلة كبير عادة، إضافة إلى المكاتب المهمة في المجالس، أي النتيجة ما يزال مبدأ المحاصصة هو سيد الموقف".

وأوضح "لا يمكن إنكار وجود التدخل العسكري في هذه الانتخابات على الأقل، لأنها تجري تحت سلطة الفصائل المسلحة في كل قرية ومدينة، وبالتالي لا يخرج المرشحون عن كونهم من أقرباء هذا القائد أو ذاك، فالتدخل موجود بشكل أو بآخر ونحتاج لزمن طويل حتى نستطيع إجراء انتخابات مدنية بالمعنى الحقيقي بعيدة عن أي سلطة عسكرية".

وعن إيجابيات الانتخابات، قال الزعبي "إن الإيجابيات تقتصر على حفظ مصالح المواطنين فيما يصل من إغاثة وتنظيم بعض الأمور الخدمية البسيطة جداً كالنظافة وما شابه ذلك، أما السلبيات فيجب العمل على قانون انتخاب حقيقي، ونحن الآن بحاجة إلى مجالس ذات كفاءة لتغيير الوضع من أصغر قرية وحتى نصل لمستوى المدن الكبرى، ويتم ذلك بالدرجة الأولى عندما ننبذ العشائرية والعائلية وانتخابات أشخاص تكنوقراط".

بريف دمشق

تتعدد المجالس المحلية بريف دمشق، حيث تضم نحو 180 مجلساً محلياً على مستوى البلدات والقرى المنتشرة في الغوطتين الشرقية والغربية، حيث تسعى إلى تنظيم المناطق المحررة وتتبع لمجلس محافظة ريف دمشق الذي يتبع بدوره إلى وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة.

التقت "حكاية ما انحكت" بالأستاذ طارق معرتماوي، نائب رئيس مجلس محافظة ريف دمشق، الذي قال بدوره "إن انتخابات المكتب التنفيذي في مجلس المحافظة حصلت بطريقة ديمقراطية من ناحية المبدأ، فقد صوت أعضاء مجلس المحافظة الـ 41 من خلال صندوق الاقتراع وبمراقبة لجنة قضائية مستقلة، أما اختيار أعضاء مجلس المحافظة، فجاء من خلال تقديم المجالس المحلية الفرعية لهيئة عامة ممثلة عنها، وتمت بإشراف لجنة انتخابات من وزارة الإدارة المحلية".

وعن المرجعية المعتمدة في الانتخابات، أجاب "هناك لائحة تنفيذية أقرتها لجان ممثلة للمحافظات المحررة، وخبراء من وزارة الإدارة المحلية ووزارة العدل".

وتابع "إذا ما قارنا الانتخابات التي حصلت لدينا بانتخابات النظام، فلا يوجد مقارنة مع الاعتراف بأن انتخابات المجالس الفرعية الثورية قد لا تكون المشاركة فيها عالية بسبب الظروف الأمنية والتعجيز الحاصل، إلا أن مبدأ حرية الناخب بالاختيار قائمة بشكل جيد".

وعن مدى التدخل العسكري فيها، قال "بالنسبة لمجلس المحافظة ومكتبه التنفيذي لم يكن هناك أي تدخل على مستوى المجالس الفرعية، هناك تباينات حسب المنطقة، فمثلاً مجلس مدينة داريا، هو مكون من مكونات المجلس المحلي، وبالتالي هو أقرب لحكومة مصغرة في مناطق أخرى بالريف، أما الكيان العسكري فهو منفصل عن الإدارة المدنية".

ويوجد مديرية تتبع لوزارة الإدارة المحلية، واسمها "مديرية شؤون الانتخابات" حيث من ضمن واجباتها أن تتواصل مع مجالس المحافظات وتساهم في تشكيل الجسم الإداري لمجلس المحافظة من أجل إدارة شؤونها.

لكن أهم الصعوبات والتحديات التي تواجه المجالس المحلية هو علاقتها ببعض الفصائل العسكرية التي تفرض وجودها إذا ما تم انتخاب مجلس محلي جديد، فهناك خلافات عسكرية وسياسية تنعكس بشكل مباشر على انتخابات المجالس المحلية على الأرض.

يبدو أن طرق انتخابات المجالس المحلية متباينة في كل مدينة وسط المشاكل التي تتعرض لها مثل تدخل فصائل عسكرية بقراراتها، والضغط المفروض على المجالس المحلية المنتخبة من المجموعات المنافسة لها من جهة، والمعوقات التي تنتج عن قصف النظام للمناطق المحررة أمام مشاريع المجالس من جهة أخرى.

لكن الكثيرون متفائلون بطرق انتخابات المجالس المحلية، معتبرين إياها خطوة تنظيمية أساسية لتسيير خدمات المدن على أقل تقدير، أما من ناحية مقارنتها مع الانتخابات التي تجري لدى النظام، فالبعض رأى أن انتخابات النظام ذات مرجعية واضحة وتنظيم مستمر، لكن يعيدون ذلك إلى ارتكاز النظام على أساس مؤسساتي ومنظم بينما هناك فوضى واضحة بالمشاريع المدنية بالمناطق المحررة.

 

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد