الانتحار السوري فن أيضاً


26 حزيران 2016

عمر يوسف سليمان

شاعر وصحفي سوري يقيم في باريس، آخر أعماله، "الموت لا يُغوي السُّكارى"، شعر باريس 2014، "انسَ دمشق"، سرد، بيروت 2015، و"الطفلُ المنسي"، شعر، باريس، 2016.

أبلَغُ رقصة أدَّاها الفنان السوري حسن رابح كانت برمي نفسه من الطابق السابع في شارع الحمرا ببيروت، ذلك الشارع الذي يشهد يومياً على قبح العالم بما يجري فيه من انتهاكات لحقوق للسوريين اللاجئين في لبنان، مع اشتهاره بأنه الشارع الأكثر برجوازية في بيروت، إضافة إلى امتلائه بالمقاهي التي تمتلئ بالمثقفين من مختلف الجنسيات.

يذكرنا ما فعله حسن بحادثة انتحار الشاعر السوري مصطفى محمد عام 2007 في عمر سبع وعشرين سنة، حيث رمى نفسه من إحدى الأبنية في مدينة حلب، تاركاً عبارة "في حياتي مشكلة ما كان من الممكن أن تُحل إلا بهذه الطريقة"، لكن ما تركه الراقص حسن رابح يبدو جارحاً وراديكالياً " تسقط المخابرات العالمية الفاجرة و الداعرة و العاهرة، لست سوى عبد ربي أموت إلى أن أحيا"، فانتحار هذا الشاب كان رداً على عار الإنسانية أمام حال السوريين المشردين في مختلف بلاد العالم، إذ عندما يصبح الفن عاجزاً عن مواجهة الموت، يغدو الانتحار وسيلة فنية شديدة السوريالية رداً على مسرح جهنم الواقعي الذي تعيشه سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، فقد خرج السوريون من الحرب، لكن الحرب لم تخرج منهم، ولأن الفنان هو الأشد حساسية تجاه هذا العبث الدموي، اختار حسن لوحته الفنية الأخيرة على هذه الشاكلة، وبالنظر إلى ما عاناه هذا الشاب خلال السنوات الأخيرة، حيث تم رفض أوراقه الثبوتية في لبنان، وبهذا أقام بطريقة غير قانونية، ما أدى به إلى البطالة مع عدم قدرته على الخروج إلى بلد غير عربي يحترم حياة الإنسان وكرامته، نجد أنه لم يكن لديه أمام هذه الحال خَيار آخر سوى العبثية والضياع، وهو حال ملايين السوريين في الخارج، مِن مَن شردتهم الحرب فواجهتهم الأنظمة بالقمع ومحاولة الطرد.

ليس هذا الشاب سوى رمز لمئات ألوف غيره، حيث يشكل الشباب الشريحة الأكبر في سوريا بنسبة تفوق 70 بالمئة من مجمل عدد السكان، عدد كبير منهم غادر البلاد، وأغلب من يقيمون في الدول العربية أو في تركيا يعانون إضافة إلى صدمة الحرب صدمات نفسية أقساها البطالة، أما اللاجئون في أوروبا فيعانون من صدمة تعلم لغة جديدة، كثير من هؤلاء الشباب لم يكملوا تعليمهم ولم يبنوا مستقبلَهم في سوريا، وعليهم أن يبدأوا حياة جديدة مع افتقارهم للخبرات والتجارب التي تخولهم أعمارهم و ما عاشوه من كبت في ظل النظام الفاشي من أن يبنوها، هكذا دخلوا في حالات اكتئاب مزمنة لن يخرجوا منها بسهولة، مع ذلك نجد أفراداً استطاعوا خلال وقت قصير أن يحققوا إنجازات مذهلة ولَّدها شعورهم بالفقد والحرمان، ما شكل لديهم إرادة حرة في إثبات أنهم موجودون وقادرون على أن يبدعوا كل في مجاله، مثل الشاب رابي كورية الذي حصل على وسام "الملكية الهولندية" عام 2015 في مجال الرسم، وفي نفس العام فاز يمان أبو حبيب بجائزة "نجوم العلوم" لاختراعه غسالة تعمل على الطاقة الشمسية من قناة "إم بي سي"، في حين نال منذر أسامة الشيخ جائزة "الرجل الأكثر احترافية" في مجال إدارة وتطوير إحدى البرامج من شركة مايكروسوف عام 2012، كما حصل الشاب السوري زين عكو على جائزة أميركا لألعاب الإنترنت عام 2015، بتصميمه لعبة ألغاز جديدة ثنائية الأبعاد.

ما فعله حسن رابح إنجاز أيضاً، وإن كان أكثر غرابة، إلا أنه الأنسب مقارنة مع وضعه الشخصي والوضع العام، بهذا السياق نستطيع تفسير هذا العمل إيجابياً، وبهذا السياق أيضاً، ينبهنا ما فعله حسن إلى أننا مقبلون على مستقبل أسود من ناحية، ومليء بالمبدعين السوريين من ناحية أخرى.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد