أبو زهير، بين البابور والصاروخ العنقودي


05 أيار 2016

خمس وعشرون سنة قضاها أبو زهير في صيانة البوابير، في دوما، حيث كان الناس يستخدمون البابور للطبخ أو لتسخين الماء، تعلم هذه المهنة من والده، في محلهم الصغير، وقد كان في العاشرة.

اليوم، وهو في الخامسة والثلاثين، وأبٌ لستة أطفال، يشعر أبو زهير حين يمارس هذه المهنة بأنه شخص مهم جداً، فالناس الذين يعيشون في الحصار منذ ثلاث سنوات، لا يمكنهم الاستغناء عن هذه الآلة التقليدية التي توارثها السوريون عبر الأجيال، وعلى الرغم من وجود الغاز والكهرباء، بقوا محتفظين بها في منازلهم حتى لو لم يستخدموه، فزيت الكاز الذي يُشغل البابور ليس بغالي الثمن، وفي غالب الأحيان بقي جزءاً من تراثهم، إلى أن بدأت الحرب.

والد "أبو زهير" احد المعمِّرين في هذه المهنة، فقد قضى أربعين سنة من عمره بإصلاح البوابير، وأبو زهير يشعر حتى اليوم، وبعد رحيل والده، أنه بقي محبوباً من الناس، دون أن يدرك السبب وراء ذلك، هل هو شخصه؟، أم لأنه ابن والده، معلِّم المهنة في دوما؟.

في كافة الأحوال، ما زال كلُّ شيء بالدكَّان يذكِّر أبا زهير بطفولته التي قضاها مع والده وإخوته الأربعة، كان الأكبر بينهم، لذلك فقد وقعت مسؤوليتهم على عاتقه في غياب الأب، كما كان الوالد يتركه طفلاً في الدكان ويعود وحده إلى البيت، لكي يتعلم كيف يعامل الناس ويعتمد على نفسه في كل شيء.

بتاريخ 15/02/2016، كان أبو زهير مع والده الستيني في الدكان يعملان بإصلاح إحدى البوابير المعطوبة، قال ابو زهير "أبي لماذا لا نطور عملنا معاً؟، أنت تعمل هنا منذ أربيعن سنة، ولم يتغير شيء في عملنا، بقي على حاله"، هذا السؤال لم يكن جديداً، فقد ردده أبو زهير مراراً على والده، لكن في هذه المرة كان جواب الوالد مختلفاً "لقد تغيرت أشياء كثيرة، وكسبنا الكثير، كسبنا محبة الناس لنا، وصار الجميع يعرفنا ويثق وبنا ولا يستغني عنا، لنكن بسطاء خير من أن نكون أغنياء".

بعد أن نطق الوالد بهذه الكلمات، بدأت الغارات الجوية على دوما في ذلك اليوم الدموي الذي راح ضحيته 18 عشر مدنياً من أبناء دوما، سمع أبو زهير صوت إنزال صواريخ في السماء، فألقى بنفسه على الأرض، وبدأ يصرخ بوالده كي يستلقي أيضاً، لكن الصاروخ العنقودي كان أسرع منه، فقد سبقت شظاياه كلمات أبو زهير، ورمت الوالد على ظهر أبي زهير الذي حاول أن يوقظه، يتحدث إليه، لكنه كان قد فارق الحياة.

بعد مرور شهور على الحادثة، كلما جلس أبو زهير مساء في عمله، يتخيل والده معه في نفس المكان، فلا يستطيع أن يقدم له شيئاً سوى ان يستمر في العمل، منفذاً وصية والده قبل وفاته بدقائق، في إصلاح البوابير التي تحفظ للناس لقمة عيشهم بعد أن قطع النظام عنهم الكهرباء والغاز.

تم إنجاز هذه المادة بالتعاون بين موقع حكاية ما انحكت، وصفحة الإنسان في سوريا، وراديو سوريالي.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد