إدلب... مدينة للمشاريع السلطوية المؤقتة (1)


14 أيار 2016

تركز مشروع المعارضة السورية مع بداية العسكرة حول السيطرة بشكل تدريجي على المدن والبلدات السورية ومحاولة إدارتها، وشكل ذلك فيما بعد هدفاً استراتيجياً للمعارضة السورية بمختلف توجهاتها. وبحسب المعطيات التي تراكمت خلال 3 سنوات من بدء السيطرة على إدلب وريفها، فإن إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة كانت من نصيب الفصيل المعارض الأقوى عسكرياً، والأغنى من حيث الحصول على الموارد والتمويل؟

ومع سيطرة الفصائل الإسلامية المقاتلة ممثلةً بجيش الفتح على كامل مدينة إدلب بتاريخ 28-3-2015 برزت التناقضات في إدارة المحافظة بين الريف والمدينة.

إدارة المعارضة السورية لمدينة إدلب شملت جميع القطاعات الخدمية والتعليمية وصولاً للسلطة القضائية، ويظهر التعليم كأحد حقول التجارب التي تناوبت عليها سلطات عده كحكومة النظام السوري ممثلة بوزارة التربية والتعليم العالي، ومن ثم وزارة التعليم التابعة للحكومة السورية المؤقتة، نهاية بسلطة الفصائل الإسلاموية.

التعليم لمن حرره!

 بعد سيطرة المعارضة على عدد من المدن والبلدات في ريف إدلب، شكل عدد من المعلمين والأكاديميين والمعارضين السياسيين في تركيا الهيئة الوطنية للتربية والتعليم التي حاولت إدارة المدراس في الريف الواقع تحت سيطرة المعارضة، ويؤكد "محمد صالح أحمدو"، مدير الإمتحانات في وزارة التربية التابعة للحكومة السورية المؤقتة أن الحكومة التركية اعترفت بالهيئة الوطنية التي عملت في ريف إدلب مدة عامين (2012-2014) بكوادر تدريسية من أهالي الريف الإدلبي إلى حين اندماجها مع وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة بتاريخ 32/3/2014 وتشكيل مديرية تربية إدلب الحرة.

اكتملت سيطرة جيش الفتح المكون من فصائل عدة أبرزها حركة أحرار الشام وجبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سوريا) على كامل مدينة إدلب في 28/3/2015، فطالب حينها جيش الفتح بالإشراف على العملية التعليمية في إدلب وأريحا وجسر الشغور، وشكل مديرية التربية التابعة لجيش الفتح، وقام بفصل التعليم في إدلب المدينة وأريحا عن الريف.

وتعود أسباب هذا الفصل إلى أن جيش الفتح وقع اتفاقاً مع حكومة النظام السوري ينص على الإستمرار بتدريس مناهج وزارة التربية والتعليم السورية مقابل حصول المعلمين على رواتبهم من مدينة حماة.

ويروي "محمد أحمدو" أن جيش الفتح نادى بطرد مديرية تربية إدلب الحرة، للانفراد بإدارة القطاع التعليمي، مبرراً ذلك بالقول: "التعليم لمن حرره".

رحلة شاقة لا أحد يعرف نهايتها يخوضها المعلمون في المدراس التابعة لحكومة النظام من أجل قبض رواتبهم الشهرية من مدينة حماة، ويقول أحد المعلمين أن المخاطرة بالوصول لمدينة حماة أهون من تعرضهم للفقر والبطالة، مؤكدا تعرضه وزملاؤه للمضايقة وللسلب من قبل حواجز قوات النظام، إضافة لفرضها عليهم مراجعة فرع الأمن في مدينة حماة كشرط للحصول على الراتب، ما دفع الكثيرين للتخلي عن الوظيفة (وفق قوله) خوفاً من الاعتقال أو سحبهم للتجنيد الاحتياطي.

ويضيف المعلم أن تغيير الفصائل الإسلامية لأيام العطل الأسبوعية للمدارس عرضها للقصف من قبل جيش النظام، حيث حدد النظام السوري أيام الدوام في المدارس من الأحد وحتى يوم الخميس، وهو ما خالفته الفصائل بجعلها الدوام يبدأ السبت وينتهي يوم الخميس.

المنهاج زائد واحد

خلال هذه الفترة عمد جيش الفتح إلى إلغاء مادتي الفلسفة والتاريخ باعتبارها مواداً "كُفرية" ثم تراجع عن ذلك بعد تحديد المطلوب من كلا المادتين، ويعلّق "محمد أحمدو" أن مادة التربية القومية لم تدرس في المدارس إلا أنها كانت مطلوبة في الإمتحانات، وكان ذلك ضمن الإتفاق مع حكومة النظام.

تمثل التغيير الذي طرأ على التعليم في ريف إدلب -الذي لم يوقع اتفاقية مع النظام السوري-  بزيادة حصص التربية الدينية تحت مسمى مادة التوحيد (منهاج الديانة في المملكة العربية السعودية)، والذي عرف فيما بعد بالمنهاج زائد واحد، وإلغاء مواد التربية الموسيقية والرسم والتربية الزراعية.

ويشير "أحمدو" إلى أن بعض المنظمات والجمعيات التي دعمت المدارس هي من فرضت مادة التوحيد بعد الحصول على إذن من جيش الفتح لدعم التوجه الإسلاموي.

بقي قطاع التعليم في ريف إدلب تابعاً لمديرية تربية إدلب الحرة، ويعود ذلك لعدم قدرة جيش الفتح على تأمين رواتب المعلمين، بينما استطاعت وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة تأمين رواتب 2685 معلماُ من منحة قدمتها منظمة كيمونكس وبحسب أحمدو "إن السيطرة على التعليم تحتاج مالاً".

حقائق من جبل الزاوية "عسكرة التعليم"

قبل خروج قوات النظام السوري من جبل الزاوية تحولت المدارس إلى مدارس مختلطة تضم الطلاب وعناصر الجيش، ثم تحولت لنقاط تمركز للجيش ومعتقلات، كما شهدت المدارس عمليات اعتقال للمعلمين من الصفوف وطردِ الطلاب إلى بيوتهم.

في العاشر من شهر آب 2012 بدأت الفصائل المعارضة بفرض سيطرتها على أولى مدن وبلدات ريف إدلب، وبحسب مصدر من جبل الزاوية رفض الكشف عن اسمه؛ أفرغت الفصائل المدارس من الحواسب والطابعات وما سلم من سرقات جيش النظام تحت مسمى غنائم حرب، وتم فصل عدد من المعلمين بشكل تعسفي.

لم تسلم المنطقة من القصف شبه اليومي بالمدفعية والهاون من قبل قوات النظام المتمركزة في وادي الضيف والحامدية، وأدى ذلك لإغلاق المدارس أيام القصف بعد سقوط ضحايا من الطلاب أثناء خروجهم من المدارس.

ومع سيطرة جيش الفتح على كامل محافظة إدلب تم تعيين مشرفيين على المدارس من قبله، تتمثل مهمتهم بحسب المصدر نفسه؛ في إلقاء المواعظ  الدينية على الطلاب وتنبيه الفتيات والمعلمات إلى ضرورة الإلتزام باللباس الشرعي.

ويشير المصدر إلى تعيين جيش الفتح معلمين لتدريس القرآن والفقه دون النظر لكفايتهم العلمية، ما يؤكد كلام مدير الإمتحانات في الحكومة المؤقتة محمد أحمدو عن تنحية خريجي كلية الشريعة السوريين بطلب من الداعم، واتهامهم بالصوفية وتدريس منهاج الإئتلاف "الكافر".

ويضيف "أحمدو" أن  هذه الممارسات أدت لنزوح الكوادر التعليمية حيث بلغ النقص فيها 11 ألف معلمٍ، وكان الحل كما يقول الإعتماد على المتطوعين وطلاب الجامعات.

الرحلة إلى المناطق الحكومية تجارة خاسرة للمدنيين

التنقل بين مناطق المعارضة السورية ومناطق سيطرة النظام مازال قائماً، والسبب وجود موظفين مضطرون لقبض رواتبهم من محافظة حماة؛ وطلاب جامعيين يتابعون دراستهم. ويقول أحد السائقين أن الرحلة تحولت إلى مصدر رزق لحواجز النظام من خلال عمليات السلب التي تقوم بها قوات عناصره، ويروي السائق الذي يعمل على خط تركيا حلب حماه دمشق؛ قصة معلم شاب سلبته الحواجز المنتشرة على الطريق إلى حماة أكثر من نصف راتبه البالغ 50000 ألف ليرة سورية، ويضيف قائلاً :"إن ارتفاع سعر الوقود يلعب دوراً أساسياً في زيادة أجرة الراكب، لكن سياسة السلب والنهب لأموال الركاب والسائقين على حواجز الجيش هي من رفعت أجور الركاب أضعافا مضاعفة ما أدى لقلة السير على هذه الحواجز".

أسعار منافسة بين الحواجز

ينتشر55 حاجزاً للجيش على طول الطريق بين إدلب ومناطق سيطرة الحكومة، ويؤكد أحد السائقين أن الحواجز وضعت تسعيرة خاصة لعبور الحافلات، فعلى سبيل المثال يأخذ حاجز "الرابعة"  الواقع على طريق حماة مبلغا يترواح بين /15000/و/20000/ليرة سورية، في حين ارتفعت تسعيرة حاجز التل من/2000/ إلى /10000/ليرة سورية.

ويضيف المصدر نفسه، أن الشبان يتعرضون للمضايقات وللإعتقال المؤقت، بحجة تخلفهم عن الخدمة الإلزامية، والهدف ابتزازهم لدفع المزيد من المال.

بات السفر بين المدن والبلدات يكلف السوري ثروة نظراً لظروف الحرب التي يعيشها، وبموازاة تعقّد سبل العيش وصلت أجرة السفر إلى حلب 5000 ليرة  سورية بعد أن كانت في السابق 150 ليرة.

أما الرحلة إلى حماه فقد حطمت مقياس دخل المواطن لتصل إلى /4500/ليرة سورية، بعد أن كانت 700ليرة، ويبقى الطريق إلى دمشق الأكثر كلفة بمبلغ 9000 ليرة سورية.

سائقو الحافلات بين الحواجز وخطوط النار ليسوا استثناء في المعاناة، فخياراتهم قليلة للحصول على قطع تبديل لآلياتهم؛ والتي ارتفعت أسعارها مع انخفاض قيمة الحياة في سورية، ويشير صاحب أحد الحافلات إلى أن القطع الجديدة غير متوفرة والمنفذ الوحيد للقطع المستعملة هو سوق حماة ويبلغ، سعر محرك الباص على سبيل المثال 2000000 ليرة سورية بعد أن كان 500000 ألف ليرة.

والمنفذ الآخر تجار القطع الصينية المنشأ في بستان القصر بحلب وتجار القطع المستعملة الأتراك.

رحى الحرب تطحن خبز السوريين

حياة المدنيين في إدلب وريفها باتت رهينة للقوى المسيطرة على الأرض، وما كان سائداً في مرحلة سيطرة أحد أطراف الصراع لا يدوم طويلاً  بسبب التطورات السريعة التي تطرأ على جبهات القتال.

قطاع الخدمات القائم على بنية تحتية مدمرة في إدلب لا يغطي احتياجات المواطنين، وأسلوب معيشتهم تغير تبعاً لنتائج الحرب، وامتدت الأزمات الإقتصادية لتشمل خبزهم اليومي.

أحد الفرانين يتحدث عن الصعوبات التي يعيشها الأهالي لتأمين رغيف الخبز المرتبط بسعر الدولار؛ ولعل أبرزها كما يقول: "انقطاع الخبز عن مدينة كفرنبل لأكثر من 8 أشهر بعد سيطرة المعارضة السورية المسلحة على المدينة في 10 من آب2012، دون إغفال عمليات القصف التي استهدفت الأفران وأوقفتها عن العمل ومثال ذلك "فرن الدولة".

ويضيف المصدر أن أصحاب الأفران عمدوا لشراء القمح من المزارعين بهدف تخزينه وإنتاج الخبز في حال انقطعت مادة الطحين عن المدينة.

الحديث عن استقرار أسعار الخبز أصبح نوعاً من أحاديث الترف في إدلب، وذلك لارتباطه بارتفاع أسعار المحروقات وسعر الدولار ومزاجية الفصائل المقاتلة في فتح الطرق أو قطعها.

كما أن انعدام بنية مؤسساتية خدمية قوية في إدلب وريفها، جعل الأهالي يعتمدون على مصدرين للطحين؛ طحين الإغاثة وطحين المِنح، ومنذ سيطرة الفصائل المقاتلة على إدلب بدأت المنظمات الإغاثية والمؤسسات الخاصة الربحية بالعمل لتأمين مادة الطحين، ومنها مؤسسة التنمية للمشاريع التابعة لسيطرة جيش الفتح وجبهة النصرة، علما أن أسعار خبز طحين الإغاثة تترواح بين 50 و60 ليرة سورية لكل 12 رغيفاً.

ويشير المهندس "حسام مرعي"، مسؤول التطوير في وزارة الإدارة المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة إلى أن أسعار الخبز في إدلب تصل في بعض الأحيان ل200 ليرة، وقد توزع أحياناً أخرى بالمجان نظراً لتعدد الجهات الإدارية، مضيفا أن مؤسسة التنمية للمشاريع التابعة لجيش الفتح تشتري 40 بالمئة من إنتاج محافظة إدلب للقمح وتبيعه طحيناً للأفران ليتم إنتاج الخبز منه في عملية اقتصادية دائرة.

ويذكر مرعي أن الحكومة التركية قدمت 10000 طن من الطحين منحة لمناطق الشمال السوري في الشهر 8 من السنة الماضية 2015؛ كان نصيب إدلب منها 124طن تُسلم على 3 مراحل بالتعاون مع المؤسسة العامة للمطاحن التابعة للمعارضة، وبحسب الدراسة التي أعدتها الوزارة كان من المفروض أن تباع ربطة الخبز ب65 ليرة سورية، ويضاف على الطون الواحد مبلغ 12دولاراً 6 منها للمجلس المحلي و6 دولارات لمجلس المحافظة تصرف أتعاباً إدارية ورواتب للموظفين.

من السلبيات في تنفيذ منحة الطحين التركية بمرحلتها الأولى عدم وجود لجان رقابية تصدر تقارير دقيقة عن تنفيذ المنحة وتضبط آليات التوزيع والسعر والجودة كما يقول "مرعي".

 وصل سعر خبز المنحة التركية إلى 100 ليرة بعد زيادة وزن الربطة لـ 1ك و150غ.

لقراءة الجزء الثاني، أضغط هنا

المقال نتاج تعاون بين خمس منظمات إعلامية سورية  بهدف تسليط الضوء على الحكايات السورية بطريقة عميقة، وهي: حكاية ما انحكت، مؤسسة أريح للصحافة الاستقصائية، راديو روزنة، سيريا ديبلي، مركز توثيق الانتهاكات في سورية.

 المشروع بدعم من مؤسسةIMS ، وستنشر المقالات بصيغة مختصرة باللغة الانكليزية على وكالة  UPI

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد