الهدنة وامتحان المجتمع المدني السوري


01 آذار 2016

محمد ديبو

باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها، يعمل محرّرا في صحيفة العربي الجديد.

حين أطلق النظام  السوري الرصاص على المتظاهرين في بداية الثورة كان يهدف لوأد الثورة وإنهاء أي حراك سلمي، وحين عجز عن ذلك صعد العنف وأطلق الجهاديين وعسكر البلد، بهدف تحويل الثورة إلى حرب، آملا من ذلك أن تتكفل الحرب بفعل دينامياتها الداخلية والخارجية من وأد الحراك السلمي لصالح العسكرة وهو ما نجح فيه جزئيا، حيث تضاءل الحراك المدني كلما ارتفع منسوب العسكرة التي أجبرت قسما كبيرا من النشطاء على التحول من العمل السلمي المدني إلى الشق الإغاثي، وهو ما اعترف فيه النشطاء أنفسهم.

اليوم وقد أعلنت الهدنة بتوافق دولي، فإن البيئات التي كانت مسرح حرب أضحت تتوفر على أمان نسبي، أو من المفترض أن توفر الهدنة ذلك، ما يعني أن المسرح جاهز لعودة النشاط السلمي المدني إلى هذه المناطق باعتبار أنها مناطق معارضة في أغلبها الأعم، وهو ما بدأ يحصل عمليا، حيث خرجت العديد من المظاهرات التي تذكر بأيام الثورة الأولى، بما يعني أن تراجع العنف والعسكرة سيؤدي تدريجيا لتصاعد الحراك السلمي مجددا، الأمر الذي يشكل امتحانا لمؤسسات المجتمع المدني التي تشكلت طيلة عمر الثورة السورية، فهل هي قادرة على إعادة تفعيل الحراك مجددا؟

إن قدرة المجتمع المدني والنشطاء على إعادة تفعيل الحراك، ستصيب النظام وحلفائه بمقتل، لأنها ستبين أن القتل والدمار الذي مورس طيلة شهور طويلة لم يمنع من العودة للشارع، ولأن السلطة ستجد نفسها في المربع الأول للثورة السورية، ولكن هذه المرة بحماية دولية وباعتراف شبه دولي بسلاح الفصائل المتواجدة في تلك المناطق، ألم تطلب بعض المظاهرات سابقا وقف القتل؟ وحماية المدنيين؟ وألم يبرر حمل السلاح بوصفه حماية للمظاهرات فحسب؟ ها نحن اليوم أمام فرصة تحقق كل ذلك، فهل تستغل لصالح إعادة الحراك المدني السلمي؟

ولكن هل يمكن تحقيق ذلك فعلا في بيئات منهكة ومحطمة وجائعة وأهلوها مشردون، ومسيطر عليها من قبل فصائل تحمل السلاح؟ وهل يستطيع المجتمع المدني السوري أن يثبت أنه موجود فعلا على الأرض، وليس فقط في المكاتب ودول الجوار والمشاريع الممولة و...

في تاريخ سورية، منذ تاريخ الوحدة السورية المصرية (1958) وحتى عام 2011 لم يكن هناك مجتمع مدني حقيقي وحي، وكان هناك حراك مدني موزع ومجزأ، إنما دون حاضنة مدنية، وهو ما بدا واضحا في بداية الثورة، حيث الحراك تقدم على مجتمعه المدني الذي تكوّن تدريجيا، وحين بدأت مؤسسات المجتمع المدني السوري تنبت (كالفطر أحيانا) كان الحراك السلمي المدني قد تراجع بفعل عنف النظام وعسكرة الثورة، ما يعني أن طرفي المعادلة (المجتمع المدني والحراك) لم يجتمعا معا في سورية، فسابقا كان لدينا حراك مدني دون حاضنة مدنية وبعد الجنوح للعسكرة أصبح لدينا مجتمع مدني ومؤسسات كثيرة إنما كان الحراك قد تراجع، فهل وصلنا اليوم إلى اللحظة التي يلتئم فيها طرفي المعادلة؟

إننا اليوم، أمام امتحان المجتمع المدني الحقيقي، فإن تمكن من إعادة الحراك وتفعيله فيثبت وجوده، ويؤكد أن تلك المؤسسات التي ولدت وبكثرة تستحق اسمها، وإن لم تتمكن فسنكون أمام "قصور" مجتمع مدني مشيدة في الهواء! ما يستوجب النقد والنقد وإعادة البناء.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد