الثورة تعود من جديد


07 آذار 2016

عمر يوسف سليمان

شاعر وصحفي سوري يقيم في باريس، آخر أعماله، "الموت لا يُغوي السُّكارى"، شعر باريس 2014، "انسَ دمشق"، سرد، بيروت 2015، و"الطفلُ المنسي"، شعر، باريس، 2016.

خمس سنوات مرت على بداية الثورة السورية، شهدنا خلالها كل ما خطر وما لم يخطر ببالنا من عنف، قتل، وخيانات. خمس سنوات والثورة تستيقظ من جديد، وكأن الحرب لم تكن إلا كابوساً، وكأننا قد بدأنا منذ أيام أول مظاهرة في دمشق، حيث الحلم بالحرية والكرامة.

المظاهرات السلمية تملأ المدن السورية اليوم، الشعارات نفسها، والمطالب أيضاً، والشعب كان وما زال "يريد إسقاط النظام"، هذا الهتاف العظيم الذي هز سماء سوريا ما إن أعْلِنت الهدنة في التاسع والعشرين من فبراير 2015، رداً على طائرات كثيراً ما ملأت تلك السماء لتُسقط براميل الموت.

لا نعرف ما مصير هذه الهدنة، إلا أننا أكيدون من شيء واحد، الثورة مستمرة، وما زال ملايين السوريين في الداخل والخارج يعودون إلى الأصل، ما يعني أن المراهنة على رفض الديكتاتور تبقى ناجحة بدايةً لعمل طويل وشاق يهدف إلى إعادة البناء.

في الأيام الأولى من الثورة، كنا نراهن على زوال الديكتاتور قريباً، وكانت نقاشاتنا بعد كل مظاهرة، متى سيرحل بشار الأسد؟، لقد بقي الديكتاتور، لكن الثورة بقيت أيضاً، بل ازدادت توهجاً ووعياً بعد الدروس الكثيرة التي تعلمها الثوار، ومراحل من الفشل في تشكيل تجمعات وطنية تصمد بوجه النظام والإسلاميين، لكن الحرب والتدخلات الخارجية إلا ضربات موجعة، لم تقضِ على الثورة، بل زادتها قوة.

ما ميز المدن المنتفضة خلال الحرب أنه كان لكل منها لون، من دوما التي عمل نشطاؤها بنَفس وصبر طويل، إلى داريا التي تميزت باستراتيجية في الحفاظ على البيئة الحاضنة للمجتمع المدني، حلب التي عانت الأمرين من داعش والنظام، كفرنبل والضمير ومضايا وغيرها، كل مدينة من هذه لها ملحمة في الحرب والموت، واشتهرت بجانب من الدمار أو التجويع والتهجير، لكنها اليوم تعود لتشتهر بهتافاتها ومظاهراتها، ففي جمعة "الثورة مستمرة"، خرجت مظاهرات تردد ذات الهتافات التي ترددت في بدايات الثورة، وبذات الطريقة التي ينهض خلالها المتظاهرون، وكأن سنوات الدمار لم تكن إلا وهماً.

لا شك في أن هذه المظاهرات لم تكن عفوية، بل هي منظمة من قبل تجمعات وتنسيقيات الثورة السورية، هذا لا يضير الثورة بل يرفع شأنها، لأنها أصبحت تعتمد تخطيطاً وتنسيقاً موحداً فقد وصلت نقاط التظاهر إلى 104 نقطة موزعة في كامل أرجاء المدن المنتفضة، وكان من أهم الرسائل التي أراد المتظاهرون إيصالَها رفضهم لتقسيم سوريا، وذلك برفعهم اللافتات التي تؤكد على وحدة سوريا، مع علم الاستقلال في مدن وبلدات دوما وسراقب وإدلب وجرجنار ومعرة النعمان وكفرنبل وجبل الزاوية وأريحا وحمص وغيرها، وإذا قارنَّا هذه المظاهرات مع تلك التي كانت قبل شهر فقط، سنلحظ الفرق سواء من حيث الشعارات أو الأعلام أو عدد المتظاهرين. في السابق كنا نستبشر بخروج مظاهرة واحدة لهدف محدد، نهتم بها كإعلاميين، أما اليوم فنتوقف حائرين أمام هذا الحراك الذي هب كالجمر من رماد الحرب.

ستكشف الأيام القادمة عن معالم مستقبل سورية، فلو انتهت الهدنة سنشهد حرباً أشد ضراوة، ولو استمرت سيزداد الزخم الشعبي حتماً، ليس فقط لإسقاط النظام، بل لإسقاط جميع من عبث بثورة شعب لم يطالب إلا بكرامته.

نحتفل هذه الأيام بالذكرى الخامسة للثورة، في آذار، في الربيع السوري، ليس بداعي التفاؤل ولا الأمل، بل لأننا اخترنا طريقاً ليس لنا سواه، الحرية.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد