جمعة السوريين العظيمة


07 آذار 2016

إذا كان السوريون قد أطلقوا اسم "الجمعة العظيمة" على إحدى الجمع في بداية الثورة، كتحية من الثورة السورية لمسيحي سورية، وردا على ادعاءات النظام بأن "العلويين عالتابوت، والمسيحيين على بيروت"، فإن الجمعة التي صادفت يوم 4/3/2016 تستحق أن تكون "جمعة السوريين العظيمة"، فهي التي جاءت في معانيها مشابهة لمعاني "الجمعة العظيمة" التي قام بها المسيح، فالشعب السوري الذي ظن الجميع أنه أنه اندثر، فاجأ الجميع وخرج من تحت رماد الجدران والبيوت المهدمة، ليقول: ها أنا الشعب باق هنا.

مع بدء سريان الهدنة التي أقرها المجتمع الدولي (29/2/2016) خرجت بعض المظاهرات هنا وهناك، حيث خرجت مظاهرات في مدينة القنيطرة وسراقب وحلب وداريا، لتبدو كشرارة جديدة لم تلبث أن تراكمت حتى ملأت أغلب الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام، حيث سجل النشطاء 104 نقطة تظاهر في سورية كلها في يوم 4/3/2016، مع ملاحظة غياب التظاهرات عن مناطق النظام السوري وداعش (دير الزور) والمناطق الكردية التي يهمين عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، الأمر الذي يعطي فكرة عن الاصطفاف الثوري الجديد من جهة، والتحولات التي جرت داخل أطياف الثورة نفسها من جهة ثانية.

تظاهرات هذا اليوم أعادت الروح للثورة، إلا أنها قدمت عددا من الدروس والملاحظات، وهي:

-عودة روح الثورة السورية من جديد، حيث بدا واضحا أن الروح عادت للحراك السلمي، وهو ما بدا واضحا من اللافتات المرفوعة التي تحيي العودة إلى زمن السلمية، حيث كتب على إحدى اللافتات في بلدة دير العصافير في غوطة دمشق "أبواب الثورة السلمية تفتح من جديد"، ما يؤكد استمرار الثورة والمطالبة بالحرية، ناهيك عن عودة السخرية مجددا إلى بعض اللافتات، حيث كتب على إحدى اللافتات في مدينة الأتارب "هدأ القصف قليلا، فخرجنا لنشكر الله على نعمة المطر.. وإسقاط النظام". وقد انعكس هذا الأمر بشكل واضح على مزاج السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ارتفعت نسبة الأمل والفرح بعد أن كان اليأس واضحا على أغلب ما يكتبه السوريون منذ مدة، فبدا فعلا وكأن السوريين قاموا في جمعتهم العظيمة.

لافتة مرفوعة في مدينة الأتارب خلال مظاهرة بتاريخ 4/3/2016. صفحة: ربى بلال على الفيسبوك
لافتة مرفوعة في مدينة الأتارب خلال مظاهرة بتاريخ 4/3/2016. صفحة: ربى بلال على الفيسبوك

- لم تكن التظاهرات ضد النظام فحسب، بل كانت ردا مباشرا على التنظيمات الإسلامية التي سعت لمصادرة الثورة، حيث كان "علم الثورة" مشتركا بين كل المظاهرات، بعيدا عن أية أعلام سوداء، ما يعني أن السوريين وجهوا رسالة واضحة لمن يهمه الأمر (داخليا ودوليا) بأن جبهة النصرة وداعش وغيرها من التنظيمات الإسلامية لن تتمكن من فرض إراداتها على الشعب. ولكن هذا الأمر لم يلغ الخلاف القائم داخل الثورة حتى اللحظة حول المكون الإسلامي، خاصة العسكري منه، حيث سعت جبهة النصرة لرفع علمها ورفضت العلم الأخضر، في حين نقل أورينت نيوز أن خلافا دب بين اللجنة الأمنية لجيش الفتح في مدينة إدلب والمتظاهرين على خلفية علم الثورة في يوم 7/3/2016، حيث جاء في الخبر: " تعرض المتظاهرون في مدينة إدلب للاعتداء من قبل "اللجنة الأمنية" التابعة لجيش الفتح وبعض الفصائل، حيث قام عناصر اللجنة بالاعتداء على المتظاهرين والإعلاميين إثر خلاف دار بين رئيس اللجنة الأمنية والمتظاهرين حول علم الثور.وطلبت اللجنة الأمنية سحب أعلام الثورة من الناس بحجة "كي لاتكون فتنة"، إلا أن المتظاهرين رفضوا ذلك، فدب الخلاف، وبدأ بعض عناصر اللجنة بالاعتداء على المتظاهرين وتم إزالة الأعلام وتحطيم "كاميرات" الإعلاميين، بالإضافة إلى اعتقال عدد منهم (محمد كركص، حسام هزبر، عبد الناصر هزبر، معاذ الشامي،عمران فيطاز)، دون أي توضيح"، ما يعني أن الطريق القادم سيكون صعبا، وأن التيارات الإسلامية لن تسمح بعودة الحراك السلمي المدني الذي سيجد نفسه بين الاستبداد السلطوي والاستبداد الإسلامي الساعي لوراثة دوره، وعلى النشطاء أن يكونوا متنبهين للأمر، وقد بدأ هذا الأمر فعلا، حيث رفض بعض المتظاهرين الخضوع لإرادة جيش الفتح، وأصروا على الهتاف: "ياحيف والله يا حيف، يلي قاعد على الرصيف".

- بينت هذه المظاهرات أن العنف الوحشي من النظام وحلفائه هو سبب رئيسي من أسباب توقف الحراك السلمي في المدينة، إذ بمجرد توقف القصف عادت المظاهرات.

- للمرة الأولى نجد أن المكون العسكري ( جيش حر) يقف إلى جانب المكون المدني الذي يتصدر الحدث، بل قرأ بعض المراقبين أن العسكري اليوم يحتمي بالمدني، فقد أدرك أن البندقية وحدها لا تفعل شيئا، ما جعل العسكري يدرك أهمية  المدني، وهذا تحوّل هام برأي البعض.

- كان واضحا غياب التظاهرات عن مناطق سيطرة النظام أولا، وعن مناطق سيطرة داعش ثانيا، ومناطق هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي، بل سجلت مدينة القامشلي مسيرة رفعت فيها صور الدكتاتور، في حين أن مدينة دير الزور وريفها لم تسجل أية مظاهرة، ما جعل الكاتب "عبد الناصر العايد"، وهو ابن المدينة، يكتب: "يحزنني أن ديرالزور اليوم مثل القرداحة.. لا مظاهرات ثورية فيها".

انفوغرافيك يوضح نقاط التظاهر في محافظة درعا في يوم 4/3/2016. المصدر: فيسبوك
انفوغرافيك يوضح نقاط التظاهر في محافظة درعا في يوم 4/3/2016. المصدر: فيسبوك

على الصعيد الميداني، بدا يوم الجمعة، وكأنه يوما من أيام الثورة السلمية عام 2011 حقا، فكان هناك تعداد لنقاط التظاهر وتعدد في الشعارات ومتابعة إعلامية ونشاط لصفحات الفيسبوك التي تتسابق لنقل أخبار التظاهرات وإحصائيات وانفوغرافيك لعدد المظاهرات في بعض المدن، فمدينة مثل درعا مثلا سجلت مظاهرات في: نوى، اليادودة، داعل، نصيب، الحراك، الجيزة، بصرى الشام، حيث عادت الأغاني والأهازيج واللافتات الساخرة وكأننا في كرنفال احتفالي ثوري.

إدلب، دوما، سراقب، يبرود، دارة عزة، معر تحرمة,حلب.. مدن وبلدات جديدة، نكتشف أننا نسمع ببعضها للمرة الأولى أيضا، إذ يبدو أن جغرافية سورية تفيض بدل أن تتقزم، تتمدد بمواجهة من يحاولون تقزيمها وتدميرها، فرغم مرور خمس سنوات على الثورة يبدو أننا لم ننته بعد من درس الجغرافية السوري الذي لا زلنا نتعلم منه أسماء قرانا ومدننا وبلداتنا وأحياءنا، وكأن الثورة تجدد نفسها لتؤكد لنا جهلنا بتاريخ بلدنا، ولتقول لنا (ربما) بأننا ندفع ثمن هذا الغياب والجهل عن وطن كنا نحبه بالاسم فقط دون أن نسعى لفهمه ومعرفته، هاهي الثورة تتجدد وتجدد الدعوة للفهم والمعرفة وللتظاهر، والسخرية والمرح والغناء أيضا!

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد