سلمية عطشى


01 شباط 2016

صبر درويش

كاتب وصحفي سوري. يكتب في عدد من الصحف العربية. من آخر أعماله تحرير كتاب "سوريا: تجربة المدن المحررة".

تنضم مدينة سلمية اليوم إلى باقي مدن الثورة السورية، فيجري عليها من حرمان وقهر وتجويع، ما يجري على هذه المدن؛ وكما انضمت المدينة إلى ثورة شعبها في آذار سنة 2011، ها هي اليوم تنضم إلى باقي المدن السورية في سفر الجوع والعطش الذي تفرضه قوات الأسد على المنتفضين من أبناء الشعب السوري.

منذ أكثر من شهر، ترزح المدينة تحت وطأة العطش، سلاح الجبناء في وجه الأحرار، ومنذ أكثر من سنتين، تستباح المدينة وأهلها على يد أزلام الأسد، شبيحة العصر ورموز مرحلته الركيكة. بينما شبانها وشاباتها ممن كان من أوائل الناشطين في المدينة، فقد غاب كثيرهم في المعتقلات، ومن كتب له النجاة، فرّ هارباً من الموت والتنكيل.

واليوم تضاف قضية انقطاع المياه عن المدينة لجملة المآسي التي يعيشها أهالي السلمية المكلومين، تقول إحدى قاطنات المدينة: "خلال أكثر من شهر، لم تصل المياه إلى المدينة، وقبل هذا الشهر، لم تكن، وخلال الأعوام القليلة الماضية، تصل المياه إلى المدينة سوى مرة واحدة في الشهر ولبضعة ساعات فقط". وهي عقوبة جماعية، على ما يقول العديد من الناشطين في المدينة، فسلمية التي ثارت على حكم الأسد، وأخرجت كبرى المظاهرات في صيف عام 2011، تخضع اليوم لانتقام مرير من قبل الأسد وأزلامه من أبناء المنطقة ذاتها.

لا شيء يدعو إلى الحزن أكثر من رؤية مدينة تخبو رويداً رويداً، وتتضاءل فيها مساحة الحياة حتى تكاد أن تنعدم، ولا يقتصر الأمر على فقدان المياه من منازل "أهل الخير"، بل بات من المستحيل على فقراء المدينة شراء صهاريج المياه الصالحة للاستخدام؛ وبحسب أحد أهالي المدينة والذي حرص على عدم ذكر اسمه خوفاً من بطش "حماة الديار"، فإن صهريج الماء سعة عشرة براميل، وصل ثمنه إلى 1600 ليرة سورية، كحد أدنى، وتجاوز هذا الرقم في كثير من الأحيان، وبينما تتمكن بعض الأسر من شراء الماء الصالح فقط للاستخدام المنزلي، فإن الغالبية العظمى من فقراء المدينة، يعجزون عن الإتيان بنصف صهريج، وهو ما دفعهم إلى التفكير بوسائل أخرى للحصول على الماء. بعض الأسر راحت تبحث عن طريقة لتجميع ماء المطر، وفي بعض الأحياء اجتمع الأهالي من أجل حفر آبار في وسط الشوارع، ورغم معرفتهم بتلوث المياه الجوفية داخل المدينة، إلا أنه لا بديل لهم عن هذه المياه.

وكي تكتمل الأمور مع أهالي مدينة سلمية، وتزداد الطينة بلّة، راح ينتشر في المدينة في الأسابيع القليلة الماضية حالات من مرض "أنفلونزا الخنازير"، حيث سجل وقوع عدد من حالات المرض في المدينة، والتي أودت بحياة البعض من المصابين. وبحسب أحد أطباء سلمية، والذي فضل عدم ذكر اسمه، لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد الإصابات، ولا توجد أرقام رسمية لعدد الذين توفوا جراء هذا المرض، إلا أنه من المؤكد وفات لا يقل عن سبعة أشخاص، من ضمنهم الشبان معن وردة، محمد سعيّد، ومحمد عيد، بينما يجري تكتم شديد من قبل مؤسسات الدولة حول حجم انتشار هذا المرض وأسماء ضحاياه، كما يقول الطبيب لحكاية ما انحكت.

من جهة أخرى، أشار ناشطون إلى وفاة نحو 22 شخصاً جراء مرض "أنفلونزا الخنازير" في المدينة خلال الشهرين الماضيين، بينما لا يوجد مصادر رسمية للتأكد من هذه الأرقام. وكانت وسائل إعلام مختلفة أوردت انتشار مرض "أنفلونزا الخنازير" في محافظة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والتي تقع قريبة من مدينة سلمية إلى الشمال منها.

وبحسب أحد أطباء المدينة، لم تستغرق مدة تدهور صحة من أصابهم المرض سوى بضع ساعات، وخلال هذه الفترة القصيرة عانى المصابين من ارتفاع شديد بحرارة أجسامهم متصاحب مع شعور بالوهن، بالإضافة إلى السعال الحاد، وجفاف بالحلق وألم في الصدر. بينما رأى الطبيب أن من أهم أسباب هذا المرض، نقص المياه الصالحة للاستخدام والشرب، ونقص التغذية، والأهم من كل هذا، انتشار الكثير من الجثث التي ما تزال في العراء في الريف القريب من محيط مدينة سلمية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد