"داعش" يَذبح بصمت


02 تشرين الثاني 2015

في نهاية عام 2014، غادر كل من الإعلاميَّين إبراهيم عبد القادر وفارس حمادي مدينتهما "الرقة" بعد أن اشتدت ملاحقة الإعلاميين من قبل تنظيم "داعش"، لا سيما العاملين في حملة "الرقة تُذبح بصمت" ، والتي توثق انتهاكات التنظيم في المدينة ، كان إبراهيم من أكثر الناشطين في هذه الحملة التي بدأت العمل منذ أبريل 2014 على نشر جرائم "داعش" بالصورة والفيديو، وبعد عام من الملاحقة، استطاع التنظيم الإرهابي أن يصل إلى إبراهيم، الذي لجأ إلى مدينة "أورفا" التركية، تبعد 55 كم عن الحدود السورية، حيث داهم الغرفة التي يقيم فيها مع صديقه فارس، وقام بذبحهما ووضع رأسيهما فوق جثتيهما، وذلك مساء الخميس 29/10/2015.
السؤال الذي يراودنا ونحن نقرأ هذه الفاجعة، ما الخطر الذي يمثله هذان الشابان على التنظيم؟، حتى يلاحقهما ويقتلهما بهذه الطريقة؟.

منذ بداية الحراك، يعمل إبراهيم على توثيق جرائم نظام بشار الأسد وتنظيم المظاهرات في مدينة "الرقة"، كما يوضح "أبو محمد" أحد مؤسسي حملة "الرقة تُذبح بصمت" لـ (حكاية ما انحكت)، أما فراس حمادي فإنه ناشط عمل في الحملة بالبداية فقط، وأعضاء الحملة مهددون لأنهم أوجعوا التنظيم بنقل حقيقته إلى العالم عن طريق التدوين والتوثيق، حسبما أضاف أبو محمد.

سبق وأن قام "داعش" بكثير من التهديدات لنشطاء هذه الحملة عبر صفحتهم على فيس بوك، وقد نفذ أحدها باغتياله لـ"معتز بالله" أحد أعضائها في مدينة الرقة، فالخطر الذي يشكله نشطاء هذه الحملة "ستة عشر ناشطاً داخل الرقة وخارجها" على التنظيم بنشرهم لحقيقته يفوق تهديد طائرات التحالف، و"داعش" يتقاطع مع نظام بشار الأسد في أن  الكلمة ترعبه أكثر من السلاح، ولعل تكريم حملة "الرقة تُذبح بصمت" على جهودها التوثيقية في واشنطن بحصولها على جائزة America Abroad Media للصحافة يوم الأربعاء 28/10/2015، أي قبل يوم واحد من هذه الجريمة، كان أحد أسباب تنفيذها، حسبما صرح "إبراهيم الضاهر" صديق إبراهيم وفارس لـ(حكاية ما انحكت).

كان إبراهيم عبد القادر عضواً فعالاً ومؤثراً في الحملة، واستمر بنشر الحقائق على الرغم من تهديده بالمستمر بالتصفية، فقام التنظيم باغتياله مع مصمم الغرافيك فارس حمادي الذي كان يعمل معه في جريدة (عين على الوطن)، وهي جريدة تُعنى بالدراسات والشهادات والتحقيقات الصحفية عن أعمال تنظيم "داعش" عموماً وفي مدينة الرقة بشكل خاص.

من توثيقات صفحة الرقة تذبح بصمت
من توثيقات صفحة الرقة تذبح بصمت

عملية الاغتيال لم تكن عادية، فقد جرى تنفيذها على الأراضي التركية، أي خارج حدود "الدولة"، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه تم التخطيط لها بشكل دقيق منذ أشهر، وأن ثمة عملاء يستخدمهم التنظيم وقتما يريد وحيثما يشاء، فـقد حملت هذه العملية رسالة من داعش لجميع الناشطين: "سنسكت أصواتكم ونقتل كل من يخالفنا في أي مكان، كما حملت رسالة أخرى للحكومات مفادها أننا قادرون على تنفيذ عمليات اغتيال خارج مناطق سيطرتنا، وأننا نملك خلايا جاهزة لتنفيذ هكذا أعمال"، كما قال "الضاهر"، وحتى الآن، لا توجد معلومات رسمية من الحكومة التركية حول عملية البحث عن الفاعلين، أما جثة إبراهيم فقد تم دفنها في مدينة "أقجة" التركية، في حين سُلِّمت جثة فارس إلى ذويه.

هذه الجريمة التي نفذها "داعش" بصمت، علامة جديدة على أن الإعلام الحر سلاح يهز أركانه، فهو مستعد لاتباع كافة الوسائل كي يحافظ على  السور الحديدي الذي أقامه حول "دولته" الإرهابية، والتي تفرض الظلام والصمت على كل شيء.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد