نقد المقدس وحماية الحرية والدستور طريقاً إلى المستقبل السوري


23 آب 2015

مصطفى علوش

كاتب وصحفي سوري

ربما تبدو كلمة "النقد" في قلب اللحظة السورية الدموية الراهنة محل ترف فكري، ولكن الأمر ليس بهذا الشكل إطلاقاً، فالاستبداد المرعب الذي اتسم ومازال يتسم به نظام الأسد والذي أوصل الشعب للثورة عليه، كان على الدوام عدوّ النقد، فالنقد يؤسس على الدوام لتغيير فكري يشكل مناخاً لتغييرات قادمة، فالنقد فكرة أساسية في أي نهوض ثقافي وحضاري وعلمي.

فرغم قسوة التاريخ على الشعب السوري، ولكي نؤسس لسوريا جديدة لا بدّ من نقد الدين، كل دين، نقد يؤسس لتقليد دائم من الحوار. النص القرآني يحمل في طياته كل الأوامر الإلهية التي تجعل مثلاً من "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" يمارس تلك الممارسات البغيضة من قتل وإعدامات وحرق، وآيات النص القرآني هي من جذبت آلاف المقاتلين من شتى بقاع الأرض للقتال في سوريا. بعض آيات النص القرآني هي آيات رحمة وتسامح ومغفرة، وبعضها الآخر تحريض على عقاب وقتل كل من يخالف النص القرآني.

ولأنه لا يوجد إسلام واحد في البلاد الإسلامية، فإسلام أندونيسيا غير إسلام السعودية وغير إسلام إيران، وإسلام أفغانستان غير إسلام مصر حسب ما يجمع عليه العديد من المفكرين، حتى أن إسلام داعش غير إسلام جبهة النصرة.. إذاً، لا إسلاماً واحداً في هذا العالم، إنما طوائف ومذاهب وأكثرية في بلد، هي نفسها أقلية في بلد آخر.من هنا، يجب نقد المذاهب التي تتبع الإسلام، ومن هنا أيضاً.. لايستقيم نقد أهل السنّة مثلاً دون نقد المذهب الإسماعيلي ودلالات ومعنى الإمامة في هذا الزمن، وضمن النقد يأتي الدور الذي لعبته الإدارات الدينية المحلية لهذه الطائفة في سوريا تجاه محيطها الطائفي "أي مع أهل المذهب" وتجاه النظام السياسي أيضاً، ونقد تلك الإدارات التي  تطلق على نفسها مرجعيات دينية تكشف أن الكثير من شخصياتها تحالفت مع النظام بحجة حماية مدنها من "الإرهاب".

و ضمن هذا السياق لابدّ أيضاً من نقد المذهب العلوي وكذلك الأمر بالنسبة للمذهب الدرزي واليزيدي، والمسيحية أيضاً، ومعها اليهودية.

أي، يجب تفكيك البنى النصيّة الحاملة لهذه الأديان وتفكيك قدسيتها ومعرفة الأرجل التي تقف عليها، بدءً من النص وانتهاء بحاملي هذا النصّ من رجال الدين، وصولاً إلى نقد كل المؤسسات الدينية لجميع الطوائف والأديان، علاقة هذه المؤسسات بالسلطة، وعلاقتها بمجتمعها.

وهذا الأمر يقودنا إلى الغاية من هذا النقد، فالتاريخ لا يسمح لنا بالترف، الغاية هي الوصول إلى تأسيس قانوني يحمي كل مكونات المجتمع السوري، تأسيساً يجعل من الدستور القادم لسوريا موضوعا مفصلياً في التاريخ السوري.

فدستور النظام يقول في مادته الثالثة:"دين رئيس الجمهورية الإسلام، وأنّ الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع".

هذه الفقرة لوحدها تؤسس للطائفية لا للعلمانية، تؤسس لبلد مليء بالطوائف لا مليء بالمواطنين، وإذا قرأت الفقرة التالية من هذه المادة وهي "الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية" تعرف أن هذا الدستور بيت مناسب لمحاربة أي فكرة للزواج المدني، فلا يمكن عبر هذه الفقرة مثلاً نقد السلطة الدينية ولا نقد للمرجعيات الدينية عند كل الطوائف، لا بل هنا حماية للمرجعيات الدينية لكافة المذاهب، وسوف يعيد المجتمع إنتاج طوائفه عبر هذا الدستور لا إنتاج مواطنيه.

والدستور القادم لسوريا يجب أن يكون نافياً فكرة "قداسة رئيس الجمهورية" من أساسها، فلا مقدس ولا مطلق في الحياة الإنسانية، ولابدّ من مناقشة كل الأفكار واختبارها والتأسيس لمستقبل سوريا من خلال نص دستوري يحميها ويتوافق مع شرعات الأمم الحديثة. نص يحميها من أن تكون لبناناً آخر أو عراقاً آخر، فالانكليز مثلاً تخلوا عن الملكية وتركوا للملك مكانة رمزية تكفل الدستور بحمايتها، وتحولت بعض التقاليد السياسية إلى قوة قانونية بحكم موافقة الناس عليها. من هنا، لابدّ أن يكون الدستور السوري مشروعاً قانونياً لسوريا الإنسان، مشروعاً لحماية الحرية، فالشعب السوري الذي تظاهر ومازال يتظاهر رافعاً شعار الحرية هو نفسه الذي يجب أن يحمي حريته المطلقة عبر إقرار هذا الدستور.

الحرية ليست نسبية ولا مشروطة بخرافات حزبية أو غير حزبية، ولابفكرة دينية، الحرية فضاء قانوني ثقافي يحمي الجميع من الجميع. وبالاستناد إلى هذا الفهم، على الإعلام القادم أن يكون حراً، وأن يكون الدستور نفسه حامي الإعلام والإعلاميين حتى يتم الإستغناء عن أي قانون يخصّ الإعلام.

الحرية ستسمح للشعب الكردي أن يقرر شكل علاقته بسوريا، فلا يمكن مثلاً أن تتحدث عن الحرية ويتم إغلاق فم قسم من الشعب السوري.

إن ما تقدم يقودنا إلى فكرة العمل، جسر الحضارة الأول ورافعة التنمية، والعمل فكرة تكلست في ظل نظام كان همّه البقاء، والعمل هو ما يجعل التقدم الحقيقي ممكناً، وهو ما يجعل الازدهار حقيقة على الأرض، واحترام العمل وتوفيره مهمة اقتصادية وقانونية وأخلاقية أيضاً.

ومن أهم المفاهيم الواجب نقاشها والتأسيس لها مقولة الحقوق والواجبات، لا سيما أنها تعرضت لتشويه هائل في عهد الاستبداد، فظهر المواطن مطالباً بأداء واجباته أمام نظام مستبد، وبلا حقوق. وإن تحدث بحقوقه ظهر عند السلطة بمظهر الخائن.

لذلك علينا أن نقول أن فكرة الواجب والحق تعني أنهما وجهان لعملة واحدة، فلا واجب للدولة على المواطن دون أن يكون له حق، ولا حق له دون أن يقدم واجبه الطبيعي.

وهناك فكرة التطوع، والعمل الطوعي، وهذه أيضاً يجب التأسيس لها من خلال تقاليد اجتماعية جديدة تحترم العمل الطوعي وتشارك فيه وتحثّ الجميع على المشاركة به، التطوع باعتباره قيمة أخلاقية يجعل الناس تخدم الناس مستندة إلى القواعد الأخلاقية، لا القواعد المادية.

لكن ماذا عن الفصائل العسكرية المعارضة ذات الوجه الإسلامي وهي حتى اللحظة تقاتل النظام، ومعظمها يقول أن الشريعة الإسلامية هي ما يجب أن يسود في  نظام الحكم !

 والسؤال: كيف ستتعامل تلك الفصائل مع قوى المجتمع المدني؟

أزعم أنه لا جواب لديّ الآن، ونرى أن سوريا بلا علمانية تحميها ستكون موضوعاً وساحة لحروب أهلية لن تنتهي.

من هنا نرى أهمية التوصيات التالية كبداية:

ـ البدء بتشكيل مؤتمرات فكرية سورية، مهمتها نقد المقدس السماوي والأرضي.

ـ دعم قوى المجتمع المدني، ومن ضمنهم رجال الدين المتنورين المؤمنين بالعلمانية كأسلوب حكم وبأن أي دين هو قناعات روحية وأخلاقية، وبضرورة فصل الدين عن السياسة.

ـ العمل على تشكيل قناة فضائية إعلامية سورية جديدة، مهمتها متابعة كل شؤون سوريا، ولتكون قاعدة إعلامية حرة لسوريا الجديدة.

ـ التواصل مع الكفاءات والخبرات الثقافية والفكرية والعلمية السورية لتكون رافداً لسوريا الجديدة لمعرفة وجهات نظرهم تجاه أي معضلة سورية.

ـ فكرة الحرية لابدّ من حمايتها في كل زمن من خلال أي نشاط ثقافي أو فكري أو إعلامي، فالحرية والإنسان الحرّ أساس أي حضارة سورية قادمة.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد