البيئة الحاضنة للنظام تطالب بإعدام القاتل!


09 آب 2015

-"حان الوقت الذي سينتفض فيه الشعب ضد مؤامرة الفاسدين من الداخل وتسقط شخصنه الرئيس الأسد".

-(الدولة، شو هيِّ الدولة؟

لا تخلّينا نحكي كتير!

الدولة انقطعو مصارينا

ما بين داعش وسليمان).

- هادا ظلم ما بعدو ظلم والإعدام أقل عقوبة بحق هال.........؟

-قتل وسرقه وتشبيح من زمان ومحدا دقرو هه عم نحلم نحن قال إعدام إزا ما بيعدموا قرايبو ( الأسد) يروح أحسنلو.

-من ورا هيك تصرفات وصلت لبلد لهون تعيشو وتاكلو غيرها.

للوهلة الأولى تبدو المقاطع السابقة، وكأنها  لمعارضين لنظام الدكتاتورية، لأنها غاضبة وحادة وتتحدث عن الظلم والفساد والسلطة الفاسدة.

 إلا أنها ليست كذلك بل هي لمؤيدين لنظام الدكتاتور أطلقوها بعد أن أقدم ابن ابن عم الرئيس السوري "سليمان الأسد" يوم 6/8/2015 على قتل ضابط سوري على خلفية إشكال مروري في مدينة اللاذقية، حيث لحق القاتل بسيارة القتيل "وأجبره على التوقف عند دوار الأزهري في اللاذقية، وبعد مشادة كلامية بينهما أخرج سليمان بندقيته الآلية وفتح النار على العقيد الشيخ ليرديه قتيلاً في سيارته وأمام امرأته وأبنائه، ثم ركب سيارته وغادر المنطقة وكأن شيئاً لم يكن" كما نقلت صفحات الفيسبوك وبعض الصحف، الأمر الذي دفع سكان المدينة لتنظيم تجمعات سريعة طالبت بإعدام القاتل، مترافقة مع موجة غضب عمّت اللاذقية وريفها، لأنه سبق للجاني أن أوقف في عام 2013 "بسبب سلوكه الإجرامي والعدواني ولجوئه لاستخدام السلاح والقتل بشكل مباشر"، ليطلق سراحه في السابع عشر من تشرين الأول عام 2013  ويعود إلى سابق عهده وكأن شيئا لم يكن، مما ضاعف من الغبن الذي شعر به الأهالي إذ اكتشفوا بطريقة أو بأخرى أن النظام لا يكترث لأرواحهم، حيث قال "ريبال الورد": "مارح يصير شي ورح نذكر بعض. إلو أكتر من خمس سنين فلتان متل الحمار وماحدا ربطووو".

العلم السوري مكتوب عليه عبارات تدعو للاقتصاص من القاتل. المصدر: صفحات الفيسبوك
العلم السوري مكتوب عليه عبارات تدعو للاقتصاص من القاتل. المصدر: صفحة كلنا الشهيد حسان الشيخ

بل أكثر من ذلك، ترافق ذلك مع أبيات شعرية ويافطات ولوحات ومطالبات وعرائض تحريضية تطالب بإعدام القاتل، وصفحات على الفيسبوك حمل بعضها اسم "كلنا العقيد الشهيد حسان الشيخ" و "نعم لإعدام سليمان"، ليثمر الأمر بخروج مظاهرة في دوار حي الزراعة في اللاذقية بعد يومين من الحادثة (مساء 8/8،2015)، صرخ فيها الموالون "الشعب يريد إعدام سليمان"، ولتبدأ صفحات الموالين تنقل صور المظاهرة مرفقة بعبارة "الزراعة الآن" أو "مظاهرة في حي الزراعة تطالب بإعدام القاتل"، مع ملاحظة أن أغلب الصور مموهة الوجوه والبعض كتب لزملائه "ترجعوا بخير يا رفيق"، وكأنهم يتوقعون عنف السلطة ضدهم! الأمر الذي ذكر البعض بأم الثورة الأولى حين كان المعارضون يفعلون الشيء ذاته، بل بدأ المعارضون يسخرون من الأمر إذ كتبت "لينا محمد": " مجسمات القابون أحلى من مجسمات اللادقية. يعني الواحد يحكي ضميرو..وطالما صار في مجسمات باللاذقية.. فأكيد انتظروا التفجير التالي.. وظهور مميز للشبيح متعدد المواهب"، في تذكير لتكذيبات النظام عن تظاهرات المعارضة والقيام بتفجيرات لمنع التظاهر، في حين كتب "حسام القطلبي" ساخرا أن "أهل الضابط حسان الشيخ وأقرباؤه وجيرانه ورهط من أهل بسنادا، مقيدة أيديهم إلى الخلف وتفترش أجسادهم دوار الأزهري. مجموعة من مسلحين يقفزون على الأجساد المستسلمة بفرح غامر: بدكين أمان واستقرار؟ هاد هو الأمان والاستقرار اللي بدكين ياه؟"، في محاولة لتذكير الجميع بكيفية تعاطي الأمن مع مظاهرة قرية البيضا في بانياس حين دعس رجال الأمن على أجساد المتظاهرين، في حين اختار الشاعر "لقمان ديركي" أن يذكر بما كان يقوله النظام ومؤيدوه عن المتظاهرين في بداية الثورة، حين قال: "قول لبندر يبعتلهم شاورما ملفوفة بخمسمية ليرة يا حمود. بخمسة آلاف.. ألله يرحم أيام الخمسمية يا عمي". وقالت "لبنى زاعور" وهي إحدى عرائس الحرية: "مشتهية اتحول لشبيحة بس شي نص ساعة، وروح شبح على "متظاهرين اللادقية" وقلهن :هي الحرية إلي بدكين ياها يا ارهابين خربتوا البلد. واحمل عصاية وانزل فيهن قتل وسفق ‏. خليهن يعرفوا انو الثورة حق".

صورة من المظاهرة في حي الزراعة في اللاذقية. المصدر: صفحة الفنانة لويز عبد الكريم
صورة من المظاهرة في حي الزراعة في اللاذقية. المصدر: صفحة الفنانة لويز عبد الكريم

النظام يستفز بيئته الحاضنة!

لم يكن الحادث وحده ما استفز الأهالي وراكم غضبهم الذي فرّغوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل ثمة عدة عوامل ضاعفت هذا الغضب وراكمته، وجعلته يظهر بمثل تلك الحدة، وهي:

(1): كون الضحية "عقيدا" في الجيش السوري ويمتلك كفاءات كثيرة، جعلت الأهالي في غضب، لأن أغلب أبنائهم في الجيش الذي يدافع عن الوطن وفق ما يقولون في حين يعتبرهم المعارضون مدافعون عن الأسد، وهو ما عبرت عنه "سنا زهرا" حين قالت: "كفاءة العقيد وقدراتة ينحرم منها البلد على يد واحد جحش هادا ظلم ما بعدو ظلم والإعدام أقل عقوبة بحق هال.........؟"، في حين جاء في مقطع من قصيدة زجلية تم تناقلها على الفيسيبوك: "ضابط عم يحمي شعبو/ قتلو بسلاحو الـ سحبو/ والشارع كلّو مليان./ وين صار الضابط مسكين؟/ صار بدار المرتاحين/ مين رح ياخدلو حقّو؟/ اللي مصدّق عقلو خربان".

صورة من تشييع العقيد حسان الشيخ. المصدر: صفحة كلنا الشهيد حسان الشيخ على الفيسبوك
صورة من تشييع العقيد حسان الشيخ. المصدر: صفحة كلنا الشهيد حسان الشيخ على الفيسبوك

وقد عبر الكاتب المعارض راتب شعبو عن الأمر بالقول: "وحدث في نفس الحدث أن كان السائق المغدور ضابطًا مهندسًاً في الدفاع الجوي برتبة عقيد، أي إنه في نظر المواليين الذين جعلوا من البوط العسكري أيقونة، شخص يحتذي أيقونة. ولكن كما هو معروف في عرف المزارع عمومًا، فإنه لا يتاح للمرء أمام "غضب الأشبال" أو "تعكر مزاجهم" أن يدافع عن أيقوناته أو عمن يحتذيها. لا قيمة لأيقونة لا يمتلك مؤيقنها حريته ومن البديهي أن تكون أيقونات مبخوسي القيمة مبخوسة القيمة مثلهم".

(2): عدم إطلاق اسم الشهيد على الضحية، حيث تداول السوريون صورة النعوة وهي خالية من لقب "الشهيد" حيث كتبت صفحة "سوريا فساد في زمن الإصلاح": "حتى لقب الشهيد انحرم منو #العقيدحسان_الشيخ"، لتعلّق "إيمان شبانة": "لك إي إي ومنيح ماجردوه من رتبتو كمان ويمكن يطلع خاين بعد كم يوم" في غمز من إجراءات السلطة التي تطلق لقب خائن على كل من يعارضها الرأي، في حين كتبت "سارة سوشي": "الله يرحمو هاد بيستحق لقب البطل الشهيد اكتر من "غيرو" بمليون مرة اذا فهمتو عمين قصدي". وأغلب الظن أنها تقصد أب القاتل "هلال الأسد" الذي أطلق عليه لقب شهيد وسط لغط أحاط عملية مقتله، حيث قالت السلطة أنه قتل على يد المعارضة في معارك ريف اللاذقية في حين قالت المعارضة أنه قتل في مكتبه بأمر صادر من السلطة.

نعوات تظهر عدم إطلاق اسم الشهيد على العميد. المصدر: صفحة فساد في زمن الإصلاح على الفيسبوك
نعوات تظهر عدم إطلاق اسم الشهيد على العميد. المصدر: صفحة فساد في زمن الإصلاح على الفيسبوك

(3): نقلت شبكة أخبار اللاذقية عن محافظ المدينة قوله: "ﻭﺟﻬﻨﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺮﺗﻜﺐ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺱ ﺣﺴﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﺦ، ﻭإﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻗﺼﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﻭﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ ﻟﻴﻨﺎﻝ ﺟﺰﺍﺀﻩ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﺳﻤﻪ ﺃﻭ ﻛﻨﻴﺘﻪ ﺃﻭ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ، ﻷﻥّ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻭﺃﻱ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﺧﻼﻑ ﺫﻟﻚ ﻻﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺗﻮﺟﻴﻬﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ"، الأمر الذي صعّد غضب الناس على اعتبار أن القاتل معروف، وهو ما جعل الناس تشك بأن كلامه مقدمة لتبرئة القاتل، خاصة أن وسائل الإعلام الرسمية استعملت نفس اللغة التي استعملها المحافظ مستخدمة عبارة "إشكال مروري"، وهو ما رد عليه الموالين بالسخرية والتصعيد، إذ قال "أيهم منير دلا": "روحوا بيضوا عناس غيرنا. متسلقي الأكتاف. مر تحت هالباط مليون واحد من هالشكيله"، في حين قالت "فاتن بزرة": "لهلأ ما مسكوه عميستنوه ليهرب". وقالت "عفراء حيدر": "تحقيق؟ جريمة صارت ع الملأ ولسا بدها تحقيق.. أجل هذا القانون السوري، التحقيق جاري أثناء استجمام سليمان في شرم الشيخ.. وآخر شي بتطلع ضد شي مجهول مغوار بيشبهو".

تحليل خطاب الموالين:

الملفت في الأمر أن التدقيق في غضب الخطاب الموالي، وما بين سطوره يبين أن الفئة التي تقف خلف الأسد حتى اللحظة، تدرك كل الفساد والسرقة والتشبيح وضعف الدولة وتجاوزات الأمن التي جعلت أحدهم يشبه ما حصل في اللاذقية بما حصل في درعا، إذ قال "سامر الأسد": "تذكروا معي أول الأحداث بدرعا مين السبب فيها واحد متل هل المجرم وبدل مايتحاسب وينعدم ترقى بمنصبه وميه حادثه صايره متل هدول وماكان في محاسبه"، في حين قالت وفا الشيخ: "للأسف ما في قانون ومحاسبة لهيك مجرمين". وقال "طلال سليم": "لا لن يحاسب ياصديقي لأننا نعرف هؤلاء من هم وكيف يعملون....هم من زودوا داعش بكل شيء وهم من باعوا هذا الوطن"، في حين قال "مصعب الدياب": "بلد بيقطع الاتصالات بوقت امتحان البكالوريا ما بدو رصاصة الرحمة، لأنو بلد ميت مش قادر يفرض الأمن بمناطق سيطرتو عداك عن المناطق خارج سيطرتو"، الأمر الذي يبين أن الموالين في العمق مدركين لكل أعطاب دولتهم وسلطتهم، ما يطلق سؤالا قد يحتاج لعلماء نفس ليجيبوا عنه أكثر مما يحتاج لمحللين سياسيين: لماذا لا ينتفضون ضد هذا النظام إذا كانوا يدركون كل هذه الفواحش التي ترتكب؟

ثمة قناعة سائدة هنا، بأن رأس النظام بريء مما يحصل، حيث يطال غضبهم كل شيء إلا "ذات" الرئيس الذي يطالبوه بإنزال القصاص بالقاتل رغم أنه هو من أطلق سراحه أول مرة، حيث قال "علي عبد الله": "داعشي من بيت الأسد. أين أنت سيادة الرئيس هؤﻻء يضربون بسيفك الشعب المسكين المدافع عن البلد. لما ﻻيذهب إلى الجبهات أنه هناك طرطور حقو فرنك"، في حين بقي النقد تحت سقف الرئيس، حيث قال "سامر الأسد": "الشعب ما قام على بشار الأسد قام ضد هيك أفعال لم تعد تحتمل ولما شاف ما في محاسبه"، في حين قال "خالد عزم": "الشرفاء من بيت الأسد هنن ولاد القائد الخالد وبس".

وقد وصف الكاتب المعارض والسجين السياسي السابق لمدة ستة عشر عاما "راتب شعبو" هذا التناقض بدقة حين قال في مقال له: " الصفحة الموالية التي يتابعها عشرات الآلاف، تتكلم عن "فلتان أمني" وعن "قانون غاب" يسود الساحل. وتكشف مئات التعليقات مدى الغيظ الذي يعتمل قلوب الناس في اللاذقية، حيث يطالب الكثيرون بإعدام "بطل الفيلم" في مكان الجريمة. لكن ضباط الأمن ومحافظ اللاذقية - الذي لم ينس أن يؤكد في لقائه مع إذاعة "شام إف إم" أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته - وأصحاب الشأن في اللاذقية، لهم خبرة بفورة غضب الناس المواليين، ويعرفون أن كل شيء سيسير على سابق عهده"، معتبرا أن "جريمة "الشبل" هذه ليست جريمته بل جريمة النظام الذي يحميه ويُسَلِحه، رغم سوابقه العديدة التي تذكر ببطولات ابن عمه "فواز الأسد" حين كان في مثل سنه، "فالدهر كالدهر والأيام واحدة، والناس كالناس والدنيا لمن غلبا". وهذا من ضمن مؤشرات كثيرة تقول إن هذا النظام لا يتغير بل يتحطم، وإن تحطم فعلى رؤوس السوريين، مثل لعنة تعاقد عليها مجمع آلهة نافذ"،

المعارضة تشمت وتسخر:

المعارضة بدورها تفاوت موقفها بين الرثاء على حال الموالين والسخرية والشماتة، حيث قال الممثل القدير "فارس الحلو": "فايرين على سليمان الأسد؟ يا كذابين .. حتى بيت الأسد بيعرفوكم كذابين، وتسكيتكم معروف. صاروخ عالمدينة من الجماعات الإرهابية يخليكم تخرسوا وتسدوا نيعكم. مابدكم تعرفوا مين قتل أبوه بمكتبه؟ ولا طناش؟ مابيهمكم تعرفوا مين فجر خلية الأزمة؟ مابدكم تعرفوا مين قتل زلمه وغدر فيهم؟ إذا مابدكم تعرفوا شي، اخرسوا، وبلا هالحركات"، وهو ما حصل فعلا حيث كتبت صفحة "أخبار اللاذقية وريف اللاذقية" على الفيسبوك الخبر التالي: "عاجل....أنباء عن سقوط صاروخ في مدينة اللاذقية" ( وهو أمر سنتوقف عنه في بعد قليل).

وهذا قد كتب الإعلامي "علي دياب": "هذا و تدعوا الصفحات المؤيدة "الوطنية" أهالي اللاذقية إلى النزول إلى الساحات ...فحظاً أوفر في المرات القادمة و هبّوااااااا"، في حين قال "صالح ملحم": "أكثر ما يدهشني أن المواليين مندهشين ومستغربين ومستنكرين فعلته وكأنها أول مرة. إنو عنجد مندهشين! انو مستنكريين!! إنو هاد التفاجأ من موجة الحر. إنو مشوبيين. له يا شباب و يا صبايا الله يسامحكون حارتنا ديقة ومنعرف بعض. وانتو اكتر ناس بتعرفو انو مارح حدا يحكيه حرف وراس مالها بيغيب عن الساحة كم شهر وبيرجع بجريمة جديدة".

هل تتفكك الحاضنة الشعبية للنظام؟!

قسم آخر من المعارضين رأى في الحدث بداية تفكك الحاضنة الشعبية للنظام، لأن الموالين الذين يدفعون الثمن الأكبر من بقاء بشار في العرش سيكتشفون أن "الأسد" لا يعنيه شيء إلا بقاؤه في السلطة ولو على جماجمهم، حيث اعتبر "غياث نعيسة" أنها "بداية النهاية لآل الأسد المجرمين"، معتبرا أن "هنالك أحداث تبدو عابرة، ولكنها تعبر عن منعطفات وتغييرات عميقة حصلت وتنتظر لحظة ظهورها. عملية قتل الضابط العقيد حسان الشيخ .. تشكل منعطفا هاما. لقد زال وهم عند وسط هام من السوريين الذين كانوا يعتقدوا أن مصيرهم مرتهن ، على الأقل في هذه المرحلة، ببقاء العصابة الأسدية الحاكمة، وأكد لهم أن سوء حياتهم سابقا واليوم ، وممارسات آلِ الأسد البارحة واليوم، هي المسؤولة عن الخراب العام الذي يعم حياة السوريين جميعا، وهم من أوائل ضحايا الطغمة الحاكمة. لقد تقلصت الحاضنة الاجتماعية لعصابة آلِ الأسد إلى حدودها العائلية الدنيا. أصبحت قشرة بصلة ، إنها اليوم منبوذة من عموم الشعب السوري. فلتلمس، هذه الطغمة الفاسدة والمجرمة، على رأسها. فالحساب الأخير أصبح قريبا".

من جهة أخرى، رأى الشاعر "طلال بوخضر" أن الشتائم التي ينهال بها المؤيدون على "سليمان" تعبر عن رغبة مكبوتة بشتم الدكتاتور، إذ قال: "كُل تلك الشتائم، التي يُطلقها الآن، نادي عُشّاق فريق الجيش، في وجه الطفل المعجزة الثاني، الأستاذ سليمان، ابن هلال البار، تُشعِرُني، و كأنّ بِها، عندهم، رغبةً قويّة، "مكبوتة"، في شتم الطفل المعجزة الأول، حبيب الملايين...لا تحزن، أستاذ سليمان، لا تغضب أرجوك، نصفُ الشتائم ليست لك، لهُ، إغلاق صفحتك لن يُغيّر هذا العالَم القاسي، لكنّك الآن: "خروفٌ ضال، وصغير، جدّاً، حشرة تقريباً".

أما المفكر "أحمد نسيم برقاوي" فرأى أن "مظاهرة اللاذقية هي الثمرة الطبيعية للثورة السورية في الساحات حتى لو لم يكن شعاراتها كلية، التظاهر بحد ذاته بوصفه احتجاجاً على السلطة الحاكمة أمر إيجابي. إنها المرة الأولى التي تخرج فيها الحاضنة الشعبية للنظام من طقس المسيرة إلى طقس المظاهرة".

نموذج مكثف عن آلية عمل الدولة الأمنية:

الحدث رغم أنه يحدث للمرة الألف في دولة الأسد، يعتبر تكثيفا ملخصا لآلية عمل الدولة الأمنية في تخريب المؤسسات وتفريغها من محتواها، والتلاعب بعقول المؤيدين قبل المعارضين، وبث الأخبار الكاذبة، والقيام بإطلاق صواريخ على المدينة وافتعال أحداث "أكبر" كي ينسى الناس "الحدث الأصغر"، حيث بين الحدث بوضوح عددا من آليات عمل السلطة الخبيثة، وهي:

  • (1): إخصاء المؤسسات وعلى رأسها القضاء:

كان أول ما فعله نظام البعث حين وصل السلطة أن بدأ عملية تبعيث الدولة ومؤسساتها لتتحوّل لاحقا إلى مجرد مؤسسات محكومة أمنيا بامتياز بعد أن أصبح الحزب نفسه مجرد غطاء للسلطة بعد أحداث الثمانيات. وقد بدا هذا الأمر بوضوح في مؤسسة القضاء التي أصبحت إلعوبة بيد الأمن، وهو أمر يعرفه الموالين قبل المعارضين، وتعليقاتهم خير دليل، حيث قال أحدهم أن هناك "محاولة لفلفة القضية، والإتيان بشخص آخر يعترف على نفسه بأنه هو الفاعل الشخص الذي سوف يكذب لينقذ سيده سليمان موجود الآن عند الشرطة العسكرية".

سواء كان هذا الكلام صحيحا أم خاطئا، فهو يعكس نظرة الموالين لمؤسسة القضاء، حيث يعرفون ويتوقعون أي شيء منها، فهي لم تكن يوما بابا للعدالة بقدر ما كانت بابا للسلطة والنصب والفساد والارتزاق، وهو ما تشي به تعليقات الموالين بوضوح، حيث قال "ماهر سليمان": "شو شو ما سمعت القانون...... وأقصى سرعة دير بالك بخالفك شرطي المرور سرعة زائدة"، في حين قالت "رؤى الأسد": "ضد مجهول الله وكيلكن .بسوريا كلى ماعنا عدل كيف بقا بلادقيه يلي خلقه الله خارج القانون".

(2): أنباء كاذبة وإشاعات لتغييب الحقيقة:

بعد الحادث مباشرة فوجئ السوريون باعتذار على وسائل التواصل الاجتماعي منسوب لأم القاتل "فاطمة مسعود الأسد" تتبرأ فيه من ابنها الذي "فاحت رائحته" كرائحة الدم "التي أصبحت في اللاذقية أقوى من رائحة البحر"، مطالبة بأن يمثل أمام القضاء لينال عقابه، ومقدمة التعزية لأهل الضحية، ونفس الأمر بالنسبة لأخته أيضا.

منشور تم تداوله على الفيسبوك منسوب لأم سليمان الأسد. المصدر: صفحات الفيسبوك
منشور تم تداوله على الفيسبوك منسوب لأم سليمان الأسد. المصدر: صفحات الفيسبوك

إلا أن تدقيق موقع "العربية نت" بالأمر قاد إلى أن التبرؤ مفبرك، حيث قالت: "لكن بعد أن قام موقع العربية.نت بالاطلاع على نص التبرؤ، قام بجولة في الصفحة الرسمية للسيدة فاطمة مسعود الأسد، أم القاتل وزوجة هلال الأسد، فلم يجد فيه أي نص للتبرؤ المزعوم، بل كان آخر تحديث قامت به السيدة فاطمة منذ حوالي 9 ساعات، حيث رفعت صورة جديدة لهلال، زوجها، بالزي العسكري. مما يعني أن "التبرؤ" ذاك، إما أنه مفبرك من قبل جهات في الدولة لامتصاص النقمة، خصوصاً أن ناشري التبرؤ هم من قلب المؤسسة الأمنية للنظام، أو أن التبرؤ السالف تم حذفه، نزولاً عند نصيحة البعض الأسدي أو غير الأسدي. لكن في النهاية، موقع العربية.نت لم يعثر على أي نص تتبرأ فيه الأم من ابنها القاتل"، الأمر الذي يلقي الضوء على جزء من آليات عمل المؤسسة الأمنية في كيفية بث أخبار معينة لامتصاص غضب الناس ومن ثم سحبها أو دفع الناس لسحب أخبار معينة، وهو أمر حصل طيلة حكم الأسد الذي جعل من الإعلام أداة من أدوات سيطرته الغامضة. ولهذا أقدم بداية الثورة على تأسيس العديد من الصفحات التي تدار من قبل الأجهزة الأمنية مباشرة لنشر الأخبار وترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتقد الكثير من المحللين أن الفيديوهات التي تنتشر بين الحين والآخر لجنوده وهم يعذبون ضحاياهم مسربة عمدا لهدفين: بث ونشر الخوف على أوسع نطاق ممكن على اعتبار أن كل من يرى هذا التعذيب الوحشي سيخاف أن يحصل له، ولرفع منسوب الطائفية والحرب الأهلية لأن أذهان الناس مبرمجة على أن النظام علوي والضحايا سنة، خاصة أن صوت الجلادين ولغتهم تحسب لطائفة معينة في أغلب الأحيان.

منشور تم تداوله على الفيسبوك منسوب لاخت سليمان الأسد. المصدر: صفحات الفيسبوك
منشور تم تداوله على الفيسبوك منسوب لاخت سليمان الأسد. المصدر: صفحات الفيسبوك

(3): جريمة أكبر لإخفاء جريمة أصغر:

طالما كانت أحد أساليب النظام في ضبط مجتمعه خلفه تتمثل بتخويفه من عدو أكبر أو خطر أكبر، إذ كانت إسرائيل والإخوان المسلمين يفيان بالأمر في زمن "مملكة الصمت" في حين بدا التخويف من داعش والإرهاب وخراب الدولة هو البعبع الذي يستخدمه النظام اليوم لإخافة مؤيديه وشدهم نحو الالتصاق به، حيث سقط صاروخ على مدينة اللاذقية بعد يوم من الحادثة، وهو ما رأى فيه الموالين والمعارضين على السواء محاولة مكشوفة من النظام لإخافتهم، حيث كتب "عصام خوري": "كي ينسى الناس في مدينة اللاذقية قصة سليمان هلال الأسد وجريمته الواضحة. يسقط قبل دقائق صاروخ داخل المدينة. نعم هذا هو أسلوبهم الأمني المعتاد. اعمل جريمة، ثم ابتكر جريمة أضخم كي ينسى الناس الجريمة الأولى، والحجة سهلة "الجماعات المسلحة" ومن يكذب الخبر خائن. بس على مين صارت قصصكم مكشوفة" في حين رد "غياث نعيسة" بالقول: "إطلاق صواريخ غير معروف مصدرها، بتسمح للنظام أن يقول أنه غير مسؤول عنها والنَّاس قد تصدقه. لا، الأهم ، برأيي، هو حادثة قتل ضابط رفيع المستوى على يد مجرم من آل الأسد على مرأى من الناس، وبما استهتار. هذا حدث هام وله تأثير بوعي الناس ووجدانها. وأنا هنا أتحدث عن وسط يمكن تسميته "موالي"، ليرد عصام بالقول: "هذا النظام متمرس في تقليب الأهواء غياث، إنه يلعب على المشاعر، عند مقتل هلال جال ابنه هلال في شوارع المدينة ليرهبها وأطلق الرصاص، وبعدها بساعات أطلق صاروخ نزل في قلب المدينة وقتل أبرياء، وقالوا حينها مصدر الصاروخ قرى "غمام"... اليوم يتكرر الأمر ذاته. هؤلاء المجرمين متمرسين بإرهاب الناس وواجبنا أن ننبه وننبه، والناس ذكية وباتت تفهم كل شيء".

ولعل إطلاق الموالين صفة "الداعشي" على القاتل سليمان ابن هلال الأسد اتهام مبطن إلى العائلة التي تنتج دواعش على طريقتها، ورسالة للنظام بأنهم يعرفون اللعبة وأن داعش موجودة في القمع والفساد والسرقة وفي عائلة الأسد أيضا!

بين الماضي والحاضر:

ظاهرة "سليمان الأسد" ليست وليدة اليوم، فهي نتاج نظام عائلي قاتل، فهذا الشبل ابن سلالة طالما أمعنت في قتل الناس وابتزازهم، ففي ثمانيات وتسعينات القرن الماضي كان هناك  "جميل الأسد و"رفعت الأسد" و "شيخ الجبل" و"فواز الأسد"، وهاهي السلالة تتابع إجرامها فتكا وقتلا لأن أصل الداء لم يبتر، ألا وهو الاستبداد، فهل يدرك الموالون ذلك أم أنهم سيقبون تحت "سقف الأسد"!

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد