سلامة كيلة: العلوية السياسية خزعبلة وليس مصطلحاً سياسياً


10 حزيران 2015

ما يلفت النظر في تجربة المفكر الماركسي سلامة كيلة، أمران اثنان، أولهما ذلك الربط بين النظرية والممارسة، الفكر والعمل، بين المقال/ الكتاب/ البحث المواجه للسلطة، والانخراط الفعلي في ساحات التظاهر والثورة، مدققا نصه على ضوء تحولات الواقع وقارئا الواقع على ضوء نص لا يركن ليقين إلا ليشكك به بحثا عن نص أكثر ثورية وأكثر جذرية و أكثر توحدا بالحرية التي دفع ثمنها سنينا من عمره في زنازين النظام في العقد الماضي، مضافا لها أشهرا أخرى في ظل الثورة السورية حيث انتشرت صوره التي تظهر ما تعرض له من تعذيب على وسائل الإعلام، رافعا بذلك سقف المواجهة مع الجلاد حتى النهاية.

ثانيهما: هو ذلك الإصرار العنيد على التمسك بالماركسية كمنهج لتفسير العالم وتحليله وبالتالي تغييره، في الوقت الذي يتبرأ فيه الماركسيون من ماركسيتهم وتاريخهم، إذ لا زال يرى أنها راهنة بقدر ما نعمل على تجديدها لإخراجها من صنميتها الدينية نحو رحابة النقد والمعرفة.

كان تركيزنا في هذا الحوار مع المفكر النشيط على مسألة الطائفية وعلاقتها مع الدولة والسلطة والمجتمع، محاولين قراءة المسألة الطائفية في سوريا من كافة جوانبها، بدءا من دور السلطة في تعزيزها وليس انتهاءا بكيفية تفاعل المجتمع معها، مرورا بمناقشة مصطلحات باتت تطفو على ساحة الفكر مثل "العلوية السياسية" و الدولة الطائفية والدينية وغيرها.

أجرى الحوار: أنريكو دي انجيليس ومحمد ديبو

(1): قبل أن ندخل في هذا الحوار المخصص لمناقشة المسألة الطائفية في سوريا، هل يمكن أن توضح لنا ما هي الطائفية من وجهة نظرك؟ وما هو الفرق بين الطائفية والطائفة؟ ومتى نقول عن نظام ما أنه طائفي مثلا ومتى نقول أنه مستخدم للطائفية فحسب؟ وهل يختلف النظام الطائفي عن النظام الديني مثلا؟

سلامة كيلة: ربما تكون الإجابة على هذا السؤال هي إجابة على كل الأسئلة الأخرى، حيث أنه يتضمن كل الأسس التي توضح ما يمكن أن يناقش عن الطائفية وسورية. على كل حال أعتقد بأن الطائفية هل كل انغلاق ديني أو طائفي على أساس معتقدات موروثة ضد الآخر المختلف. يعني تحويل الاختلاف إلى تناقض. ولا شك في أن الاختلاف هو نتاج تناقض قديم، لكن ذاك التناقض كان له أسسه الاقتصادية والأيديولوجية، وبالتالي كان تناقضاً طبقياً سياسياً وأيديولوجياً. لكنه يتحوّل الآن إلى تناقض ماهوي لا علاقة له بالأيديولوجيا أو بالطبقات. وهنا يكمن الفرق بين الطائفية والتوظيف الطائفي، حيث يمكن أن تستخدم طبقة هذه المعتقدات الموروثة من أجل تحقيق مصالحها هي، وليس بالضرورة أن تكون هي حاملة لهذه المعتقدات. وهنا يتحقق ذلك في دفاع طبقة عن مصالحها ووجودها ضد طبقات أخرى أو ضد شرائح من الطبقة ذاتها.

أما الطائفة فهي المجموعة البشرية التي لديها معتقدات دينية معينة تشكلت في الماضي. وكما أشرت كانت حينها تعبير عن تصوّر طبقي أيديولوجي لفئة مجتمعية، تشكّل هذا التصور كمعتقدات دينية بعد انهيار المجتمع وانغلاق المجموعات البشرية على ذاتها، حيث صاغت تصوراتها في معتقدات "أسطورية"(أي أسطرتها). هي أشخاص ولدوا على معتقد معيّن، ليصبح هناك تمسك شكلي به، ربما ممارسة بعض الطقوس، أو الحفاظ على استمرارية عبر قصر الزواج على الطائفة مثلاً، أو مراسيم الموتى أو الأعياد، وفي الغالب دون مزاولة هذه المعتقدات وفقط ربما التمسك بالطقوس. لهذا لا تكون هذه المعتقدات هي وسيلة التعامل في المجتمع، حيث تسيطر عادات وتقاليد مجتمعية عامة، سواء في الريف أو في المدينة، لتبقى المعتقدات كتمييز خاص لكل دين أو طائفة، في مجتمع موّحد بالمعنى العام. وكانت هذه المعتقدات تتراجع بفعل انتشار الأفكار الحديثة والاندماج المجتمعي، وبالتالي تشكّل مجتمع على أسس جديدة. ولهذا ستكون الطائفية هي الميل لكسر هذا التشكل عبر الشدّ نحو إعادة إنتاج المعتقدات القديمة. وهذا الأمر لا يخص الأقليات الدينية فقط بل يخص الأكثرية التي ينشأ فيها فئات تشدّ إلى معتقدات تقادمت، حيث كانت نتاج العصور الوسطى، أي مرحلة ما بعد انهيار الإمبراطورية العربية الإسلامية. في هذه المرحلة بالضبط تشكلت الأكثرية (السنّة) والأقليات. فقبل ذلك كان الإسلام دين سلطة، وكانت المعارضة الطبقية تتخذ أشكالاً دينية في الغالب، لكن كمعارضة طبقية سياسية.

الآن، حين تستولي قوة طائفية، أي تحوّل المعتقدات الموروثة إلى مشروع أيديولوجي سياسي، على سلطة دولة تكون هذه الدولة دولة طائفية، لأن تلك القوة سوف تفرض معتقدات كمعتقدات عامة تطبّق على المجتمع. وهذه حالة متطرفة من الصعوبة أن تنجح لأن الميل الطائفي لا يشمل كل الطائفة بل يشمل فئات منها لا يكون لديها القدرة على حكم دول، لهذا إما تدفع إلى تفكك الدولة أو تنهار. لكن يمكن أن نلمس وضع حكم الإخوان المسلمين وحكم الولي الفقيه في إيران، حيث أن القوة المسيطرة هي قوة طائفية، أي تعتقد أنها تمثل "الأغلبية"، لكنها تطبّق منظور أقلية. وهنا يمكن القول بأن الدولة تحكم من قبل قوة طائفية، ولنجاح ذلك تتخذ هذه القوة آليات جديدة غير الآليات التي يقوم عليها الحكم في "الإسلام". بمعنى أن القوة الطائفية تصبح بديل الطبقة في السيطرة على الدولة، مع ملاحظة أنها تمثّل مصالح طبقة مسيطرة أيضاً. فالإخوان المسلمين حين حكموا في مصر، أو قبلها في السودان، ثم في تونس، هم يمثلون فئة رأسمالية تقليدية بمعنى ما (أي من بقايا تجار المدن) تحوّلت إلى مافيا، لكن يتحقق حكمهم عبر التمسك بالمنظور الأيديولوجي الأصولي. في إيران أيضاً من يحكم هم فئة من الشيعة تقرّ بولاية الفقيه (وهو فرع ضعيف في الشيعة)، لكنها تمثّل فئة رأسمالية كذلك. وهناك شكل ثالث "مؤسسي" أنشأه الاستعمار، هو شكل الدولة الطوائفية، أي الدولة التي تتشكل مؤسسياً على أساس تقاسم المسئوليات السياسية، والوظائف الحكومية بين الطوائف وفق امتياز لطائفة معينة. وهنا يبرز مثال لبنان، الذي كرره الاحتلال الأميركي في العراق، حيث يجب أن يكون الرئيس مسيحياً (وفي العراق رئيس الوزراء الذي هو السلطة شيعياً) ورئيس الوزراء سنياً ورئيس البرلمان شيعياً (في العراق الرئيس كردياً ورئيس البرلمان سنياً). وتصبح الوظائف العليا من حصة المسيحيين، وهكذا. وهو نظام يعيد إنتاج التكوينات المجتمعية على أساس الطائفة، رغم أن من يحكم ليس بالضرورة طائفياً، أو أن من يوظف يجب أن يكون متمسكاً بالأيديولوجية الطائفية. هو تقسيم شكلاني يسمح ببقاء المجتمع مذرر، ويسهم في إنتاج التعصب الطائفي والحرب الطائفية. بالتالي يمكن القول بأن النظام السياسي ذاته هو نظام طوائفي، دون أن يكون من يحكم طائفياً، رغم أن موقعه يحدِّد الطائفة التي ينتمي إليها. ولهذا فإن الأحزاب غير الطائفية المعبّرة عن البرجوازية تميل إلى تملّق الطائفة، والحديث بلهجة طائفية (مثل ميشيل عون الذي هو علماني كما يُفترض لكنه يمارس الطائفية لأنها تخدم وصوله إلى الرئاسة). ليصبح هذا الشكل هو المعبّر عن مصالح فئة من طبقة، كي تهيمن على باقي الطبقة. وكل صراعات الحرب الأهلية في لبنان هدفت إلى تعديل ميزان القوى بين الطوائف في علاقتها بالدولة، وتعديل وضعها في إطار الطبقة الرأسمالية المسيطرة.

الشكل الأخير هذا يسمى نظاماً طوائفياً، لأن بنية الدولة مشكّلة على أساس تقاسم طوائفي. أما دول الإخوان المسلمين والولي الفقيه فتسمى دولة دينية لأنها تفترض تمثيل "الأغلبية" الدينية، رغم أن من يحكمها هي قوة طائفية. والشكل الأول المتطرف هنا النظام الطائفي بالتحديد الدقيق. أما استخدام الطائفية فهي تحدث حين لا يكون النظام طائفياً بل يمثل فئة معينة (رأسمالية في الغالب)، لكنها للحفاظ على سلطتها تستخدم كل الممكنات، ومنها تفتيت المجتمع وتذريره. هذا ما كان يفعله الاستعمار، وتفعله الإمبريالية، لكن تفعله كذلك نظم رأسمالية مافياوية. فمثلاً كما لاحظنا في لبنان أن الفئة المسيحية من الرأسمالية تستخدم تكوين لبنان الطائفي لكي تبقى مسيطرة على الدولة وبالتالي على مجمل الطبقة. بمعنى أن الفئة المسيطرة على السلطة لا تكون طائفية، وربما حتى غير متدينة، لكنها تستغلّ معتقدات متقادمة لكي تحافظ على سيطرتها على السلطة. وهذه المعتقدات يمكن أن تكون دينية أو طائفية أو قبلية أو مناطقية، أي كل الموروث المتخلف المستمرّ من الماضي.

(2): في مقال لك أطلق جدالا حول الطائفية قلت أن النظام السوري ليس طائفيا، وقلت بنفس الوقت أن النظام استغل الطائفية، وقلت أن الطائفة ليس طائفية رغم أنها تقف خلف النظام. السؤال: لماذا النظام ليس طائفيا رغم أن أجهزته الأمنية تعتمد في نسبة كبيرة جدا منها على المكوّن العلوي؟ ولم الطائفة ليست طائفية رغم أن وقوفها خلف النظام يأتي لاعتبارات طائفية وإن كان الأمر بدافع الخوف؟

سلامة كيلة: تناول الأسباب التي تجعل دكتاتور يختار الفئة التي يعتمد عليها في الحكم يفترض أن ينطلق من فهم سسيولوجي بالأساس، وليس من منظور طائفي. الفارق هنا يكمن في أن كل منظور ديني أو طائفي ينطلق من الشكل في تحديد طبيعة الآخر، لهذا حين يتناول نظام معين يركّز على طائفة الرئيس والفئة التي تحيط به، ويحكم على السلطة من خلال ذلك، وبهذا تكون السلطة طائفية بما هو منظوره طائفياً وليس لأنها كذلك في الواقع. السؤال هو ما هي الأسس التي تجعل الدكتاتور يختار معاونيه، وبالتالي لماذا يحيط ذاته بأفراد من محيطه المناطقي؟

أولاً حافظ الأسد كان جزءاً من حزب قومي، وكان ذلك الوعي هو الذي يحكمه قبل الوصول إلى السلطة، وبهذا لا يمكن أن نقول بأنه كان طائفياً، إلا إذا انطلقنا من مفاهيم أصولية إسلامية تتحدث عن "الباطنية" (أي أنه كان يضمر غير ما يعلن)، وهذا أمر خرافي. وثانياً أن الصراع في حزب البعث كان بين "علويين" (أي صلاح جديد وحافظ الأسد). وثالثاً أن هذا الصراع قسم السلطة إلى فئات مع كل منهما، حتى على المستوى العلوي، وظهر ذلك في وقوف الضباط العلويين من منطقة طرطوس مع صلاح جديد ومن جبلة مع حافظ الأسد. ورابعاً كانت قوة مصطفى طلاس أو عبدالحليم خدام في زمن حافظ الأسد موازية لقوة علي دوبا وعلي حيدر وكل النخبة "العلوية" في السلطة.

هنا يجب أن ندخل التحليل السسيولوجي لكي نفهم الآليات التي يشكّل فيها دكتاتور ريفي سلطته. وسنلاحظ هنا أن كل الدكتاتوريين من هذا النمط كانوا يعتمدون على أفراد من المنطقة التي ينتمون إليها، أي من البيئة التي نشؤوا فيها.  ولا شك في أن البيئة الريفية تؤسس لترابط يقوم على أساس المنطقة بالأساس، قبل أي شيء آخر. هذا هو "الوعي الريفي" الذي يربط الثقة بالترابط المناطقي. وهذا أمر طبيعي. وكما قال إنجلز مرة بأن الفلاح يرى أن قريته هي العالم، هي كل العالم. وهو أمر يجعله في خشية من العالم، فيبقى محافظاً على الترابط المناطقي أينما حلّ. وبالتالي يصبح ابن الحي أو القرية هو مصدر الثقة الذي يمكن الاعتماد عليه. لهذا يعتمد الدكتاتور على هؤلاء القادمين من بيئته.

سنلاحظ بأن الصراعات في الجيش قبل استلام حافظ الأسد السلطة تمحورت حول "كتل مناطقية". لهذا جرت تصفية الضباط المدينيين بعد 8آذار، ثم تصفية ضباط مدينيين ومن ريف دمشق وحماة مع إبعاد الناصريين في تموز سنة 1963، ثم الضباط الدروز بعد انقلاب سليم حاطوم سنة 1967، ومن ثم تفكك الضباط العلويين بين صلاح جديد وحافظ الأسد، الذي اعتمد على الانقسام بين ضباط طرطوس وضباط جبلة. وهو الوضع الذي كرس سيطرة أكبر للضباط العلويين، خصوصاً وأن عددهم كان أكبر في الجيش نتيجة فقر المنطقة، الذي كان يجعل الجيش ملجأ سواء فيما يتعلق بالضباط أو في الجنود.

على ضوء كل ذلك يكون الاعتماد على ضباط علويين أمراً يتعلق بالثقة من منظور مناطقي وليس طائفياً، رغم أن الصراع الطائفي الذي خاضته جماعة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة نهاية سبعينات وبداية ثمانينات القرن العشرين، عزَّز من ميل ما طائفي، تبلور في سرايا الدفاع بزعامة رفعت الأسد، لكن الحالة أنهيت بعد الخلاف الذي حدث على ضوء مرض حافظ الأسد سنة 1984. وكذلك قمعت جمعية المرتضى التي شكلها جميل الأسد على أساس طائفي. لكن ولا شك نشأ شعور ما طائفي في بنى السلطة، لكنه لم يهيمن، بل جرى استغلاله فيما بعد من قبل السلطة ذاتها.

أما حول العلويين ولماذا هم غير طائفيين رغم وقوفهم خلف السلطة، فلأن الأمر لا يتعلق بمعتقدات وحدتهم مع السلطة، ولم يكونوا مع السلطة قبل الثورة، على العكس من ذلك عانوا من الشبيحة ومن السيطرة على أراضيهم ومن الفقر وغياب الخدمات والتهميش، بحيث كان الساحل من أفقر مناطق سورية. لكن ما جرى سنوات 1980/ 1982 من وحشية ضد حماة أُلصق بالعلويين، وبالتالي عممت السلطة الشعور بان الآخر يستهدفهم نتيجة ما جرى. وهو الأمر الذي خلق حالة من الخوف من أن التغيير سوف يأتي بالإسلاميين إلى السلطة، ومن ثم سينتقمون منهم هم. وعموماً فإن مجمل الأقليات الدينية والطائفية تخوفت من وصول بديل أصولي إسلامي كما تخوّف العلويون، واندمج بعضها بالسلطة كذلك، مثل قطاع كبير من المسيحيين. ولا شك في أن السلطة لعبت من اللحظة الأولى على هذا الأمر، وساعدتها بعض أطراف المعارضة، مثل الإخوان المسلمين، والمندسين على المعارضة وبعض المعارضين الطائفيين، وكذلك بعض الدول الإقليمية مثل السعودية، والإعلام الفضائي عموماً.

العلويون لا يعرفون معتقداتهم في الغالب، وبالتالي ليس لديهم "عقيدة" يفرضونها على المجتمع، وفقرهم هو الذي دفعهم بأعداد كبيرة إلى الجيش منذ الاحتلال الفرنسي. ومن ثم لم تقدّم السلطة لهم ما يحسّن وضعهم لكي يتمسكوا بها. لكن الثقافة العامة منذ زمن باتت تربط النظام بالعلويين، بما في ذلك مجازر حماة، رغم أن النسبة الأعلى من المعتقلين السياسيين كانت من الساحل. في هذه الوضعية لماذا يلتفون حول السلطة؟ هل هناك غير الخوف من الربط الذي حصل بينهم وبين السلطة ما يجعلهم يخافون من التغيير،  ولمصلحة قوى تنظر إليهم كسلطة، والقوى التي تعتبر أساسية في المعارضة تنظر إليهم بمنظور طائفي؟ بالتالي إنّ وقوفهم خلف السلطة ليس نابعاً من اعتبارات طائفية كون لا معتقدات طائفية تجمعهم بالسلطة، بل كون الآخر اعتبر أنهم السلطة، واعتبر أن السلطة هي سلطة طائفة وقائمة على أسس طائفية.

إنّ موجة انتشار الأصولية الإسلامية وتعميم الأصولية، والتركيز على أحقية سلطة الإسلاميين، وما جرى في العراق من صراع طائفي، فرض أن ينتشر الخوف لدى قطاعات مجتمعية، من الأقليات ومن بعض "الأغلبية". وهذا الجو هو الذي جعل النقطة المركزية في إستراتيجية السلطة هي كيف تضخم هذا "البعبع"، وكيف تُظهر الثورة كحراك أصولي يهدف إلى السيطرة على السلطة (والانتقام من العلويين). ولقد نجحت في ذلك ليس بفعل طائفية العلويين بل بفعل أصولية وسلفية بعض أطراف المعارضة التي ظهرت كقيادة للثورة من خلال تأثير الإعلام الخليجي، وحتى الغربي. وهو الأمر الذي أربك العلويين في المرحلة الأولى وجعلهم يترددون في الانخراط في الثورة، ومن ثم مع تصاعد تشوّه الثورة دفعهم للتماسك خلف السلطة، أو للسير بما تريد دون سؤال.

 (3): تقول في مقالك نفسه: "أما لماذا ظل العلويون متحلّقين حول السلطة؟ فهذا أمر يجب أن يبحث فيه في كل ردود الأفعال التي نشأت، منذ بدء الثورة من قوى ودول، ووسائل إعلام، كانت تنطلق من منظور طائفي، وتريد "أسلمة" الثورة، وتبرز شخصيات معادية للأقليات، وتفتي في قتلها. وهذا ما كانت تلعب عليه السلطة منذ البداية، من أجل تخويف الأقليات (خصوصاً العلويين) من الثورة، ودفعها دفعاً، لكي تلتصق بالسلطة"، هل هذا تبرير للطائفة العلوية؟ حتى لو كان الأمر كما تقول أن الطائفة دفعت دفعا نحو الالتصاق بالنظام، فهل هذا يبرر لها أن تقف خلف النظام وتبرر جرائمه وتسمح له أن يقتل باسمها؟ أم أن الطائفة فقدت كل قدرة على الوقوف في وجه النظام؟

سلامة كيلة: هذا ليس تبريراً بل تفسير لموقف العلويين الذين لم يكونوا مع النظام قبل الثورة لكنهم وجدوا أنفسهم خلفه بعد الثورة. فالخشية من استلام أحزاب أصولية السلطة جعلهم يتمسكون بالسلطة القائمة، خصوصاً أنهم يعتقدون بأن هؤلاء يحملونهم هم وليس النظام فقط مسئولية كل ما فعله النظام. وهذه حالة يجب أن تفهم في سياق الأحداث التي جرت في سورية نهاية سبعينات القرن العشرين وأوائل ثمانيناته، وفي المنطقة بعد الاحتلال الأميركي للعراق والفوضى التي نشأت ودور تنظيم القاعدة، وبالتالي الصراع الطائفي الذي نشأ. ودون فهم ذلك لن نستطيع فهم كثير من المواقف التي اتخذت من قبل فئات عديدة في سورية. خلاصة الأمر هو أن الاحتلال يستجلب الصراع الطائفي والفوضى، وأن الأقليات معرّضة للسحق، هذا ما ظهر في التجربة العراقية التي وصلت إلى الوعي السوري عبر أكثر من مليونين من اللاجئين العراقيين. لهذا كانت الدعوة إلى التدخل الأميركي، أو الخطاب الطائفي يستثيران قطاعات مجتمعية، مثل المسيحيين الذين تمسكوا ببشار الأسد بشدة منذ البدء (أي قبل العلويين) نتيجة ما حدث لمسيحيي العراق، ومثل العلويين الذين كانوا يريدون في الخطاب الأصولي والتدخل العسكري مدخلاً لانتقام كبير. ما ساعد على ذلك، كما أشرت، هو خطاب أطراف في المعارضة كانت تسعى للتدخل العسكري الأميركي، وعممت خطاباً أصولياً بأشكال متعددة (عبر الفيسبوك والتصريحات ومواقع النت العديدة والفضائيات، خصوصاً قناة الوصال، كما عبر تسمية أيام الجمع ثم الكتائب العسكرية).

وإذا كان العلويين قد كانوا في موقف التردد في البداية، وحاول بعضهم التفاعل مع الثورة (دون تجاهل مشاركة أعداد من الناشطين، لم يكن قليلاً، لكنني هنا أتحدث عن الفئات الشعبية)، فإن تصاعد الخطاب الطائفي وخطاب التدخل العسكري، خصوصاً بعد تسلح الثورة قد دفع إلى ارتباط أعلى بالسلطة، حيث بات ما كان يكرره خطاب السلطة أمراً واقعاً. دون أن نتجاهل بأن السلطة عملت كذلك على سحق أي ميل علوي معارض، وكانت تقتل كل من يشكّ في موقفه، أو حتى كل من تشك هي في احتمال أن يكون غير مقتنع في الخطاب الذي تكرره. لقد مارست هنا ضبطاً أشدّ لكي تفرض تماسك الطائفة حولها، بالضبط نتيجة حاجتها لبقاء "البنية الصلبة" (التي هي الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والمخابرات الجوية) متماسكة وطيّعة. لتكتشف الطائفة أنها وُرطت في مجزرة أفقدتها أبناءها، حيث خسرت خيرة شبابها، لكن كان الوضع قد غرق في صراع فوضوي، تلعب القوى الأصولية (النصرة وداعش وجيش الإسلام وصقور الشام وأحرار الشام، وما إلى ذلك) الدور الأكبر فيه. وهذا الوضع جرى الشغل عليه كما أشرت من قبل السلطة كما من قبل السعودية ودول أخرى، وكان الهدف منه إفشال الثورة عبر تطييفها وأسلمتها، لتكريس الانشقاق المجتمعي. ولقد نجح ذلك نتيجة غياب الأحزاب القادرة على فهم الواقع والتي كان يجب عليها أن تضع إستراتيجية واضحة، وتحدد الأهداف بوضوح. ولم تكن عفوية الطبقات الشعبية، بكل الأطياف (أي بما في ذلك العلويين)، قادرة على استيعاب ما يجري وتحديد كيفية مواجهته. حاول شباب التنسيقيات في المرحلة الأولى من الثورة مواجهة خطاب السلطة الذي يتهم الثورة بالأسلمة والأصولية والسلفية، لهذا أطلقوا شعار "لا سلفية ولا إخوان الثورة ثورة شبان"، وكاد ينجح ذلك في جذب المترددين من الأقليات الدينية، لكن قمع السلطة أنهى وجود هؤلاء ليبقى شباب أكثر بساطة، لم يستطع الاستمرار في مواجهة ذاك الخطاب، بل بعضه انخرط في الأسلمة كرد فعل معاكس.

ما يجب أن يكون واضحاً هو أنه لم يكن هناك ميل طائفي لدى العلويين قبل الثورة، على العكس كان تذمرهم من السلطة يتعالى نتيجة وضعهم البائس، لكن تكتيك السلطة والقوى الإقليمية ومسار الثورة هو الذي فرض هذه النتيجة.

(4): المفكر السوري صادق جلال العظم تحدث كثيرا عن العلوية السياسية داعيا إلى تحطيمها، هل ترى أن هناك علوية سياسية في سوريا؟ وإن كان جوابك لا كيف تقرأ العلاقة بين النظام والطائفة من هذا المنظور؟

سلامة كيلة: كعادته يخرج الدكتور صادق جلال العظم بين الفينة والأخرى بمفرقعات صوتية، وهذه منها، وهي محاكاة للواقع اللبناني، لكن بعد أن سقط مصطلح المارونية السياسية، الذي أُطلق في مرحلة من باب اللغو السياسي، أو من باب التعبير المجازي. على الأقل كان في لبنان أحزاب تدعي أنها تمثّل الموارنة، أو تمثّل المسيحيين عموماً، وكان النظام اللبناني يودي إلى ذلك كما أشرنا قبلاً. أما في سورية فليس من أحزاب تمثّل طائفة أو دين، على العكس يحكم السلطة حزب "قومي" هو حزب البعث. الدكتور صادق يقصد سيطرة "العلويين" على السلطة، كما هي سيطرة المسيحيين على السلطة في لبنان، لكن أيضاً هنا الوضع مختلف، حيث أن النظام اللبناني موزّع طائفياً بالعرف ثم بالدستور بعد اتفاق الطائف، أما في سورية فالأمر مختلف سواء من حيث كيفية السيطرة على السلطة من قبل حافظ الأسد (وقبله البعث)، أو من حيث تكوين النظام الذي يبدو كنظام جمهوري دكتاتوري نتيجة السلطة المطلقة للرئيس. وفي هذا الوضع يمكن أن نقول بأن النظام هو نظام وراثي كما ظهر بعد موت حافظ الأسد، أي نظام عائلي وليس نظاماً طائفياً، بغض النظر عن طائفة العائلة. فالعائلة هنا هي الأساس وليس الطائفة، والتوريث في العائلة تحديداً وليس في الطائفة التي تبقى أداة للعائلة. هذا هو العرف الذي فرضه حافظ الأسد على سورية. بالتالي ما يجب أن يحطم هو هذا العرف. ربما أشير هنا بين معترضتين إلى أن هذا التعميم حول العلوية، الذين يعرفون هم ألا دور لهم في السلطة، وأنها مركّزة في العائلة ومحيطها القريب، هو ما يخيف العلويين، ويشككهم في موقف المعارضة والنخب. إن هذا التقدير الخاطئ هو الذي يجعل العلوي يشعر بأنه متهم أصلاً، ومثل هذه التصورات كانت تتردد منذ سنوات، رغم وجود أعداد كبيرة من العلويين في السجون.

الآن، ما هي العلاقة بين النظام والطائفة؟ أشرت قبلاً إلى جانب من هذا الموضوع، حيث أن البيئة هي التي تحدد الثقة لدى الفئات الريفية التي منها حافظ الأسد، وهذا ما جعله يعتمد على ضباط علويين في مفاصل السلطة، خصوصاً بعد أزمة سنوات 1980/1982. وإذا كان يعتمد على هيمنة الأجهزة الأمنية على الجيش فقد عمل على تشكيل "بنية صلبة" يستطيع استخدامها في الدفاع عن السلطة، كان منها الوحدات الخاصة، وفي مرحلة كانت سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد، والتي اعتمدت بالأساس على جذب فقراء العلويين، وتشكيلهم على أساس تعصبي، قبل أن تحل سنة 1984 ويتحول جزء منها إلى الحرس الجمهوري، وجزء آخر إلى الفرقة الرابعة التي تشكلت فيما بعد. في الوحدات الخاصة، وفي الأجهزة الأمنية، خصوصاً الأمن العسكري، كان يعتمد النظام على فئات مهمشة أو إثنية أو من الأقليات، حيث كان يجذب في مرحلة المجندين الأكراد، أو من ريف دير الزور (الشوايا)، أو من المسيحيين والدروز وغيرهم. وهذه الفئات ظلت أساسية في بنية السلطة الصلبة، لكن توضّح بعيد استلام بشار الأسد السلطة، وتحكم ماهر الأسد في الجيش، أن الاعتماد الأساسي بات على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللذين يتشكلان في الغالب من علويين، وهما تحت قيادة ماهر الأسد. وأيضاً على فروع الأمن التي تعتمد على علويين مثل الأمن العسكري خصوصاً سرية المداهمة فيه (التي شكلها آصف شوكت). ثم على المخابرات الجوية.

من هذا المنظور يمكن القول بأن السلطة تعتمد على فئات علوية كبنية صلبة تعتمد على ولائها، وهو ولاء مناطقي كما أشرت، ويستفيد من التهميش والفقر الذي يحكم هؤلاء. ولقد ظهر واضحاً في فترة حكم بشار الأسد أن الاعتماد الأساسي هو على ضباط، وحتى أفراد من منطقة طرطوس أكثر من الاعتماد على منطقة جبلة، وربما يفسّر ذلك رفض الضباط العلويين الذين خدموا مع حافظ الأسد لتوريث بشار (كما حصل مع علي حيدر). وهذا يعزز فكرة الولاء حتى في إطار البيئة ذاتها. والولاء هنا للعائلة بالتحديد كحكم وراثي أبدي. انطلاقاً من ذلك يمكن القول بأن "العائلة" تتعامل مع الطائفة كأداة تستمدّ منها "البنية الصلبة" التي تحمي السلطة وتقاتل من أجل استمرارها. ولهذا كانت حريصة تماماً على تخويف الطائفة لكي تبقى متماسكة خلفها من أجل أن تبقى البنية الصلبة متماسكة، وقابلة لتنفيذ كل المهمات التي تطلبها. وأظن أنه دون هذا التخويف كان يمكن للطائفة ان تتمرّد ككل الشعب، وكان ذلك واضحاً في المرحلة الأولى من الثورة، وبالتالي كان يمكن للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري أن يكونا في موقع آخر.

(5) عطفا على السؤال السابق: متى نقول عن نظام أنه نظام "علوية سياسية" أو مارونية سياسية"، بمعنى آخر : ما هي الأمور التي يجب أن تتوفر في نظام كهذا حتى نصفه بذلك؟

سلامة كيلة: العلوية السياسية والمارونية السياسية تعبير مجازي، بالتالي لا أسس تحدد إطلاقه على نظام ما. هو خزعبلة وليس مصطلحاً سياسياً، بالتالي ليس من الممكن السؤال عن الأسس التي تحدده.

(6) تقول "حين نريد توصيف نظام سياسي يصبح من الضروري أن ننطلق من “التحليل المادي” لكي نفهم بنيته والمصالح التي يمثلها، ومن ثم الشكل الأيديولوجي الذي يستخدمه من أجل فرض الهيمنة على المجتمع. وهو ما لا يجعلنا نعتبر بأن الدولة العباسية مثلاً تنحكم لنظام طائفي رغم أن الخليفة كان ممثل الله على الأرض. أو نعتبر بأن الدولة الإيرانية طائفية رغم أنها متحكم بها من قبل “الولي الفقيه". أنت هنا تنفي الطائفية أيضا عن النظام الإيراني الذي يعترف ضمنا بطائفيته حين يجعل من دين الدولة هو "الاثني عشرية الشيعية" دستوريا، ويتعزز هذا الأمر بأغلب تحالفات إيران مع القوى الشيعية في المنطقة وكذلك مع نشر التشيع الذي تنشط به، فإذا لم تكن السلطة الإيرانية هي سلطة طائفية فماذا تكون إذن؟

سلامة كيلة: أشرت إلى ذلك قبلاً، وربما كنت قد دققت ما قلته سابقاً، حيث لا مقارنة بين الدولة العباسية وإيران أو دولة الإخوان المسلمين، لأن الأيديولوجية الدينية كانت حينها هي أيديولوجية الدولة التي تفرض على المجتمع، الذي كان يخوض صراعاً طبقياً سياسياً عبر أشكال دينية. ولقد بات هناك أغلبية وأقليات دينية بعيد انهيار الدولة العباسية وتشكل الطوائف كلها كطوائف دينية بعد أن كانت تعبّر عن تيارات فكرية تعبرّ عن فئات اجتماعية. أعيدت صياغتها في طوائف بعيد الانهيار بدءاً من القرن الحادي عشر، وخصوصاً في القرن الثاني عشر والثالث عشر. وهنا باتت خارج الدولة، بمعنى أن الطوائف تشكلت كطوائف بلا دولة، وفي تضاد فيما بينها حينها. وحين كانت الأيديولوجية السنية تحكم كانت تعتبر أن الطوائف الأخرى من درجة أدنى، وفي بعض الحالات كانت تعمل على تسخيرها أو حتى القضاء عليها (كما زمن السلاجقة أو المماليك وخصوصاً في بعض مراحل الدولة العثمانية).

الآن في إيران تنحكم الدولة لمذهب شيعي هو فرع من الإثني عشرية، المذهب الذي يقرّ ولاية الفقيه (وهو المذهب الأضعف في الشيعة)، لكنها تتعايش مع الطوائف الأخرى، حيث في إيران عدد كبير من السنة. وهي تعتبر أنها تحكم باسم الأغلبية. وهنا يفرض التمييز العددي المسبق في تشكيل السلطة، بحيث تبقى سلطة "شيعية". رغم أنها لا تمثّل كل الشيعة، لا من حيث اختلاف الفرق الشيعية ولا من حيث العدد السكاني. لهذا فهي باسم الشيعة تخدم مصلحة فئات رأسمالية محدَّدة. الطائفية هنا تكمن في التمييز بين السكان في المشاركة في السلطة بالأساس وفق المنظور القديم الذي يرى الشعب طوائف ولا يرى شعب، أو طبقات في الشعب. وبالتالي فهو منظور طائفي. وكل منظور يقوم على الدين سيكون منظوراً طائفياً، لأنه يرى البشر وفق الانتماءات الطائفية، وبالتالي لا يرى بشر. هذا هو المنظور المتوارث منذ انهيار الدولة العباسية وتشكّل الطوائف. ولهذا سيكون منظور النظام السعودي طائفي بالضرورة لأنه ينطلق من المذهب الوهابي. لكن الطائفية بالمعنى الذي أعتقده أعمق من ذلك، لهذا أشرت إلى أنها تسعير الصراع ضد الآخر انطلاقاً من معتقدات موروثة وصراع ماضوي. والصراع هنا هو صراع ما دون سياسي.

ولا شك في أن النظام الإيراني يسعى لفرض هيمنة على المنطقة في إطار الصراع العالمي وميله لكي يكون قوة عالمية، ولهذا عمل على تقوية حزب الله في لبنان، وتمتين العلاقة مع النظام السوري والتفاهم مع الأمريكان بخصوص العراق إلى أن سيطر عليه، ويُظهر أنه مناصر للقضية الفلسطينية. ومن أجل ذلك يستخدم كل ما هو ممكن، ومن ذلك الشيعة، فيظهر أنه يمثلها، ويحاول تحريك الشيعة في المناطق التي تريد الضغط فيها، أو يدعم قوى شيعية من أجل الحصول على مكاسب كما يفعل في البحرين واليمن. وأيضاً ضمن هذه السياسة أقام علاقات وثيقة مع حركة الجهاد الإسلامي ومع حركة حماس، وتحالف مع محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين في مصر، ويعزز علاقاته مع تركيا أردوغان. بمعنى أن النظام في إيران يعمل ضمن رؤيته لمصالحه، رغم طابعه الشيعي، وانحكامه للولي الفقيه. وهو يتعامل بذكاء ودهاء لتحقيق ذلك. هنا الشيعية غطاء للمصالح، وهو لا يتعامل معها كحاجز طائفي. لهذا يتحالف مع الأصولية السنية (حماس والإخوان المسلمين) في إطار الصراعات الإقليمية القائمة ومن أجل تعزيز وضعه الدولي.

أما حول نشر التشيع فإن جزءاً كبيراً منها هو إشاعات أو جزء من الصراع الأصولي السني ضد الشيعة.

(7): تقول أن الطائفية هي "التمسك بأيديولوجية، هي موروث الطائفة، وتحويلها إلى مشروع سياسي". أعتقد أن هذا ينطبق على مشروع الطائفية السياسية، ولكن ماذا عن الطائفية الاجتماعية الموجودة في المجتمع، بمعنى أن العلويين مثلا ليس لديهم إيديولوجية فعلا وفق ما ذكرت، ولكن مع ذلك هم يقفون إلى جانب النظام من منطق طائفي عصوبي، أليس هذا طائفية وإن كانت بلا إيديولوجيا؟

سلامة كيلة: يعني هذا تفسيركم لوقوف العلويين خلف السلطة، الذي لا أوافق عليه، ولقد شرحت تصوري للأمر قبلاً. ثم ثانياً ليس هناك طائفية "بلا أيديولوجيا"، فالطائفية هي تعصب ديني، أي ينطلق من التمسك بمعتقدات دينية معينة، ورفض الاخر انطلاقاً منها، ومن ثم محاولة فرضها بالقوة، أو محاربة الآخر بناءً عليها. ليس هناك معنى آخر للطائفية، وما أشرتم إليه لا وجود له، حيث يمكن القول بالتعصب المناطقي، أو القبلي، والعائلي. ثم، إذا كان ما يجمع بين العلويين والنظام هو انتماء العائلة وحواشيها للطائفة، الأمر الذي نحت لديكم تعبير "الطائفية الاجتماعية"، ماذا نسمي وقوف المسيحيين إلى جانب النظام؟ أليس الخوف من "المجهول القادم" هو الذي يوحد الموقفين، أي موقف العلويين والمسيحيين؟

بالتالي هنا الإشكالية في "الآخر"، أو الصورة التي تعمّمت عن الآخر، أي عن الثورة، والتي قام بها حشد من الدول والقوى والمحطات الإعلامية كما أشرنا قبلاً. الصورة التي كان مقصوداً أن تظهر كذلك، بالضبط من أجل تماسك العلويين والمسيحيين خلف السلطة. وهنا التماسك غير نابع من بنية الطائفة بل من الآخر الذي بات يتهدد الطائفة كما جرى تصوير الأمر. أي هو فعل خارجي كان يمكن ألا يحدث ويكون موقع هؤلاء مع الثورة. بينما حينما نلامس حزب الله أو النصرة أو داعش نجد أن التشكيل قائم على معتقدات موجودة جرى صوغها في الشكل الذي يسمح بتشكيل هذه القوى.

(8): حول علاقة الدولة مع الطائفية تقول أن الدولة هي من يعيد الطائفة إلى "طابعها المتوارث" متفقا بهذا الأمر مع المفكر الراحل مهدي عامل. ولكن ماذا عن طائفية طوائف ليس لها علاقة مع الدولة؟ ألا يشير هذا الأمر إلى أن الموروث الطائفي يبقى قائما داخل الطائفة ( أية طائفة) إن لم يحدث اندماج وطني فعال أو نقلة تراكمية من الطائفية إلى ما بعدها، سواء تدخلت الدولة أم لا؟ وكيف تحدد العلاقات بين الطوائف والدولة من جهة في سوريا والطوائف والمجتمع من جهة أخرى، وكذلك العلاقة بين الطائفية والإيديولوجيا من حيث أن الثانية في سوريا طالما طغت وغطت على الأولى تاريخيا رغم أن الطائفية تقوم هي الأخرى على بعد إيديولوجي/ عصبوي يعمل على حشد الطائفية خلفه؟

سلامة كيلة: هذا سؤال متعدد الأسئلة، أولاً ما أشرت إليه حول أن الدولة تعيد الطائفة إلى طابعها المتوارث يتعلق بلبنان بالتحديد، وهو ما يشير إليه مهدي، حيث تشكلت بنى الدولة على أساس تقاسم طوائفي، ولا يتعلق بدور الدولة بشكل عام. هنا الدولة تفرض إعادة إنتاج الطوائف، لأن "الانتخابات" تفرض ذلك، ولأن المناصب العليا فيها تفرض ذلك، وهكذا. لكن فهمي للطائفية مرتبط بالوجود المجتمعي أكثر مما هو مرتبط بالدولة، لهذا أشرت إلى أن الطائفية هي أدلجة معتقدات الطائفة في تضادها مع الطوائف الأخرى. أي تحويل معتقد الطائفة إلى "وعي ذاتي" مضاد للآخر. ومن ثم استعادة صراعات ماضية متخيلة في الغالب. هذا "الوعي الذاتي" يمكن ألا يكون له ميل سياسي أصلاً، وبالتالي لا يكون معنياً بالدولة، أو يطمح لأن يتشكّل في دولة، أو أن يسيطر على الدولة القائمة. مثلاً داعش أقامت الخلافة وبدأت التمييز بين المواطنين على أساس الدين والطائفة، من منظور مغرق في العصبوية. وحزب الله دخل المحاصصة الطائفية كطرف أساسي في الطائفة الشيعية، ويعمل على فرضها الطائفة المسيطرة في الدولة. وهناك مستوى من الصراعات الطائفية التي تبقى في حدود "مجتمعية"، أي في حدود ما دون سياسية، مثل قتل الشيعة في باكستان من قبل قوى طائفية سنية (طالبان باكستان). لهذا باختصار يمكن القول بأن الطائفية تتعلق بمعتقدات طائفة بالأساس، يعاد إنتاجها في تضاد مع طائفة أخرى، سواء وصلت مرحلة البحث عن تأسيس دولتها أو لم تصل.

ثانياً الموروث الديني للطوائف سوف يبقى، ولا يعني الاندماج الوطني إلغاءه على الإطلاق، وإلا أصبحنا على حافة الطرح الإلحادي الذي يريد إزالة الدين. ومسألة "الاندماج الوطني" تعبير بني على منظور طائفي أصلاً، لأن الأمر لا يتعلق بالاندماج الوطني، بل يتعلق بمستوى الوعي، ومستوى القانون الذي ينظر إلى الناس المتواجدين في بلد محدَّد على أنهم مواطنون بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو المذهب، هذه المسائل التي تبقى شأناً شخصياً، وتبقى كمعتقدات خارج الحقل السياسي. هنا نلمس العلمنة بالضبط. بمعنى أن الدولة يجب أن يعاد تأسيسها كدولة حديثة، تتجاوز الدولة الدينية، وهي تكون كذلك حين تصبح علمانية فقط. ويجري فصل الدين عن السياسة، بحيث لا يسمح لنشوء حزب ديني لأنه يميّز بين المواطنين. المواطنون الذين هم قاعدة كل دولة ديمقراطية وعلمانية. تبقى مسألة الوعي، هذه ترتبط بنظام التعليم الذي تؤسسه الدولة الحديثة، الذي يقوم على أساس علماني. ولا شك في أنّ التطور الذي حدث في الماضي، سواء بتعميم التعليم أو الاختلاط المجتمعي الذي فرضته ظروف العمل، وتشكل المدن المختلطة، كان كله يسير نحو اندماج مجتمعي بالضرورة، لأنّ كل ذلك يفترض انتشار أفكار جديدة وعلاقات جديدة تتجاوز التقسيم الماضوي، ليصبح الدين ليس هو أساس العلاقات، ولا المنظم للقوانين. لكن نقص التطور "الرأسمالي" أبقى الماضي ممكن العودة، وكان هدف النظم لكي تبقى مسيطرة تكريس الوعي الديني (وحتى الأصولي) عند كل الطوائف. بالتالي عادت المشكلة من جديد، رغم أن الاندماج المجتمعي أبقاها ضعيفة التأثير، وسيكون أساس انطلاقة جديدة، تقوم على أساس مجتمعي (طبقي أو وطني عام). وهذا يعني أنه من الضروري إعادة تشكيل الأحزاب كمعبّر عن طبقات المجتمع، والسعي لتأسيس دولة علمانية ديمقراطية. ولا شك في أن توسّع دور الأصولية والطائفية ارتبط بضعف دور الأحزاب العلمانية والوطنية واليسارية، حيث نشأ فراغ فرض الارتداد إلى البنى التقليدية في العديد من المواقع. لكن هذا الارتداد مؤقت بالضبط لأن التطور المجتمعي لم يعد يحتمل استمرار وجوده.

هذا تصوّر مستقبلي، أي يتعلق بمرحلة تغيير النظم القائمة وتأسيس نظم بديلة تستند إلى هذه المفاهيم وتعمل على تطبيقها، لكن يمكن القول الآن أن الأمر يتعلق ببناء أحزاب جديدة انطلاقاً من منظور طبقي، أو وطني أو ديمقراطي، وبناء الصراع على أسسه الحقيقية، سواء تعلق الأمر بالتعبير عن الطبقات المفقرة أو تعلق الأمر بتأسيس أحزاب ديمقراطية. بمعنى أن النظر إلى المجتمع والصراع يجب أن يقوم على أسس حديثة، وأن تبنى الأحزاب عما يعبّر عن مصالح الطبقات الشعبية. ولا شك في أن الاندماج المجتمعي (بالمعنى الذي أشرتُ إليه) يسمح بذلك بالضرورة دون نظر إلى الطوائف والقبائل. لكن هذا يفترض التعبير عن مطالب الشعب الحقيقية، أي طرح مطالب العيش والحريات، وخوض الصراع مع هؤلاء من أجل تحقيق ذلك. هذا الأمر هو الذي يسمح بالانخراط في الأحزاب دون النظر لخلفية دينية أو طائفية، وبالتالي يبلور الشعب على أسس تتجاوز الدين والطائفة، سواء على أساس طبقي أو على أساس وطني، أو ديمقراطي (وهاتين تعبران عن أساس طبقي كذلك لكن بشكل مموّه).

السؤال الثاني الذي يتضمنه هذا السؤال حول علاقة الطوائف بالدولة وعلاقتها بالمجتمع وبالأيديولوجية، هذا يعتمد على صيرورة الصراع الراهن، والحلول التي يمكن أن تتحقق. حيث يظهر الآن وكأن المجتمع قد تفكك إلى طوائف متصارعة. ولا شك في أن ما حدث مؤلم، وربما يترك تشققات مجتمعية، خصوصاً أن ممارسات وحشية مورست، وقاد التهميش والفقر إلى ممارسات مخجلة. وبالتالي يمكن أن تظهر صراعات كردود أفعال، لكن المسألة الجوهرية هي أن الشعب خاض ثورة، وستستمر ما دام لم يحقق مطالبه، وهذا ما يمكن أن يعيد توضع "الطوائف" في الصراع على أساس غير طائفي أصلاً، أي على أساس طبقي. وهذا ما أشرت إليه قبل قليل، حيث أن الوضع سوف يعيد إعادة بناء الثورة على أسس جديدة تعبّر فعلياً عن واقع الشعب عموماً. وهذا يعني تجاوز النظر الطائفي لمصلحة نظر طبقي، ويفتح على توحّد الفقراء ضد السلطة. هذا هو الخيار الذي تفرضه الثورة، وهو خيار يتجاوز الطوائف ليتعامل مع طبقات، وهذا يعني أن الشعب سيتوّحد ضد السلطة وينتهي الانقسام الحاصل الآن نتيجة الشغل على تشويه الثورة. وفي هذا يجري تجاوز المنظور الطائفي (الذي هو أعلى لدى فئات سنية) لمصلحة رؤى أيديولوجية طبقية.

طبعاَ يبدو السؤال حول أن الأيديولوجيا "طالما طغت وغطت على الأولى (الطائفية) تاريخياً رغم أن الطائفية تقوم هي الأخرى على بعد أيديولوجي/ عصبوي يعمل على حشد الطائفية خلفه" مشوشاً إلى حدّ كبير، فهنا يبدو الخلط واضحاً بين الطائفة والطائفية. كيف طغت الأيديولوجية؟ إن لكل حزب أيديولوجياه، وحين يستلم السلطة يعمل على تعميمها، كما فعلت السلطة من خلال الفكر القومي الذي يطرحه البعث. والأيديولوجية الطائفية التي كانت قائمة قبل ذلك هي أيديولوجية الإخوان المسلمين، التنظيم الذي كان ضعيفاً. أما "الطوائف" فقد كان ميلها قومياً ويسارياً عموماً.

وأيضاً أعتقد أن الجزء الثاني من السؤال عموماً ينبني على تصوّر أن سورية باتت طوائف متصارعة، ولهذا يسأل عن كيفية العلاقة فيما بينها وبعلاقتها بالدولة، ومن ثم العلاقة بين أيديولوجياها والأيديولوجية القومية التي سيطرت خلال العقود الماضية. لهذا أقول أن الميولات التي تشكلت في المستوى الطائفي تنتهي حين تتبلور قوى يسارية وديمقراطية، وحين يعاد بناء الثورة على ضوء مصالح الشعب. وهذا سيؤدي إلى انتصار أيديولوجية جديدة بالضرورة.

 (9): تختم ردك على فكتور بالقول: " فواقع “الطائفة” يجب أن يضعها في طليعة الثورة بدل أن تكون قوة وحشية السلطة. وإذا كانت مصالح السلطة تفرض أن تدفعها إلى هذا المصير، فإن مصلحة الثورة تفرض أن يجري العمل على إعادة موضعتها في الثورة. من هذا المنظور لا بد من كشف كل خطاب طائفي وتعرية كل قوة طائفية". هل تعتقد أن ثمة إمكانية واقعية فعلا لتحقيق ما سبق بعد كل ما جرى و يجري، خاصة بعد إعلان الخلافة الإسلامية على لسان البغدادي؟ ألا ترى أن الواقع تجاوز هذا الطرح؟ وإن كنت ترى أن ثمة إمكانية لذلك فكيف؟

سلامة كيلة: إشارتي كانت تتعلق بالوضع بداية الثورة، وبالتالي كان وضعها يطرح مسألة أنها يمكن أن تنهض في ثورة ضد السلطة، هذا الوضع الذي يحتاج إلى فهم أدق. فالطائفة العلوية تنقسم ككل المجتمع إلى فئات استفادت وتستفيد من السلطة، وربما كان وجود "أقارب" في السلطة يفتح على واسطات واستفادة ما محدودة منها. لكن العلويون فئات اجتماعية متداخلة في التكوين المجتمعي السوري، وتعاني كما يعاني كل المجتمع من التهميش والفقر والبطالة، ومناطق الساحل عانت من الإهمال والتهميش، ومن سطوة الشبيحة وعائلة الأسد ومخلوف، وبالتالي رغم التداخل مع السلطة من خلال التوظيف، خصوصاً في "بنية السلطة الصلبة"، وإمكانيات التوظيف في حدود معينة، كانت تشعر بأنها ضد السلطة. وهذا ما كان يجعل آلاف من شبابها ينخرطون في المعارضة، ويذهبون إلى السجون. وأظن نتيجة الفقر الشديد الذي عاناه هؤلاء، خصوصاً أن الساحل هو من المناطق الأكثر فقراً، كان يمكن أن يكونوا بداية الثورة. على الأقل كان هذا توقعي من خلال مشاهدة الوضع الصعب الذي يعيشونه (وكنت أشير هنا إلى العشوائيات التي يسكنها هؤلاء في دمشق مثلاً)، لكن نشوب الثورات في تونس ومصر والبلدان الأخرى، وحماس الشباب (ومنهم علويون كثر) لتحريك الشارع، ثم للأزمة التي نشأت في درعا ورد السلطة الوحشي، فرض مساراً آخر.

فقد كانت سياسة السلطة تعتمد منذ البدء على تخويفها (مثلاً كانت الأجهزة الأمنية تعمم على العلويين متابعة قناة الوصال قبيل الثورة، وكانت في الفترة الأولى من الثورة حين ظهر عدنان العرعور كموجه للثورة تعمل على تعميم فتاويه المتعلقة بتكفير العلويين بأشكال مختلفة). لقد بذلت السلطة مجهوداً كبيراً لكي تخوّف الطائفة من الثورة، وكان ذلك مفصل جوهري في سياستها. كل ذلك لأنها تعرف إمكانية انخراطها في الثورة. ورغم ذلك شارك شباب كثر في الثورة، وكان موقف الطائفة مترقباً في المرحلة الأولى منها. ولهذا ظللت أسعى لتحديد مطالب الثورة بما يشمل مطالب الطبقات الشعبية كأساس لاستقطاب هؤلاء، وعبر التركيز على تأسيس دولة علمانية ديمقراطية. وهذا ما كان يجب أن يكون خطاب المعارضة، وأن يجري تفكيك كل خطاب طائفي. لكن كما أشرت قبلاً سار خطاب المعارضة والقوى الإقليمية في السياق ذاته الذي يسير فيه خطاب السلطة (أي كان يؤكد خطاب السلطة). طبعاً حين تتحول الثورة من ثورة لتحقيق مطالب الشعب الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية إلى خطاب من أجل تحقيق "الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة" لن يعود ممكناً أن نقول بأن مجمل الأقليات والعلمانيين سوف ينخرطون في الثورة. الأمر تعقد على الشعب عموماً ويحتاج إلى إعادة بناء تنطلق مما أشرت إليه قبلاً.

(10): بعد دخول داعش الطائفية بامتياز وحزب الله الطائفي بامتياز بموازاة قوى طائفية من هنا وهناك ( كتائب أبي الفضل العباس، كتائب إسلامية واضحة التوجه، النصرة، الإخوان السوريون..) كيف تقرأ المسألة الطائفية خاصة أن إعلان الخلافة نقل المسألة السورية برمتها من مكان إلى مكان آخر؟

سلامة كيلة: رغم أن حزب الله والميليشيات العراقية هي طائفية فإن تدخلها مرتبط بمصالح إيران بالأساس، وسعيها للحفاظ على السلطة، التي باتت تتحكم بها. ولا شك في أن وجود النصرة وداعش، وحتى جيش الإسلام، هي تنظيمات طائفية، وتبدو أنها تخوض الصراع ضد السلطة، لكنها في الغالب تخدم سياسة السلطة كما أشرنا قبلاً. سينتهي دور "المجاهدين" (النصرة وداعش)، لكن يمكن أن تتشكل قوى سلفية سورية يمكن أن يكون لها دور في إطار التفاهم الإيراني السعودي، لأنها تتبع السعودية. وهذا ما يمكن أن يزيد المظاهر الطائفية في السلطة التي يمكن أن تقوم بعد الوصول إلى حل، إذا تحقق ذلك عبر التفاهم السعودي الإيراني. لكن يبقى ذلك حلاً مؤقتاً نتيجة وجود الظروف التي تفرض استمرار الثورة.

(11): قبل اندلاع الثورة سنرى غياب المسألة الطائفية عن أجندة المثقفين السوريين، مقابل حضورها الكثيف في ظل الثورة، لماذا غابت هذه المسألة أمس وحضرت اليوم؟ هل كان المثقف عاجزا عن رؤيتها وقراءتها في الواقع أم ماذا؟

سلامة كيلة: أولاً لم تغب المسألة الطائفية عن أجندة النخب، وإن كانت الكتابات حولها قليلة (برهان غليون)، حيث كان الهاجس الطائفي يتكرر في النقاشات، وكان الميل للقول بأن النظام طائفي سلساً، وهذا جزء من المشكلة الراهنة التي جعلت القول بأن النظام يمثل الطائفة العلوية سهلاً، وبديهياً. هذا المضمر هو الذي يطفو على السطح الآن، حيث أن أزمة الثورة وتزايد دور القوى الطائفية السنية (النصرة وداعش والجبهة الإسلامية)، وتصاعد مجازر السلطة بات يجعل قطاع من النخب تميل لكي تقبل الخطاب السلفي ذاك، والتكيّف معه، لهذا باتت تريد التأكيد على طائفية السلطة. إن تبرير طائفية الذات هو الذي يدفع الخطاب حول طائفية السلطة لكي يتصدّر. والمثقف في كل ذلك لم يكن يفهم الواقع ولازال كذلك، نتيجة منظور شكلي سطحي يحكمه، ولتحكّم نوازع غريزية.

(12): هل ترى أن حل المسألة السورية في نهاية المطاف سيخرج من بوابة الطوائف على نمط اتفاق الطائف اللبناني أو العراقي أم أنه سيأخذ منحى أخر؟ وطنيا مثلا؟

سلامة كيلة: الآن كل حل في سورية هو حل مرتبط بتوافق دولي، أميركي/ روسي، وإقليمي، سعودي/ إيراني. ولا شك في أن قرار مجلس الأمن حول الأسلحة الكيماوية السورية تضمن التوافق الأميركي الروسي المقرر في 30 حزيران سنة 20012، والمسمى مبادئ جنيف، وبالتالي بات هو الأساس لكل حل في ظل تعقيد الوضع واستعصاء الحسم.

مقالات متعلقة

فدوى محمود... من المعتقل إلى المطالبة بتحرير المعتقلين

02 كانون الأول 2017
لم يخطر يوما ببال الناشطة والمعتقلة السابقة فدوى محمود أن يكون للاعتقال محطات دائمة في حياتها، بدءا من اعتقالها في تسيعنات القرن الماضي، إلى نشاطها الدائم اليوم في المحافل الدولية،...
سلام الكواكبي: بناء الهوية يحتاج إلى مشروع وطني مشترك

12 تشرين الثاني 2016
في حوار أجرته حكاية ما انحكت مع الكاتب والباحث سلام الكواكبي، يقول حول مسألة الهوية السورية: "ضحكنا" على بعضنا بعضًا عندما أبدينا تمسكاً بهوية سورية جامعة. لم تكن هذه الهوية...
جورج صبرا: لا مكان في سورية للنظام المبني على الأيديولوجيا

21 أيلول 2016
إذا كان جورج صبرا قد حاز إعجابا واتفاقا حوله فيما يخص مرحلة المناضل والثائر، فإن السياسي فيه أثار الكثير من الإشكالات التي هي جزء من إشكالات الثورة والمعارضة السورية عموما....

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد