كي نجعل للصحافة عيدا في سوريا؟


03 أيار 2015

محمد ديبو

باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها، يعمل محرّرا في صحيفة العربي الجديد.

أمام شلال الدم المفتوح في سوريا، والذي يدفع فيه الصحفيون على اختلاف جنسياتهم جزءا من فاتورته، يبدو الاحتفال باليوم العالمي للصحافة نوعا من وضع الملح في الجرح، إذ كيف يحتفل المرء وهو يتصفح وجوه زملاءا له سقطوا وهم يرفعون راية الحقيقة، وكأنه يقرأ الفاتحة على روحه!

مهلا، هل قلنا الحقيقة؟

تبدو هذه "الحقيقة" التي مات لأجلها زملاء لنا بحق، هي أكثر وأكبر الضحايا، إذ في ظل التغطية والتضخيم والشيطنة والتأهيل والتحريف التي تتعرض لها "الحقيقة السورية" يبدو أن مهمة الصحافة انحرفت عن وسيلتها، لتلتحق بانقسامات كثيرة باتت سمة أساسية للمشهد السوري، والإعلام جزء منه، إذ يكفي أن تسمع محطتين إعلاميتين أو تقرأ صحيفتين أو موقعين حتى ترى كما هائلا من التناقض واللاحقيقة، مما يجعل الحدث السوري غائما، وهو ما يفسّر ضعف التعاطف الغربي مع الثورة السورية التي باتت تختزل بقتال داعش تارة أو الحرب الأهلية تارة، الأمر الذي يجعل الكرة في مرمى الصحافة السورية، ونحن جزء منها.

إن تدقيقا في خطاب أغلب الإعلام الجديد في سوريا، يبيّن لنا أنه يفتقد إلى الكثير من مقومات الصحافة، بدءا من اللغة والتعابير المستخدمة وليس انتهاء بكيفية تغطية الخبر ووصف الأطراف المتصارعة، إذ يكفي أحيانا أن نقرأ سطرين لنعرف الجهة التي تموّل هذه الصحيفة، فحين يكون ثمة دفاعا عن جبهة النصرة والإخوان المسلمين ندرك أن قطر أو تركيا خلف الأمر، وحين يتم الدفاع عن السلفية الجديدة ندرك أن الرياض تقف خلف الأمر، ناهيك عن شيوع خطاب تدميري لا يفعل إلا أن يفتت النسيج الاجتماعي السوري، إذ يصوّر الصراع في سوريا بين طوائف تتصارع ومذاهب تتناحر، مرفقا باستخدام عبارات من نوع "الجيش النصيري" أو النظام العلوي" بمقابل "المجاهدين الأحرار" و "الثوار السنة" بما يصب في نهاية المطاف في خدمة نظام الاستبداد، حتى وهو يعارضه، لأنه يصوّر الثورة السورية وكأنها ثورة أكثرية سنية ضد أقليات، بدلا من أن تكون ثورة السوريين ضد نظام مستبد قاتل لا يتوّرع عن استخدام الجميع وقودا له.

وأحيانا ينحط الخطاب الصحافي نحو مستويات أدنى بكثير، حين يصف ضحايا الخصم بأنهم "مجوس" أو "كلاب" أو "فطائس" تذهب إلى "جهنم وبئس المصير"، الأمر الذي يجعل من هذه الصحافة شريكة في تهيئة أرضية صالحة لتمدد الأحقاد واستشراء الغرائز والحط من إنسانية الإنسان، وبذلك لا نكون نفعل إلا طعن شهداء الصحافة الذين ماتوا لأجل الحقيقة، لأننا لا نفعل إلا أن نشوّهها، وندخلها في أتون التجاذبات السياسية والإيديولوجية.

بعيدا عن التكريم الآني العابر لزملاء رحلوا وهم يحملون أقلامهم أو كاميراتهم، وهو تكريم واجب، علينا أن نكرمهم في كل لحظة ونحن نخط خبرنا الجديد أو حكايتنا الجديدة، وهذا لا يكون إلا بتنظيف الإعلام السوري الجديد من كل هذا الكم الهائل من الأحقاد والعبارات التي تطعن من سقطوا لأجل الحقيقة قبل أن تطعن خصومها المفترضين، ناهيك عن طعنها الشعب السوري بأكمله إذ توّفر له المقدمات الكافية لإشعال حرب أهلية مديدة، تصوّب الرصاص ليس على الحاضر فحسب، بل على المستقبل أيضا، لأن الكلمة ليست محايدة بل محرّض أساسي للفعل، وإن لم يكن خبرنا أو حكايتنا أو تقريرنا محرضا في السياق الصحيح، أي ضد الدكتاتورية والإرهاب وبلغة تساعد على بناء السلام، فهذا يعني أننا شركاء فيما يحصل.

فلنكرم شهداء مهنتنا، بألا نكون قتلة لأحلامهم وأداة لاغتيال مشاريعهم في الحرية والتنوير وحقوق الإنسان، وهذا يبدأ من أبسط الأشياء أن نراجع خطابنا الإعلامي وأن نلتزم مواثيق الشرف التي وضعتها بعض الجهات الإعلامية الجديدة، مشكلة بذلك خطوة في الاتجاه الصحيح، وشمعة وسط هذا الظلام الإعلامي المديد.

 

 

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد