معتقلو عدرا وأهالي دمشق: كيف يتفادون داعش والنظام؟


30 أيار 2015

أول ما فكرت فيه المهندسة "ريتا" حين دخلت داعش إلى سجن تدمر هو زوجها المعتقل في سجن عدرا في ريف دمشق منذ عام 2012، إذ تناهى إلى ذهنها مشهد دخول داعش إلى عدرا على حين غرة كما حدث في تدمر، الأمر الذي دفعها لتتبّع وضع المعتقلين في ظل التنظيم الجديد، مدفوعة بحسها العاطفي كونها حبيبة معتقل، وبحسها المناضل كونها تنشط سرا في مجال الثورة منذ زمن طويل، دون أن تتمكن من معرفة الكثير وسط التشويش وندرة المعلومات الموثقة حول هذا الأمر، الأمر الذي دفعها للبحث من باب آخر، وهو معرفة ما تفعله داعش بمن يقع تحت يديها، لتدرك أن داعش تسأل كل من يقع تحت يديها عن مدى حفظهم للصلاة وبعض الآيات القرآنية، الأمر الذي أوقعها في حيرة من أمرها عن كيفية التعامل مع الأمر!

هي ابنة معتقل سياسي ينتمي للتيار القومي العربي العلماني، وقد قضى في السجن عتيا من الزمن، وكان من أوائل المنضمين والمشاركين في فعاليات الثورة هو وكل عائلته، باعتبارهم جزء من التيار العلماني المدني، في حين أن زوجها الذي تعرفت عليه خلال سنوات الانتفاضة هو ملحد، وبالتالي معلوماته الدينية صفر، ما يجعله هدفا سهلا لداعش إن دخلت السجن، فكيف سيتم التعامل مع الأمر إن دخلت داعش إلى عدرا كما تدمر؟ والأهم كيف يمكن إقناع "الحبيب" بحفظ الصلاة والآيات المطلوبة لداعش لا لله!

لوحة تظهر التماهي بين الأسد و داعش. المصدر: الصفحة الرسمية لمؤسسة دولتي على الفيسبوك
لوحة تظهر التماهي بين الأسد و داعش. المصدر: الصفحة الرسمية لمؤسسة دولتي على الفيسبوك

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فالعائلة المناضلة والتي اتخذت قرارا جماعيا برفض مغادرة البلد، لازالت تسكن في العاصمة دمشق، متحدية الدكتاتورية ومتخوفة بذات الوقت من دخول داعش أو أشباهها على عين غرة إلى دمشق أو المنطقة التي يقطنون بها. وإذا كانوا خلال عقود من التعامل مع النظام تمكنوا من ابتكار آليات مقاومته وتحاشي شروره وممارسة نضالهم بصمت وحذر هربا من بطش أجهزته، فإنهم لم يعرفوا حتى اللحظة كيف يمكن مواجهة عدوهم الجديد، فهم يتعاملون هنا مع أسطورة واقعية تتناهى أخبار فظائعها إليهم، الأمر الذي دفعهم لابتكار آليات مقاومة استنادا لما سمعوه وعرفوه، فبدأ الأمر بشراء الملابس الإسلامية لارتدائها إن دخل التنظيم المدينة، حيث تقول "ريتا" لحكاية ما انحكت وهي تشعر بالخجل: "لم أكن أتوقع أن يصل بنا الحال إلى هنا، أن أضطر لأن أشتري ملاية، وأنا العلمانية!"، لتتابع ضاحكة "المهم ما يدخلوا بالصيف لأن لبس الملاية صعب بالشوب"، مؤكدة أنها ستفعل ذلك لأنها لا تريد مغادرة البلد حتى لو دخلت داعش إلى دمشق، و هي مستعدة لفعل أي شيء كي تبقى في الداخل.  إلا أن ثمة مشكلة أخرى برزت، لأن ثمة عائلة مقيمة عند "ريتا" مكونة من أم وبنتها وابنها الذي يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، ما يجعل أمر تبريره في المنزل صعبا بالنسبة لداعش باعتباره محرّما، لذا اتفقوا الأربعة على القول أن الثلاثة "أخوة بالرضاعة".

لافتة رفعت في حلب. المصدر: الصفحة الرسمية لنحو وطن عصري ديمقراطي علماني على الفيسبوك
لافتة رفعت في حلب. المصدر: الصفحة الرسمية لنحو وطن عصري ديمقراطي علماني على الفيسبوك

حين ذهبت إلى حبيبها في معتقله، ورأسها مشغول بكيفية إخباره ضرورة تعلّم الصلاة لكي يحمي نفسه إن دخلت داعش أو لا، كانت الأفكار تتقاذفها يمينا وشمالا، إلى أن وجدت نفسها أمامه، وأخبرته أن أمها ستأتي وتزوره وتعلمه الآيات المطلوبة وكيفية تعلم الصلاة كي يحفظها، فأخذ الأمر بـ "روح رياضية"، لأن الأخبار التي وصلت من سجن تدمر إليهم كانت كافية على ما يبدو لإقناع الجميع.

بين جنون داعش المنفلت من كل قيد وعقل، وبين بطش النظام المفتوح على إجرام لا يحد، والذي حوّل البلد كلها إلى معتقل كبير، يعيش السوريون اليوم، موقنين أن حاضرهم يتفكك وأن الاستبداد بات قاب قوسين أو أدنى من النهاية، ولكن غير آمنين لما يحمله المستقبل لهم جرّاء تقدم داعش وغيرها، خاصة لمن هم في المعتقلات، فأيّ تراجيديا أن يستيقظ معتقل ليجد نفسه بين ليلة وضحاها، منتقلا من سجن النظام المستبد إلى سجن داعش المستبد بدوره؟ وأي تراجيديا أن تضطر عائلة  مقاومة للاستبداد منذ عقود طويلة، ومناضلة للحصول على الديمقراطية والحرية إلى ارتداء الملاية، وبالتالي خسارة حريتها الاجتماعية خوفا من بطش مستبد قادم!

وسوى الروم خلف ظهرك روم                         فعلى أيّ جانبيك تميل

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد