حراس الغوطة الشرقية: حرية الإنسان قبل حرية المرأة


07 آذار 2015

مكتب شبكة حراس في الغوطة الشرقية المحاصرة بكل أشكال الموت، تعمل به وتديره مجموعة من النساء اللواتي عليهن أن يتناسوا الموت لا كي يستمروا في الحياة فحسب، بل كي ينقذوا الحياة من الاندثار: حياة طفولة مهددة إما بالموت أو التشوّه، لذا  يعملن برفقة الرجال أيضا في ظل ظروف بالغة القسوة على "بناء القدرة والتطوير المهني الموجهة للعاملين مع الأطفال في الأماكن الصديقة للطفل والمدارس والرياض ودور الرعاية، وكذلك القائمين على رعاية الأطفال من آباء وأمهات وأخوة راشدين وصولا إلى العاملين في الهيئات التعليمية والمجالس المحلية وغيرها ممن يقوم على وضع سياسات التعليم وسن القوانين وتقديم الخدمات" ذات الصلة المباشرة بحياة الأطفال كما تقول "ميمونة" لـ حكاية ما انحكت.

لا تهدف النساء العاملات في المركز إلى حماية الأطفال فحسب، بل يعملون على التغيير الطويل الأمد من خلال العمل على "تغيير مباشر وحقيقي ومستدام في المجتمع بما يضمن حصول الأطفال على الرعاية التي يستحقونها في المجالات النفسية والاجتماعية والتعليمية".

إن كون مجال عمل الشبكة الأساسي هو حماية الطفل، الذي هو أقرب لاهتمامات المرأة بحكم دورها في تربية الأطفال والقيام على رعايتهم بشكل أساسي في مجتمعاتنا، يجعل البعض يظن أن مكتب حراس في الغوطة الشرقية هو خاص بالنساء، أو أنه يقدم خدماته للنساء فقط، إذ على العكس من ذلك يضم فريق الشبكة العديد من المتطوعين الذكور الذين يؤدون دورهم ببراعة.

وربما يعود جزء من هذا الالتباس إلى كون أول مجموعة دربت في الغوطة هي لمعلمات في المدرسة الأقرب إلى المكتب والتي نتج عنها عدد من المتطوّعات للعمل مع الشبكة لاحقا، إضافة إلى الفصل بين الجنسين بشكل عام في أماكن العمل والتدريب ومختلف نشاطات الحياة، وإلى أن ما يقارب ٨٠٪ من المشتغلين بالتعليم في الغوطة هم من النساء.

أطفال يحملون رسوماتهم في أحد نشاطات شبكة حراس في الغوطة. المصدر: شبكة حراس
أطفال يحملون رسوماتهم في أحد نشاطات شبكة حراس في الغوطة. المصدر: شبكة حراس

رغم الصعوبات الكبرى المحيطة بالغوطة الشرقية من حصار وقصف ودمار، فإن الفريق تمكن من العمل وتذليل الصعوبات والعوائق لأنهم أدركوا مبكرا أهمية "فهم المعايير الثقافية ومراعاتها لكيلا تقف حجر عثرة في طريقنا لحماية الطفل والوصول إلى الأطفال وتقديم الخدمات لهم ولمحيطهم" الأمر الذي ساعدهم على عدم الصدام مع المجتمع والكتائب المسلحة.

ذلك لا يدعهم ينكرون العقبات الاجتماعية – الثقافية التي تقف في طريق عملهم، مثل وجود أنواع من إيذاء واستغلال الأطفال، وتزويج الفتيات في سن مبكرة وتجنيد الأطفال وخروج المرأة من المنزل والتنقل ليلا أو ركوب الدارجة كونها وسيلة التنقل الأكثر شيوعا في ظل الحصار الخانق وندرة الوقود وغلاء ثمنه، مما يعرقل الزيارات إلى منازل محتاجي الخدمات.

تم إيجاد حلول لهذه العوائق من خلال ترتيب المقابلات في مكتب الحماية، لتجنب الزيارات إلى المنازل إلا في حالات لا يمكن فيها لمتلقي الخدمة القدوم إلى المكتب، حيث كان يتم الذهاب إليه ضمن فريق مكوّن من عضوين على الأقل.

وبهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة يولي الفريق أهمية قصوى لإشراك المجتمع والأهالي بالنشاطات مع الأطفال للاستماع إلى أرائهم وهمومهم، "ما يجعلهم أكثر اهتماما بالحضور والتعاون. إذ لطالما فقدوا من يصغي لهم ويشاركهم معاناتهم بصدق" كما تقول ميمونة لحكاية ما انحكت.

وشارك المكتب في المؤتمر الأول للمرأة الذي عقد في مدينة دوما في الحادي والثلاثين من كانون الثاني الماضي، بمبادرة وتنظيم من مكتب المرأة في المجلس المحلي بمدينة دوما، حيث قدمت "ميمونة" عرضا عن نشأة الشبكة وعرفت بخدماتها وآليات عملها، وهو المؤتمر الذي سنتوقف عنده في مقال خاص.

مديرة شبكة حراس في الغوطة الشرقية خلال مشاركتها في مؤتمر المرأة. المصدر: شبكة حراس
مديرة شبكة حراس في الغوطة الشرقية خلال مشاركتها في مؤتمر المرأة. المصدر: شبكة حراس

في اليوم العالمي للمرأة توّجه ميمونة رسالتها للمرأة بصفتها إنسانا قبل أن تكون امرأة تعيش الظروف التي تعيشها البلاد اليوم، إذ تقول: "لا يمكن أن تنال المرأة حريتها في بلدي ما لم ينل الإنسان فيها حريته، لأن قضية تحرر المرأة من أغلال الاستبداد والجهل الذي كرسه المستبد لا يمكن فصلها عن قضية تحرر الإنسان من الأغلال ذاتها" معتبرة أن المرأة تدفع الثمن مرتين في المجتمعات المتأخرة " مرة لأنها إنسان مستضعف ومرة أخرى لأنها امرأة" الأمر الذي يحتم عليها العمل "بعزم كبير لدعم نيل أي إنسان في مجتمعها حقوقه المسلوبة"، وذلك عبر "الثقة بنفسها وبشقيقتها المرأة. وأن تدرك أن دورها ومكانها الحالي ليس سببه استبداد الرجل بقدر ما هو تخليها عن مسؤولياتها وواجباتها في تنشئة الجيل الذي يشير للخطأ كما يثني على الصواب" والأهم  استعادة "الثقة بعقلها الذي رُبّيت على أنه ناقص، وأن تستعيد ثقتها بإيمانها وقلبها الذي من شأنه أن يحمل السلام للعالم فيما لو تمكّنت!".

عمل النساء في شبكة حراس جنبا إلى جنب الرجل في مناطق محاصرة وصعبة، يشي بأهمية الدور الذي تلعبه المرأة في الصمود وفي حماية الطفولة من الضياع، عبر الإصرار على أن يبقى الأطفال بمنأى عن كل ما يحصل، سعيا للاستثمار بهم في المستقبل.

فإذا كان لسوريا يوما مستقبل أفضل، فهو لاشك يدين لأولئك النسوة اللواتي يقارعن الموت لإنقاذ الأطفال من براثنه.

في اليوم العالي للمرأة

 تحية لكنّ.

 ولكلّ الرجال العاملين معكن، علنا نصل معا إلى حرية الإنسان (ذكرا وأنثى) الذي تناضلن من أجله.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد