أربع سنوات ثورة وعناد ومستحيل: مستمرون


30 آذار 2015

كما بدأت الثورة من درعا ( 18 آذار 2011) بعد حراك نخبوي في دمشق (15 آذار 2011)، لتمتد إلى مدن وبلدات أخرى، هاهي تستمر بالآلية ذاتها وإن اختلفت في بعض التفاصيل في الذكرى الرابعة للثورة السورية.

أربع سنوات مضت، أخذت معها الكثير من الشهداء والمعتقلين والبيوت والأحياء والمدن، دون أن تأخذ حلم السوريين بتحقيق أهدافهم، إذ يصر ناشط من "الحراك السلمي في محافظة درعا" على القول أن الثورة مستمرة "حتى تحقيق أهدافها السامية وهي إسقاط النظام، وإقامة دولة حرة ديمقراطية تحفظ حقوق الجميع"، في حين يقول الناطق باسم "مجلس ثوار حلب" الناشط "أبو محيو الكردي: "نحن لما خرجنا بالثورة أحرقنا مراكب العودة، وما في تراجع حتى لو ما بقي أحد مننا"، في الوقت الذي يصرخ فيه طفل من سقبا خلال مظاهرة "لا تراجع لا استسلام"، وهو ما يوافقه عليه ناشط من دوما على طريقته حين يقول "الاستمرار مش خيار"،  في دلالة واضحة على أن لا طريق آخر أمامهم غير المضي قدما حتى كسر شوكة الاستبداد.

إنها لعبة الإرادة بين الاستبداد الذي يسعى لكسر البشر عبر الاعتقال ونشر الموت والرعب لإعادة الثائرين إلى بيت الطاعة، والثائرين المدركين للعبة النظام فيجددون عهدهم كل عام بالتأكيد على المطالب ذاتها، من درعا حتى حلب وسقبا وكفرنبل وداريا ودوما، لتبقى اللافتة أقوى من البرميل و صرخة الحرية  أقوى وأمضى من الكيماوي والكلور الذي يستخدمه النظام لكسر إرادة الثائرين الذين حوّلوا الذكرى الرابعة إلى نصر معنوي على نظام ظن أن دماره وأد الحراك المدني إلى غير رجعة، فتفاجأ أن هذا الحراك كامن وقادر على الاستمرار ما إن تتاح له الفرصة، الأمر الذي يدفعه نحو مزيد من الإجرام والقتل في استمرار غبي بالسياسة الوحيدة التي يتقنها.

من دمشق التي بدأ بها الحراك النخبوي والتي حوّلها النظام ثكنة عسكرية/أمنية مغلقة قام نشطاء فيما يشبه العمل الشجاع والجريء بتوزيع وتعليق علم صغير للثورة على جدران الأماكن العامة والسيارات، ليبقى الحراك في العاصمة نخبويا ومحدودا كما كان قبل أربع سنوات جراء عنف النظام وقوة تحصيناته، وذلك مقابل توسع في النشاط والحراك في الريف الدمشقي، حيث خرجت مظاهرة في مدينة سقبا فوق أشلاء الدمار، إذ يصرخ طفل "لا تراجع لا استسلام حيوا حيو الثوار"، في حين قام مسؤولو التواصل في مؤسسة "اليوم التالي" في مدينة "دوما" بإحياء الذكرى على طريقتهم من خلال كتابة اسم مئتي شهيد على جدار "كنوع من تخليد الذكرى" كما قال أحدهم لحكاية ما انحكت، مؤكدا أن "ما في مجال للنهوض بالبلد إلا عن طريق الاستمرار بالقيام بالفعاليات اللي بتتوافق مع وجهات نظر المنظمة والأفراد على الأرض حتى نفرض رأينا كسوريين ضمن الصورة العامة لسوريا".

في الذكرى الرابعة للثورة السورية أقدم مسؤولو التواصل في مؤسسة اليوم التالي على كتابة أسماء الشهداء في مدينة دوما على الجدارن. المصدر: اليوم التالي
في الذكرى الرابعة للثورة السورية أقدم مسؤولو التواصل في مؤسسة اليوم التالي على كتابة أسماء الشهداء في مدينة دوما على الجدارن. المصدر: اليوم التالي

وإذا كان الاحتفاء الذكرى بدأ في دمشق وريفها في الخامس عشر من آذار، فإن مدينة درعا آثرت أن تبدأ ذكراها كما بدأ حراكها في يوم الثامن عشر منه، تماهيا مع اليوم الذي انطلقت فيه ثورتهم، وهو ما بدا واضحا من اللافتات التي رفعها ناشطو "الحراك السلمي في مدينة درعا" عبر تأكيدها على يوم 18 آذار، ليحييوا الذكرى بمجموعة من الفعاليات التي عرضها "الحراك" على الهيئات والمجالس الفاعلة في المدينة التي تبنتها، ليتم البدء بمشروع تشجير المناطق والغابات التي تعرضت للقصف والحرق، حيث تم تشجير عدة طرقات رئيسية ومجاميع أشجار سابقة في عدة مناطق من المحافظة، في حين يستمر العمل الآن على تشجير سد درعا، بإشراف مجلس محافظة درعا.

مظاهرة في درعا في الثامن عشر من آذار 2015 إحياءا لذكرى الثورة. المصدر: صفحة الحراك السلمي في محافظة درعا على الفيسبوك
مظاهرة في درعا في الثامن عشر من آذار 2015 إحياءا لذكرى الثورة. المصدر: صفحة الحراك السلمي في محافظة درعا على الفيسبوك

وفي الثامن عشر من آذار انطلقت مظاهرة في درعا البلد شاركت بها "جميع الهيئات الفاعلة على الأرض والمجالس القائمة"، حيث رفعت لافتات تؤكد مطالب الثورة في إسقاط النظام مع التنديد "بتخاذل العالم عن مساعدة الشعب السوري والتدخل الإيراني في الشأن السوري بزج قواته كطرف محارب لشعبنا الصامد في كافة أرجاء الوطن" كما يقول ناشط لحكاية ما انحكت.

ولم ينسى أهالي درعا أبناء الشهداء، حيث تم تكريمهم من خلال إقامة حفل  برعاية رابطة أهل حوران، لإخراج "الأطفال من أجواء القتل والدمار والرعب التي يعيشونها بشكل يومي بسبب إجرام النظام، ولإظهار الجانب المشرق من الثورة ورسم ابتسامة صادقة على شفاههم البريئة"، من خلال تقديم مئة وخمسين حقيبة مدرسية  كهدية مقدمة من المجلس المحلي، مصممين بذلك على عدم التراجع "حتى تحقيق جميع أهدافنا التي خرجنا لأجلها ولو تطلب منا ذلك سنوات عدة وكلنا أمل في أن تنتصر الثورة قريبا إن شاء الله".

مدينة حلب كان لها حضور قوي مع الذكرى الرابعة لها في المناطق التي رحل عنها النظام، إذ تم استثمار الأمر لإحياء عدة فعاليات بدأت منذ يوم 11 آذار 2015 من خلال الوفاء لمن رحلوا حيت تم رسم شهداء الثورة على الجدران وتعليق بوسترات لهم، بلغ عددها خمسة آلاف على الجسور ومداخل الحارات حتى يوم الخامس عشر من آذار، لتبدأ بعدها حملة "ارفع علم ثورتك" حتى الثامن عشر منه، حيث تم تعليق وتوزيع خمسة آلاف علم، ترافقت مع حملة بخ العلم ذاته على الجدران وأبواب المحلات في كافة الأحياء التي انحسرت عنها سيطرة النظام، لتنتهي الحملة برفع علم الثورة على أعلى سارية في "حلب المحررة" في حي صلاح الدين كما يقول لحكاية ما انحكت "أبو محيو الكردي" الناطق الرسمي باسم "مجلس ثوار حلب" الذي قام بهذه الفعاليات التي تميزت بإحياء أربعة كرنفالات ثورية لمدة أربعة أيام في أحياء بستان القصر و الشيخ مقصود ومساكن هنانو وصلاح الدين، قدمت خلالها الأغاني الثورية والمسرحيات التي تمجد الثورة وتؤكد على استمرارها، إذ يقول "أبو محيو": "مستمرين كرمال الأيتام و الثكالى و الأرامل وحتى ما يضيع دم الشهداء يلي أصبح دين برقبتنا. مستمرين حتى رفع الظلم عن كل أطياف الشعب السوري. مستمرين رغم تآمر العالم كله علينا".

نشطاء يرفعون علم الثورة ضمن فعالية "ارفع علم ثورتك". المصدر: صفحة مجلس ثوار حلب على الفيسبوك
نشطاء يرفعون علم الثورة ضمن فعالية "ارفع علم ثورتك". المصدر: صفحة مجلس ثوار حلب على الفيسبوك

وكعادتهم لم يتأخر أهالي كفرنبل الذين لم يتوقفوا يوما عن التظاهر ورفع اللافتات، إذ تظاهروا في يوم الرابع عشر من آذار رافعين لافتات تؤيد الثورة، وترفض التدخل الإيراني في المنطقة، مثل "الثورة طريقك إلى حقك.. الثورة لا تقتل لا تهجر ولا تدمر. القاتل نظام الأسد ومن والاه حتى أصغر وأحقر عميل"، لتبقى وفية لميراثها وتصميمها على دحر الاستبداد.

ملضق مرفوع ضمن تظاهرة في ألمانيا بمناسبة الذكرى الرابعة للثورة السورية بعنوان "ليلى والذئب". المصدر: إيفنت الفعالية على الفيسبوك
ملضق مرفوع ضمن تظاهرة في ألمانيا بمناسبة الذكرى الرابعة للثورة السورية بعنوان "ليلى والذئب". المصدر: إيفنت الفعالية على الفيسبوك

وإذا كان الحراك في الداخل السوري محكوم بمعادلة الاستبداد و الإرهاب والحرب المفتوحة مما قيّد حركته، فإن سوريو الخارج كانوا متحررين من هذا الأمر، فأحيوا عددا من الوقفات والتظاهرات في عدد من عواصم العالم، ففي برلين رفعت أعلام الثورة بكثافة خلال مظاهرة تخللها بعض اللافتات والكاريكاتيرات التي مثل أحدها صورة للدكتاتور وبجانبه طفلة سوريا وعبارة "ليلى والذئب".

وفي أمستردام تم إحياء تظاهرة رفع خلالها النشطاء علم الثورة على وقع هتافات "يلا ارحل يا بشار". وكذلك الأمر في مونتريال اسطنبول، بوردو، أمريكا، هولندا، ستراسبورغ، باريس التي دعت فيها ستون جمعية ومنظمة وحزباً إلى مظاهرة تضامنية مع الشعب السوري، انطلقت الساعة الثالثة بعد الظهر من ساحة ريبوبليك نحو فناء بلدية باريس، حيث تم خلالها تقديم مداخلات سياسية وفقرتي موسيقى مع المغنية "لوسيين ديشان" برفقة الموسيقى مهند الجرماني و الموسيقية "نيسم جلل" مع عازف العود "يان بيتار"، بمشاركة عدد من المثقفين والنشطاء السوريين.

أربع سنوات والثورة مستمرة.

أربع سنوات والسوريون يصرخون "حرية"

أربع سنوات والسوريون مستمرون رغم الاستبداد والإرهاب و التدخلات الخارجية التي أرهقت ثورتهم دون أن تسد منافذ حلمهم، المصمم على الخروج من رماد الحرب والبيوت المدمرة، ليقول: لا تراجع لا استسلام" كما قال طفل من سقبا المحاصرة.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد