اعتقل في ذكرى الثورة. لكنه صامد بفعل الحب


15 آذار 2015

لم يكن يدرك "باسل الصفدي" أن الذكرى السنوية الثانية للثورة (15 آذار2012)، ستكون جرح غرامه وثورته في آن، إذ اعتقل من قبل الأمن العسكري بكمين في منطقة المزة قبل أسبوعين من اقترانه بحبيبته (نورا) التي تعرّف عليها في أحد مظاهرات مدينة دوما.

هاهي الذكرى السنوية الرابعة تحل ولم يزل باسل قيد الاعتقال في سجن عدرا، دون أن يتمكن السجن من كسر حبه، إذ اقترن بحبيبته وهو في المعتقل بـ 7 كانون الثاني 2013، ليصبح لقبهما "عروسا الثورة".

باسل الفلسطيني السوري المولود في 22 أيار 1981 بقي في منفردة الأمن العسكري لمدة ثمانية أشهر قبل أن يحال لمحكمة ميدانية ويودع في سجن عدرا ثم ينقل إلى سجن صيدنايا لمدة شهر ثم يعاد إلى سجن عدرا دون أن يصدر بحقه أي حكم.

في ثاني مظاهرة بمدينة دوما بعد الثورة كانت "نورا" تنتظر مع اثنتين من رفيقاتها في بيت أحد أصدقائها انتهاء الصلاة للمشاركة في المظاهرة التي لم يتسنى لهم الخروج بها بسبب كثرة الرصاص الذي اندلع بعد انتهاء الصلاة، ليعود صاحب المنزل بعد قليل ومعه "شخصين. أحدهما باسل الذي كان يتحدث الانكليزية. دخلت الغرفة لأراه يتحدث مع قناة تلفزيونية ظننته مراسل لوكالة أجنبية قبل أن أعرف أنه عربي. بعدها بأسبوعين التقينا صدفة في ساروجة، ليعتقل بعدها أحد أصدقائه ويطلب مني متابعة قضيته" كما تقول نورا لـ حكاية ما انحكت.

باسل وحبيبته نورا. المصدر: خاص حكاية ما انحكت
باسل وحبيبته نورا. المصدر: خاص حكاية ما انحكت

تعترف نورا بأنها وقعت في حب باسل "من أول لحظة. شيء بعينيه شدني بطريقة عجيبة" كيف لا؟ وهو الشاب الذي تثبت الجوائز التي نالها عن جدارة مدى تميّزه، حيث صنفته مجلة "الفورين بوليسي" بالمرتبة 19 ضمن قائمة المائة شخصية الأكثر تأثيرا بالعالم لعام 2012، وحصل على جائزة "الاندكس اون سنسرشيب تكنولوجي اوورد" وهو داخل المعتقل، وصنف بين أعظم علماء الكومبيوتر بالعالم، ومن أهم المدونين العرب، واعتبر من أهم الناشطين في الكفاح السلمي في العصر الحالي.

أصبحت نورا وباسل يلتقيان كل يوم ويشاركون معا في المظاهرات والنشاطات السلمية، إلى أن فاض الحب عن الكتمان واعترافا بمشاعرهما لبعضهما بـ 28 حزيران 2011، ليفاجئها في 23 تموز 2011 بالقول لها "تتزوجيني"، لتكون خطبتهما بـ 18 تشرين الأول 2011.

قرار الزواج من شخص وهو في المعتقل وذو مصير مجهول، يبدو غريبا لأي متابع خارجي لكنه أمر طبيعي جدا لنورا، التي لا ترى أي حياة أخرى خارج الحب، فهي تريد أن تقضي حياتها معه وترفض أي " خيار ثاني يجعلني بعيدة عنه. الحب يدفعني للاكتفاء بباسل بأي طريقة. لا أريد حياة تقليدية، ولا أريد أن أصبح أما. ولا أريد استقرار أو عائلة. أريد باسل وبس".

بوستر من إنتاج حكاية ما انحكت
بوستر من إنتاج حكاية ما انحكت

هذا الكلام الذي قد يبدو للبعض مجرد كلام رومانسي ليس كذلك، فنورا لم تزل إلى جانب باسل تزوره في السجن، تؤمن له حاجياته والكتب التي يطلبها، عابرة الحواجز والموت والقصف لتصل إليه في عدرا البعيدة عن دمشق كي تحصل على قصيدتها، فكل يوم معه هو "لوحة، هو ورود وشموع وغزل" مصرّة على عيش حبها كما لو أنه حب طبيعي، ومصرة على أن "مو كل شي بالحياة بينعاش بنمط واحد، في أشكال كتيرة ومختلفة لنعيش حياتنا"، بل تذهب أبعد من ذلك حين تقول أنها تذهب لزيارته لتستمد الطاقة منه، فـ "هو بالسجن بيعطيني أمل وطاقة مالهون حدود".

وعن كيفية تقبل  الأهل والمحيط لعلاقة من هذا النوع، تقول نورا أن والديها تعرضا لانتقادات كثيرة لموافقتها على هذا الزواج، فالعائلة تقف إلى جانبها بحزم وقوة رغم أن الأب كان معتقل سياسي لتسع مرات، والأم قضت حياتها مع زوج غائب، لكن "هما فخورين بباسل وبحبنا يلي ما في شي بوقف بطريقو".

تعيش نورا حياتها الزوجية "كأي زوجين عايشين مع بعض بكل التفاصيل"، مؤكدة أن ليس كل "مرحلة قاسية وتجربة صعبة بالضرورة لازم تكون سلبية"، مصرة على رؤية الإيجابي والتغلب على الخوف والبعد والحرمان، ساعية مع باسل لأن تثبت للعالم أن "الحب والإيمان يفعلا معجزات".

ملصق يطالب بالحرية لباسل الصفدي. المصدر: صفحة الفعالية المطالبة بالحرية لباسل الصفدي على انستغرام
ملصق يطالب بالحرية لباسل الصفدي. المصدر: صفحة الفعالية المطالبة بالحرية لباسل الصفدي على انستغرام

خلف هذا الحب يكمن الخوف الذي يتسرب من بين ثنايا كلمات نورا. هناك الخوف على صحة باسل الوحيد لذويه في معتقل لا يراعي أدنى شروط السلامة، وهناك الخوف من المعارك الدائرة في محيط السجن، وهناك الخوف من عتمة المجهول القادم والمصير المجهول لباسل حتى اللحظة بلا محاكمة. هذا ما يدفعها لأن تتمسك بكل لحظة، تعيشها تتنفسها كأنها أبد، لأن كل عالم ليس به باسل بالنسبة لديها هو عالم ميت، لأنه أضحى "هويتي. ماضي ومستقبلي وحاضري".

الثورة التي عرفتهما على بعض تدخل اليوم عامها الخامس، في حين يدخل باسل عامه الرابع في المعتقل برفقة نورا التي ترسم فراشات على درب حريته، إذ أضحى هو عنوان ثورتها ووجعها وفرحها في آن.

الحرية لباسل الصفدي ولكل المعتقلين.

الحرية للشعب السوري الذي يدخل العام الخامس وهو يصرخ حرية.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد