موسكو1: كأنه لم يحصل


30 كانون الثاني 2015

"يارايحين عَ موسكو قلبي معاكم راحْ
يامحمّلين العَتَب ... تحت العتَب في سْلاحْ
كل من بلادو إلو............. و حْنا وطنّا راحْ
ياربّي شويّة دفا
تْرد الأمل لينا".

بهذا البيت من العتابا الذي يقطر آلما وحزنا على الوطن الذي "راح" علّق الطبيب السوري "نور الدين ناصر" على مؤتمر موسكو الذي كان تفاعل السوريين معه أقل من أي مؤتمر آخر، لعدة أسباب، كونه جاء بين زحمة أحداث طبيعية وعسكرية وإعلامية: العاصفة الثلجية، الغارة الإسرائيلية على سوريا التي قتلت عناصر من حزب الله ومسؤول إيراني وسط تكهنات بفتح جبهة الجولان الإسرائيلية المغلقة منذ عام أربعة عقود، الرد الإسرائيلي في مزارع شبعا، زيارة الأسد إلى جوبر، مقال عنصري ضد السوريين في جريدة النهار.. وكونه يأتي في ظل إدمان السوريين على الخيبة من كل المؤتمرات، إذ يبدو وكأنهم ملوا انتظار غودو/ الحل الذي لا يأتي.

البعض يرى أن عدم اهتمام السوريين بالمؤتمر كما اهتموا سابقا بمؤتمر جنيف2 مثلا، يعود إلى كون الطرف الداعي هو موسكو التي يعتبرها السوريون شريكة في سفك الدم السوري إلى جانب النظام، مما جعلهم ضمنا لا ينتظرون أي أمل، وهو ما عبر عنه المحامي السوري "ميشيل شماس" إذ كتب تحت عنوان "موسكو الخصم والحكم: "كيف يمكن لطرف متورط في الأزمة السورية أن يتحول فجأة إلى حكم بين الأطراف المتحاربة في سوريا ..؟ كان يمكن لموسكو أن تكون حكماً لحل القضية السورية، لكن انغماسها كطرف منضم لأحد الأطراف يجعلها حكماً غير صالحاً بين الأطراف السورية المتنازعة.. على موسكو إذا أرادت فعلا أن تساهم في حل القضية السورية أن تقف على مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع"، وهو ما يبدو أن الذين المعارضين الذين قبلوا حضور المؤتمر قد اكتشفوه حيث قال الباحث "سلام الكواكبي" ساخرا منهم: "اكتشف من ارتضى المشاركة، كحامل الشمعدان (تعبير فرنسي غير لائق)، في مسرحية موسكو بقيام الروس بتبني الموقف الرسمي السوري. فوجئتم موووو؟".

متظاهرون يرفعون لافتة ساخرة ضد الذاهبين إلى موسكو في مدينة الأتارب. المصدر: صفحة فريق دمشق الإخباري على الفيسبوك
متظاهرون يرفعون لافتة ساخرة ضد الذاهبين إلى موسكو في مدينة الأتارب. المصدر: صفحة فريق دمشق الإخباري على الفيسبوك

هذا الرأي كان له ما يعارضه رغم ذلك، إذ دافع المترجم "ثائر ديب" عن الذاهبين إلى مؤتمر موسكو بوجه من يخونهم، حيث قال: "وذلك بصرف النظر عن حجم الآمال المعقودة على موسكو. تفضلوا إلى هناك وقولوا لنا وللعالم وللنظام المتوحش شو وجعكم وكل ما تريدون"، وهو ما يبدو أن هيئة التنسيق الوطنية أنصتت له إذ قال الناطق الإعلامي باسمها منذر خدام: " ليس لدى الهيئة رهانات كبيرة على لقاء موسكو ....ونحن نعلم أن النظام كان يحاول بصورة ممنهجة دفع المعارضة الوطنية، وبالدرجة الأولى هيئة التنسيق الوطنية إلى اتخاذ القرار الخاطئ من خلال تصريحات قادته الاستفزازية حتى يفوت عليها فرصة تعرية عدم جديته في البحث عن حلول سياسية خصوصاً أمام مناصريه وحلفائه. مرة أخرى أقول لقد اتخذت الهيئة القرار الصعب لكنه الصائب. لقد أنصتت جيداً لمعاناة السوريين واسترشدت بمصالح سورية وشعبها"، وهو أمر جعل الكثيرون يختلفون فيه مع الهيئة لأنها اعترضت على صيغة موسكو ثم عادت وشاركت بعد تهديد "لافروف" بأن المؤتمر سيعقد بمن حضر، الأمر الذي فسره البعض رضوخا فيما اعتبرته الهيئة حنكة سياسية، الأمر الذي عرضها لانتقادات حادة.

البعض رأى أن المعاناة السورية يجب أن تدفع الجميع للبحث عن حل، ولهذا تأتي المشاركة هنا واجبا وطنيا، حيث قال السجين السابق "محمد الصالح" منتقدا موقف الائتلاف الوطني من عدم الحضور: "تصريح من الائتلاف: كل من يذهب إلى موسكو يعتبر مفصولا من الائتلاف. تصريح مني: كل من لا يعمل لأجل سوريا وأهلها مفصول من وجدان أهل سوريا. من لا يشعر بألم السوريين وبردهم ومعتقليهم وشهدائهم والدم النازف وأطفالهم لا يمكن أن يكون سوريا حقا, لا تكفيني الكلمات والعواطف إنها لا تحمي طفلا من البرد"، في حين قال الكاتب "ميخائيل سعد": "أنا المعارض السوري ميخائيل سعد أعلن عن استعدادي للجلوس مع وفد نظام الأسد، مهما كان سافلا ومنحطا، في أي مكان في العام، دون شروط مسبقة إلا شرط بسيط، هو: إطلاق سراح جميع المعتقلين من سجونه".

لوحة يرفعها مواطنون من مدينة كفرنبل ضد مؤتمر موسكو. المصدر: صفحة الناشط والإعلامي رائد الفارس على الفيسبوك
لوحة يرفعها مواطنون من مدينة كفرنبل ضد مؤتمر موسكو. المصدر: صفحة الناشط والإعلامي رائد الفارس على الفيسبوك

في حين دافع البعض الآخر عن حضور المؤتمر عبر القول أن التفاوض أو الحوار يبقى أفضل من السلاح، إذ قال "خدام" أن " الهيئة "ذهبت إلى موسكو وهي تدرك جيداً أن الكلمة الحرة المسؤولة الصادقة أقوى من الرصاص على النظام فهي تعريه من ديماغوجيته...الرصاص يؤمن له شركاء في لعبة الموت"، في حين قال المعارضة "ابراهيم معروف": "يخطئ من يظن أن قرار الحل، بالنسبة لما يجري في بلدنا، هو عند من يحمل ويستخدم السلاح".

المؤتمر الذي كان فاشلا عموما جراء انسحاب أغلب الشخصيات منه بما في ذلك تلك المحسوبة على موسكو، كان مثار جدل وسخرية لدى سوريين آخرين، خاصة أن تصريحات النظام وتصرفاته لم تتغير، الأمر الذي وضع المعارضين في موقف حرج، خاصة أن النظام اعتقل المعارض المعتدل "لؤي حسين" الذي قاطع تياره المؤتمر لترد المستشارة الإعلامية والسياسية للنظام "بثينة شعبان" أنه لا يوجد معتقلين سياسيين في سوريا وأن حسين أوقف على خلفية جنائية، الأمر الذي دفع الفنان السوري "عبد الحكيم قطيفان" للقول: "للمبخرين والمطبلين للقاء موسكو. الحيزبون الشمطاء بثينة شعبان تؤكد :لا يوجد في سوريا معتقلين سياسيين بل سجناء جنائيين....! وياريت ايعاملوهن كجنائيين".

السخرية الأكبر كانت من الأسماء التي دعتها موسكو تحت اسم المعارضة وهي عمليا جزء من النظام مثل "قدري جميل" و "مجد نيازي" التي كانت مثار سخرية السوريين، حيث قالت الكاتبة رشا عباس: "كأنّو بعض الرفاق عم يسخروا من أنّو الفنّانة التشكيلية والأنثى المتمرّدة نيازى رايحة كمعارضة على موسكو؟ ما بيصير هيك يا جماعة، هي ياما منتقدة وبشكل صريح ولاذع تجاوزات المسؤولين وحكومة الحلقي ووزير النقل، وسبق وتلقّت إزعاجات بسبب ضميرها الحيّ وقام بعض الإخوة الشبيحة مشكورين بتنبيها أنو ما بيصير تقول (وفد النظام) فصارت تقول (وفد الحكومة). هلأ هاد كلو عادي، بس الغريب أنو في ناس بتتحمس وبتجي لتمدحا فبتكتبلا (أنت بحقّ لبوة سورية) وهيك بيضل التعليق عادي".

لوحة بعنوان الطريق إلى موسكو. المصدر: الصفحة الفنية للفنان عبد الكريم عبد الكريم على الفيسبوك
لوحة بعنوان الطريق إلى موسكو. المصدر: الصفحة الفنية للفنان عبد الكريم عبد الكريم على الفيسبوك

الفن التشكيلي كان ساخرا ومعارضا لموسكو على طول الخط، حيث رسم الفنان السوري "موفق قات" مجموعة من الكاريكاتيرات الساخرة من موسكو، أولها يظهر خريطة سورية مسجونة في قفص بينما مفاتيح المؤتمرات المضللة تمتد إليها على هيئة موسكو وجنيف ومدريد والقاهرة، وثانيها يبين سلم صاعد إلى اللاشيء وكتب عليه: جنيف1، جنيف2، موسكو1، وثالثها يظهر الدكتاتور عاريا وهو يمد يده إلى خزانته حيث تظهر ورقة توت، كناية عن كون المؤتمر يأتي لإنقاذ الأسد بعد أن خسر كل أوراقه، وهي الفكرة التي عبر عنها الفنان "أحمد جلل" حين أظهر بوتين والخامنئي يرمون بحبل نجاة للدكتاتور الغارق.

فنانو كفرنبل كان لهم رأيهم أيضا، حيث عبروا عن رأيهم في المؤتمر من خلال ديك له هيئة الرئيس بوتين وهو يبيض خراء! في حين رفع ثوار مدينة الباب لافتة كتب عليها: " إلى الذاهبين إلى موسكو لا يخرج من صلب القرد غزال".

في حصيلة الأمر لم يقدم المؤتمر أي شيء يذكر على الصعيد العملي وكأنه لم يحصل أساسا، في حين أنه على الصعيد النظري أعاد الاهتمام جزئيا بالملف السوري سياسيا، وبيّن أنّ موسكو فقدت نهائيا إمكانية أن تكون طرفا محايدا فيما يحصل في سوريا، لتخسر بذلك ما تبقى لها من "أصدقاء" في سوريا.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد