علمنا بمواجهة أعلامهم: محاولة لاستعادة ألق الثورة في حلب


05 كانون الأول 2014

"رسالتنا أن علم الثورة يمثلنا ويجمعنا ويوحدنا وهو رمز مقدس".هذا ما يقوله ناشطون مدنيون من مدينة حلب، خلال حملة "علمنا" التي نظمت في المناطق التي انحسر عنها النظام السوري

للوهلة الأولى يبدو الأمر أقرب للخرافة، وسط كثرة الشقاق والفوضى والتجاذبات وصعوبة العمل المدني وانتشار التطرف و"تعدد التنظيمات المسلحة، متعددة الولاءات وأصحاب مشاريع تتعارض مع فكرة علم الثورة، وفكرة سوريا كوطن للسوريين" حيث تسود "لغة السلاح بدل الحوار والنقاش، في ظل فوضى أمنية تساعد أي شخص أو مجموعة على خطف أي ناشط مدني وتغييبه القسري، وخاصة في حلب التي تعاني من فوضى أمنية بشكل واسع" كما يعترف القائمون بالحملة أنفسهم، دون أن يكون ذلك مثبطا لهم، بل محفزا إلى درجة أن الحملة جاءت في أحد تجلياتها لترد على ذلك وتتحداه بكثير من العناد.

هذا الواقع دفع النشطاء العاملين في مجال تفعيل المجتمع المدني، وتطبيق برامج العدالة الانتقالية لأن "نفكر في حملة ضرورية وملحة في الوقت الحالي ..جرى اقتراح عدة حملات وصوتنا على حملة "علمنا"، كوننا بأمس الحاجة لإحياء وإعادة الرمز الوطني المدني الذي يوحد جميع السوريين، بعيداً عن المشاريع المتفرقة والمتحزبة التي تفرق السوريين" كما يقول أحد النشطاء لـ "حكاية ما انحكت".

الفريق الذي تدرب جيدا على كيفية "إعداد حملات المناصرة وتنظيم الوعي المجتمعي في تركيا" وضع خبرته تلك في الميدان، مستفيدا من تجربة شهور طويلة من العراك مع النظام المستبد، لتقام الحملة اليوم على أسس علمية بعيدا عن الارتجال من خلال دراسة البيئة والواقع الذي سيتم العمل به ودراسة الاستراتيجية والتكتيكات والأنشطة والصعوبات والمخاطر وتقسيم العمل، حيث كان هناك "فريق ميداني (مكون من ستة أشخاص) على الأرض يقوم بالأنشطة والأعمال الميدانية، ومنسق للفريق مسؤول عن التواصل والتنسيق مع الجهة الراعية للحملة، وفريق إعلامي مكون من شخصين في تركيا مهمتهم الجانب الإعلامي للحملة وإعداد المواد الإعلامية بحرفية عالية".

قبل البدء بالعمل نسق الفريق أيضا مع كتائب تابعة للجيش الحر ومع مجموعات مدنية أخرى تعمل على الأرض مثل "تجمع ثوار صلاح الدين" و "مجلس ثوار بستان القصر" ونشطاء مستقلون، الأمر الذي جعل منهم قوة كبرى وسط بحر من المخاطر التي يعلمون في ظلها، حيث عرفوا كيف يتعاملون مع البيئات المحلية، سواء كانت مسلحة أم أهلية، من خلال إقامة "ندوات توعوية وتعريفية ( للعناصر المسلحة المؤمنة بدولة مدنية) بقيمة علم الثورة، ومساعدتهم على تحقيق هدف الحملة من خلال إهدائهم أعلام الثورة في مكاتبهم، وكـ لوغو لمعظم سياراتهم ومنشوراتهم، وكان التنسيق معهم يهدف أيضا لتفادي العنف المتوقع من أطراف معارضة أخرى قد لا تروق لها فكرة حملتنا" ساعين لبناء أرضية مشتركة من المفاهيم والقيم مع المجتمع المحلي.

ناشطتان تقومان ببخ العلم على أحد جدران مدينة حلب. المصدر: مؤسسة اليوم التالي
ناشطان يقومان ببخ العلم على أحد جدران مدينة حلب. المصدر: مؤسسة اليوم التالي

بعد ذلك انطلق الشباب في الشوارع والحارات وقاموا برسم العلم على جدران الأماكن العامة، وقاموا بتوزيع بوسترات وبعض المواد المرسوم عليها علم الثورة، وسط عوائق كثيرة قابلت نشاطهم رغم كل شبكات الأمان التي نسجوها نسبيا تجلى أبرزها اجتماعيا "ببعض ردود الفعل الرافضة أو غير المتعاونة، إما بسبب الخوف في ظل سيطرة فصائل مسلحة على المناطق التي نعمل بها، سواء من جيش حر أو تنظيمات متطرفة، أو بسبب مفاهيم خاطئة عن علم الثورة على أنه علم الانتداب الفرنسي" عدا عن كون "العقل أو الذاكرة الجمعية للسوريين وخاصة فئات الشباب، لا تحتوي على صورة ذهنية أو وطنية للعلم الوطني، بسبب اضمحلال قيمة ورمزية العلم مقابل صورة "القائد الرمز"، ما أدى لتكوين فكرة سلبية عن العلم الذي كان يطبع معه صورة الديكتاتور حافظ وابنه. وهو ما حاولت الحملة جاهدة تغييره، لاستعادة قيمة علم الوطن" الأمر الذي جعل منها حملة ذات طابع توعوي، إضافة إلى كون "الهاجس الأمني لا يفارق تفكير كل الفريق ويبقى الصعوبة الأكبر لحملتنا" لأنه إذا كان عنف بعض الفصائل العسكرية يمكن تفاديه من خلال التنسيق مع بعض الكتائب والنشطاء في المنطقة فإن "عنف النظام يمكن أن يطالنا بالقصف المدفعي والجوي الممنهج الذي يطال كل السوريين، وهو ما لا يمكن الجزم بالقدرة على تجنبه، إلا أننا نحاول الحذر دوماً والعمل على أمننا الشخصي".

الدعم الذي قدمته مؤسسة اليوم التالي للحملة ماليا ذلل الكثير من الصعاب، دون أن يلغيها، حيث وجد الفريق صعوبة بتأمين بعض المواد الخاصة بالحملة والضرورية، كالمطبوعات الورقية (بوسترات – بروشورات ) بسبب "عدم وجود مطابع احترافية في المناطق المحررة في حلب" كما يقولون لـ "حكاية ما انحكت" إضافة إلى "صعوبة بتأمين بعض المواد الأخرى (أعلام – عينات تحتوي على علم الثورة كالأساور والهدايا المحانية)، مضافا لها سوء الاتصالات في المناطق المحررة، وصعوبة تأمين الكهرباء والإنترنت".

أن يفكر ناشطون مدنيون اليوم بالعمل على تفصيل رمزي صغير ذي معنى كبير بالنسب لهم، في ظل التحولات الكبرى التي تعيشها سوريا اليوم، وفي ظل الصعوبات أمر يشرح سرّ الإرادات الكامنة في سوريا والمصممة على متابعة طريقها رغم شيء، خاصة أنهم مدركون طول دربهم، إذ يأملون "أن تكون حملتنا خطوة في بداية الطريق يمكن تعزيزها واستكمالها لاحقا"، ناهيك عن كون الحملة بأحد معانيها موّجهة ضد التطرف الذي دخل الثورة من أحد أبوابها ويحاول ابتلاعها عبر وأد الرمز المعبر عنها، فيأتي هؤلاء الشبان ليقولوا "لا" في وجه التطرف والنظام في آن.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد