مسرح ينتقد دكاكين الثورة من خنادقها


25 تشرين الأول 2014

قد تكون مسرحية "دكاكين" التي عرضتها فرقة "طريق الخبز" في مدينة حلب، اختصارا مكثّفا لحال الثورة السورية اليوم، ليس على صعيد العرض فحسب، بل على صعيد حكاية المسرحية والمكان الذي عرضت فيه، والذي يكاد يكون مسرحية موازية تحضن الأولى وترتقي بها لتقديم فهم أوسع و أشمل لتعقيدات الثورة اليوم، ناهيك عن كونها حكاية مقاومة اتخذت من الإبداع منطلقا لتنتقد الثورة وترتقي بها لتجاوز أخطائها، فجاءت ظروف ومكان عرضها والمصاعب التي حدثت لتنفتح على حكاية أخرى موازية، تقول بأن ثمة يبدع ويتجذر في هذه الأرض مدافعا عن أحلامه.

إن اختيار الجزء الخارج من سيطرة النظام في مدينة حلب، والذي يخضع لحرب يومية لا تتوقف بما يعني ذلك من وجود القصف والمعارك  والموت، ليكون مكانا لعرض المسرحية، يشي بحجم المغامرة والجنون والمقاومة التي خاضها هؤلاء، الأمر الذي يطرح سؤالا: ما هو الشيء الذي يستحق أن يضع هؤلاء الشبان أراوحهم في فوهة الموت لأجله؟

إنها الثورة التي تعيش مأزقها اليوم، حيث "بدأت تتداول كلمة دكاكين بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي تعبيرا عما وصلت له الثورة في سوريا. فكل من هبّ ودبّ أصبح يملك أو يدير مكتباً و مؤسسة هدفها الرئيسي جلب الدعم بحجة دعم الثورة في سوريا، وفي الحقيقة هي لمصالح شخصية. حينها شعرت أن كلمة دكاكين هي المعبّرة تماما عن حالنا"، الأمر الذي دفعهم لإعلاء الصوت ضد هذه الدكاكين في عملهم، ليكونوا عينا نقدية من جهة، ولأن "ثورة لا تنتج فكر لا يمكن لها أن تستمر ولا تستحق أن تستمر" من جهة ثانية، كما يقول أحد أعضاء الفرقة لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold"، ناهيك عن سعيها لإبقاء جوهر الثورة حيا في أذهان الناس، في الوقت الذي تضغط فيه الحرب على كل شيء لتنسي الناس أنهم خرجوا لأجل ثورة تطالب بالحرية والعدالة.

ملصق دعائي لمسرحية دكاكين لفرقة طريق الخبز ... المصدر صفحة فرقة طريق الخبز على الفيس بوك
ملصق دعائي لمسرحية دكاكين لفرقة طريق الخبز ... المصدر صفحة فرقة طريق الخبز على الفيس بوك

من هنا تحكي المسرحية قصة هذه الدكاكين الثورية، مسلّطة الضوء على خمس منها "إغاثي – تعليمي – إعلامي – سياسي – عسكري"، إذ انتقل أصحابها من تأييد النظام إلى ضفة المعارضة بين ليلة وضحاها، مغيرين ولاءاتهم حسب المال، ليفتكوا في جسد الثورة، حيث تعبّر "شخصية الشيطان عن المال والسلطة والنفوذ المسيطر على الوضع الدولي، والذي أخذ بمرور الوقت يؤثر ثم يتحكم بالثورة. ويوجد دور المتظاهر والملثم اللذان يجسدان ضمير الثورة المصابة بالوهن والتعب".

 وهؤلاء هم أنفسهم أصحاب العرض، لأننا إذا خرجنا من العرض الأصغر ( المسرحية) إلى العرض الأكبر: مكان العرض والظروف التي عمل بها الشباب تحت خطر الموت المباشر، فسندرك أن الفن هنا ذو رسالة مقاومة تلتحم بالموت الذي كان حاضرا في كل لحظة، إلى درجة أن فريق العمل اضطر أن يكون "لكل شخصية بديل لها، فكان لكل دور ممثلّين، ففي حال وفاة أو إصابة أحد الممثلين يتم فورا الاستعانة بالبديل حتى المخرج كان له بديل. كانت البروفا في مكان ما في مدينة حلب حفاظا على حياة الفريق.. حاولنا قدر الإمكان أن يكون سرّيا لم نتعرض لأي مضايقة من أي جهة، بل كان هناك مساعدة لوجستية من بعض الفصائل لتأمين المكان".

وخصص القائمون على العرض الذين بلغ عددهم 14 ممثل وخمسة مصوّرين وفني الصوت والإضاءة، عرضا خاصا "للقادة العسكريين"، فتحوّل يوم العرض إلى يوم "متعب جدا فيه الكثير من التوتر لدى الجميع خشية استهداف مكان العرض"، خاصة أن يوم العرض ترافق مع استهداف أحد قادة الكتائب.

صورة لمشهد من مسرحية دكاكين لفرقة طريق الخبز ... المصدر صفحة فرقة طريق الخبز على الفيس بوك
صورة لمشهد من مسرحية دكاكين لفرقة طريق الخبز ... المصدر صفحة فرقة طريق الخبز على الفيس بوك

رغم الصعوبات والموت كان فريق العمل يشعر بالرضى حين يرى الجمهور يضحك "في بعض الفقرات، ولكن عند خروجهم من الصالة كانت عيونهم تدمع نتيجة لما وصلت له الثورة في سوريا"، ولهذا تأتي رسالتهم لتدافع عما بقي من الثورة، ولهذا هم اليوم أكثر تصميما على متابعة الطريق، محضّرين لعملهم الجديد الذي سيقدم أيضا في مدينة حلب بعد ثلاثة أشهر.

الفريق الذي موّل مسرحيته من "تبرعات فردية من الأصدقاء والمعارف بالإضافة لتبرعات بعض التجار المحليين ببعض المواد" لم يكتف بنقد الثورة فحسب، بل وصل حد نقد المسرحية ذاتها،  حيث قال أحدهم لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold": "العمل كقيمة فنية لم يتجاوز نسبة الأربعين بالمئة. السبب أنّ النص وصفي فقد وصف حال الثورة ولم يكن في النص دراما وصراع. حاولت التحايل على نقطة الضعف هذه باستخدام الكوميديا والفنتازيا والتراجيديا حتى يتقبّلها الجمهور وأعتقد أننا وفقنا بهذا، ولكن يبقى النص فاقدا لركيزته الأساسية". من هنا فإن أهمية العرض تكمن في حدة النقد الذي طال كل شيء أولا، وفي حكاية الشباب الذي يقاومون وسط الموت ليقدموا مسرحا متشبثا بمدينتهم في الوقت الذي يهرب فيه الآخرون من البلد، آملين أن  "نكون البداية لفرق أخرى داخل وخارج سوريا".

نقد لم يتوقف هنا أيضا، بل وجه رسالة مضمرة إلى كل السلطات والكتائب من خلال اللافتات التي كتبت على خشبة المسرح وجدرانه، ولعل عبارة " إن أي نظام يخشى من أي عمل إبداعي هو نظام .. لا يستحق الاستمرار"، وكأنهم يقولون للجميع: ثرنا على المستبد لأنه قمع حريتنا وكلمتنا ولن نسمح لأحد أن يفعل ذلك مجددا.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد