كيف نحمي الآثار السورية؟


30 تشرين الأول 2014

لم يكن أحد من السوريين يدري بأنّ هذا الحلم سيتحوّل إلى كابوس عندما بدأت تحركات مناهضة للنظام قبل ما يزيد على ثلاثة أعوام. كابوس يبدو أنّ لا نهاية له. تراجيديا الواقع هذه انعكست على تفاصيل حياة ملايين السوريين و على الرقم الذي يظهر كحصيلة ضحاياهم اليومية. إلا أنّ من الحيوات المعاشة هناك على الحدود التركية السورية ما لا يمكن تخيّل حد مأساويته. فالأزمة أو الثورة أو الانتكاسة السورية – سمّها ما شئت- ألقت بظلالها على آثار عمرها آلاف السنين عندما بدأت عمليات الاتجار بتلك الآثار تزداد طرداً مع ازدياد الفوضى الحاصلة على الأراضي السورية و استيلاء داعش على جزء كبير من مناطق سوريا الشمالية على وجه الخصوص.

يتراءى للفرد السوري العادي أنّ لا شيء يمكن القيام به في مواجهة هذا الطوفان الذي يكاد يغمر سوريا، خاصة فيما يتعلّق بقضية الاتجار بالآثار تلك، لا سيما بعد أن وصلت الظروف الميدانية هناك إلى أسوأ أحوالها. إلا أنّ نوراً يبدو أنّه يكاد يفتح أعيننا على شيء ما باتجاه معالجة هذه القضية قانونياً.

"شيخموس علي" الباحث في علوم الآثار في جامعة ستراسبورغ، يقرّر بعد كل ما تواتر إليه من معلومات حول ضياع الآثار السورية بين جيوب تجار الحروب أنّ يفعل شيئا ما، فيهم بإنشاء جمعية حماية الآثار السورية . جمعية تعتمد على مجموعة من الشبان في سوريا، لكلّ منهم وظيفة محددة في تسجيل الانتهاكات التي تمس الآثار في مناطقهم. توّزع الجمعية كاميرات على شكل أقلام تفادياً لحدوث أيّ إشكال متوقع و رغبة في حماية الفرد المتطوّع للتصوير.

و يقوم أحد الشبان المكلّفين بتوثيق الانتهاكات المتعلّقة بالآثار السورية بتصوير ما يحدث في المساجد الأثرية و القلاع التي تعود للحقبة الصليبية، إضافة إلى مجموعة المتاحف المتخمة بالكنوز الحجرية القديمة باستخدام كاميرا مثبتة داخل قلم كي يصعب اكتشافه. كما ينوي تصوير طرق التهريب المستخدمة لدى تجار الآثار في المستقبل القريب .

ويعتبر "شيخموس" أنّ المجتمع الدولي المهتم بالآثار في سوريا لن يصمت على تلك الجرائم، وذلك يرجع لعدة أسباب أهمها أنّ بعضاً من تلك الآثار يعود إلى 8 آلاف عام، وما تحمله هذه المنطقة من قيمة حضارية كبيرة لا يستهان بها. فكان التقرير الذي أصدره المجلس الدولي للمتاحف مبيّنا لكلّ الآثار الواقعة تحت تهديد السرقة أو الضرر في سوريا.

و لعلّ أهم ما جاء في ذلك التقرير هو الجانب القانوني الوارد في بدايته و الذي يقول بأنّ الموروث الحضاري السوري محمي من قوانين محلية و دولية عديدة، ذاكراً إياها نصاً و رقماً، الأمر الذي يجعل ملاحقة المنتهكين لتلك القوانين سهلاً نظرا لشح المعلومات حول آلية التعاطي مع القانون الدولي من قبل المحامين المحليين في سوريا أو للمراقبين من أفراد و الذين لا صفة قانونية لهم.

كما قامت "الأونيسكو" بتمويل من الاتحاد الأوروبي بإطلاق العديد من المشاريع لحماية التراث السوري الذي تتم سرقته بشكل ممنهج، أهمها كان مشروع يقضي بالتحرّك لحماية الآثار السورية بشكل طارئ واضعين آليات عديدة و عملية من أجل تفعيل عملية الحفاظ على ما تبّقى من آثار و المساعدة في الكشف عما تمّت سرقته أو تدميره و ملاحقة مرتكبي جريمة الاتجار بالآثار بطرق غير مشروعة و محاسبتهم أمام القانون الدولي.

على الصعيد الشخصي، يستطيع المواطن السوري العادي تسجيل الانتهاكات بطرق عديدة أهمها التصوير أو التسجيل الصوتي أو حتى بكونه شاهدا على أحداث جرت أمامه فيما يتعلق بالاتجار بالآثار، ليصار إلى إحالة ملفات السرقات إلى المحاكم الدولية عند اكتمال الملف المعني.

ثمّة محاولات فردية عديدة من مواطنين سوريين و من مجتمع دولي قائمة للحفاظ على ما أمكن مما تبقى من التراث السوري و آثاره بكل الطرق الممكنة. إلا أنّ غياب الإرادة السياسية من القائمين على هذه الحرب المستعرة و اختلاف أولوياتهم وإهمالهم لهذه الثروات الحضارية القديمة بالإضافة إلى جشع تجار الحروب و المستفيدين من استمرارها في سوريا على وجه التحديد سيصعّب من عملية الحفاظ على الآثار السورية كما هي، بل سيقودنا إلى مآلات يصعب عندها الحديث عن وسائل فعالة لجمع ما تم توزيعه من آثار منطقة الرافدين و المتوّسط في أرجاء العالم عبر الإتجار الممنهج.

يتصوّر المحللون الآركيولوجيون المهتمون بالآثار في منطقة الرافدين و المتوسط بأنّه لا بد من القيام بالعديد من الخطوات الفعالة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك الآثار و التي إن لم يتم التحرك لأجلها، فسيؤدي ذلك إلى ضياع فترة زمنية كبيرة تمتد منذ عصرالنيوليت الأوسط (8000/7000 قبل الميلاد).

إنّ تطوّرات الأوضاع الميدانية في سوريا و العراق دفعت المتخصصين الدوليين إلى وضع آليات ميدانية و قانونية تحد من انتشار ظاهرة الاتجار بالآثار في المنطقة، كما و أنهم سيعملون على ملاحقة التجار قانونيا في محكمة العدل الدولية لوجود اتفاقيات عالمية تساندهم في مسعاهم هذا. إلا أنّهم يعلمون جيداً بأنّ مثل تلك الآليات قد لا تكون مجدية، سيما أنّ الحدود التركية السورية باتت مفتوحة بشكل كامل لكل أنواع التحركات ابتداءاً بعمليات دخول و خروج المقاتلين المسلحين، و ليس انتهاءاً بتهريب الآثار بدون وجود ضابط أو رادع ما.

يذهب بعضهم الآخر لاتهام أفراد من السلطات التركية و السورية على حدّ سواء لتساهلهم باتخاذ إجراءات قانونية و ميدانية تمنع مثل تلك العمليات، بل و لربما ذهبوا أبعد من ذلك ليصلوا إلى حد اتهام أفراد السلطتين بتسهيل مهمة التهريب تلك في مقابل حصولهم على مردود مادي معيّن بحسب نوع المادة التي يتم تهريبها و أهميتها.

لعل توثيق الانتهاكات المتعلّقة بالآثار في المنطقة عن طريق مبعوثين دوليين باتت من الصعوبة حداً كبيراً، سيّما أنّ عملية التوثيق تلك قد تودي بحياتهم. و بالرغم من وجود مساعي فردية لمواطنين سوريين كثر في تعويض فراغ الخبرات العالمية في التوثيق، إلا أنّها تشتمل على صعوبات كبيرة منها، أنّ المواطن السوري لا يملك الخبرة الكافية في الآلية الصحيحة لجمع المعلومات الكافية ليصار إلى إدانة الأفراد المشاركين بعملية الاتجار الموّثقة، كما و أنهم في حال التوثيق الكافي سيحتاجون إلى وسائل آمنة و سرّية لنقل المعلومات التي حصلوا عليها، بالإضافة إلى وجود خطر على حياتهم في إفصاحهم عن هوياتهم الحقيقية عند تقديم الملفات و خلال عملية التوثيق أيضاً.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد