خطة إعادة الإعمار: قرار سياسي أم؟


11 تشرين الأول 2014

 

في العادة تأتي مرحلة إعادة الإعمار بعد مرحلة كثر فيها الخراب والدمار، وخاصة بعد حروب داخلية أو اجتياح خارجي. يشمل الدمار عادة البنى التحتية كما الممتلكات العامة والخاصة وقطاعات الإنتاج. ويصل التدمير الممنهج في بعض الحروب إلى تدمير القدرات البشرية المتطوّرة خصوصاً.

في سوريا للآن لا توجد دراسات دقيقة ومتكاملة عن حجم الدمار وتكلفة إعادة إعمارها، نظراً لاستمرار العمليات العسكرية من جهة وتعدد أشكال وأسباب الدمار من جهة أخرى، وكل ما يجري تداوله هو تقديرات لناشطين أو هيئات سياسية أو هيئات ذات مصلحة لتحقيق أهداف بعينها.

غير أن الأحداث تشير إلى أن هناك 9 محافظات بمدنها وأريافها تعرضت للدمار من أصل 14 محافظة في سوريا. وتتفاوت نسبة الدمار بين محافظة وأخرى، فضلاً عن اختلاف شكله. ففي حلب على وجه التحديد، فإن الدمار أكثر ما طال في البداية البنية الصناعية في المدينة والذي تشير الخسائر فيها إلى أكثر من 15 مليار دولار، غير أن تعرّض المدينة في الفترات الأخيرة للدمار بواسطة البراميل المتفجرة والذي طال بيوت المدنيين، جعل من هذه التقديرات غير واقعية وغير منطقية، ليجري الحديث عن خسائر تتجاوز الخمسين مليار دولار في حلب وحدها.

ومن جهة ثانية، يعتمد البعض في تقديراته لتكاليف إعادة الإعمار على عدد اللاجئين والنازحين السوريين جراء الأزمة الحالية، والتي تشير أرقامها إلى وجود أكثر من 7 ملايين لاجئ ونازح بينهم نحو 4 ملايين في الدول المجاورة وعلى رأسها تركيا والأردن ولبنان.

ويفترض أصحاب هذه النظرية أن أغلب هؤلاء اللاجئين والنازحين هم ممّن فقدوا منازلهم بالكامل، لذلك يضعون تقديراتهم بناءّ على أرقام تتحدث عن دمار 4 ملايين منزل وما تتطلّبه من تكاليف إعادة إعمار قد تصل إلى أكثر من 150 مليار دولار.

ومع ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه التقديرات نظراً لأن ليس كل مَن غادروا مكان إقامتهم هم ممّن فقدوا منازلهم، فهناك هجرات حدثت لأسباب أمنية وبحثاً عن النجاة من الموت.

وبحسب إحصائيات لناشطين ومهتمين، فإن أكثر من 20 مستشفى كبير تعرضت للدمار بشكل كامل ومثلها لدمار جزئي، بالإضافة إلى تعرّض أكثر من 500 مدرسة للدمار الكامل وأكثر منها إلى الدمار الجزئي أيضاً، وأما بالنسبة لبيوت المدنيين، فإن هناك أحياءً بكاملها في حلب وحمص وريف دمشق ودرعا وإدلب ودير الزور قد دمرت بالكامل، وفي بعض هذه المحافظات مثل حلب ودير الزور، يشير الناشطون إلى أن نسبة الدمار في بيوتها بما في ذلك الأرياف قد تصل إلى نحو 40%.

وتحتاج مرحلة إعادة الإعمار إلى قرار سياسي من القوة الحاكمة، داخلية كانت أم خارجية. فقرار إعادة الإعمار في الإتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الأولى، كما بعد الحرب العالمية الثانية، كان قراراً داخلياً في إطار الحصار الخارجي من مراكز النظام الرأسمالي العالمي، وبالتالي كانت إعادة الإعمار تعتمد على الموارد المادية والبشرية المتاحة داخلياً فقط. أما إعادة بناء إلمانيا الغربية وكوريا الجنوبية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فكان قراراً من المحتل الأميركي لدواعي استراتيجية أميركية في إطار الصراع ضد المعسكر الاشتراكي.

وتقرّر القوة الحاكمة بشكل أساسي، سياسات إعادة الإعمار. وتعني هذه السياسات تحديد الأهداف النهائية والوسيطة لإعادة الإعمار، كما وسائل إعادة الإعمار ومصادر التمويل المتاحة الداخلية والخارجية.

وتختلف استهدافات إعادة الإعمار باختلاف مصالح القوى الحاكمة أو المسيطرة ، والفلسفات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها، كما باختلاف الظروف التاريخية " الجيوستراتيجية " للدول المعنية. فقد استهدفت النازية مثلاً إعادة بناء "القوة " الألمانية، واستعادة مجد ألمانيا. واستهدفت الحكومة اللبنانية استعادة دور لبنان الاقتصادي البائد، كمنتج للخدمات التي يحتاجها المحيط العربي، بعد متغيرات الداخل والمحيط التي أطاحت بهذا الدور. وتستهدف تجارب أخرى زيادة ربحية المصارف والتجار، ولو على حساب الدول والشعوب. وربما كان استهداف الإنسان، وتحقيق أمنه ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هو الهدف النهائي لحكم يمثل إرادة الشعب ويتمتع باستقلال حقيقي عن الهيمنة الخارجية. وبالتالي يتم وضع الأهداف الوسيطة لخدمة هذا الهدف النهائي وحشد كل الإمكانات المتاحة، الداخلية والخارجية لتحقيقه، وهذا ما سنفترضه في خطة إعادة الإعمار المطلوبة.

ويعتمد نجاح خطة إعادة الإعمار على التقدير الصحيح للموارد المادية والبشرية المتاحة وتنميتها خلال الخطة، وعلى بناء المؤسسات الإدارية التنفيذية القادرة على تجنيد الموارد واستعمالها بكفاءة، وعلى تطوير القوانين والتشريعات التي لا تعيق تنفيذ الأعمال، وتضمن الشفافية والمحاسبة للحد من هدر الإمكانات وكبح الفساد. فحكم القانون، وإشاعة الديمقراطية الحقيقية، واستقلالية القضاء، واستقلالية أجهزة الرقابة والمحاسبة عن السلطة التنفيذية تمثل المقومات الأساسية لإعادة الإعمار الناجح. كما تلعب الصحافة غير المأجورة أو التابعة دوراً أساسياً في الرقابة الشعبية وتعميم الشفافية والحد من الإعاقات البيروقراطية وتسريع المعاملات وتفادي الرشوة والفساد. ولكننا سنتجاوز هذه الأمور المهمة والحاسمة في إنجاح إعادة البناء، لنركز بحثنا على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، في هذه العجالة.

1 - تأهيل القوى العاملة:

يشكل تأهيل القوى العاملة وتشغيلها الهدف الوسيط الأول في مشاريع إعادة الإعمار. وتحتاج هذه المرحلة إلى تجنيد كل الطاقات البشرية المتوّفرة وتشغيلها في نشاطات منتجة. والبطالة، لأي فئة من القوى العاملة، هي هدر للإمكانيات البشرية ، وهي " مفسدة " لهذه الطاقات. فحيث ترتفع معدلات البطالة يتوّسع نطاق الفقر ويتعمّق، وتكثر الجرائم والتعديات على حقوق الغير، ويضطرب الأمن وتنمو ظواهر القلق الاجتماعي.

2- رفع معدلات النمو الاقتصادي:

يمثل رفع معدلات النمو الاقتصادي أحد الأهداف الوسيطة الأساسية في خطة إعادة الإعمار، أي زيادة القيمة المضافة على الصعيد الوطني، وتتوّزع القيمة المضافة بين التوظيف والاستهلاك بشكل أساسي. وتتطلب مرحلة إعادة الإعمار التقشف في الاستهلاك العام والخاص. إلى حدود عدم إلحاق أضرار كبيرة في عوائل الإنتاج وخاصة العامل البشري . ورفع معدلات التوظيف المنتج أو الضروري.

الإنفاق على الجيش ليس إنفاقاً منتجاً ولكنه ضروري، وخاصة إذا كان الأمن القومي مهدّداً من الدخل الوطني المتاح والتدفقات الخارجية. وتمثل تحويلات القوى العاملة في الخارج كما الهبات والمساعدات والقروض مصادر مهمة من التمويل، مع التشديد على رفض كل الهبات والقروض المشروطة، والتي تتناقض مشروطيتها مع استهدافات الخطة النهائية والوسطية، أو تهدد سلامتها مثل تدفقات الأموال الساخنة.

3- السياسات المالية والنقدية:

وتفرض مرحلة إعادة الإعمار سياسات مالية ونقدية واقتصادية صارمة، تتناسب مع خطة التنمية الاجتماعية. ويلعب القطاع العام الدور القائد والمقررـ عبر آليات التدخل المباشر وغير المباشر في الأسواق، وعبر التوظيفات المباشرة والثابتة في البنية التحتية وفي قطاعات لا يُقبل القطاع الخاص على التوظيف فيها. فقد دلّت التجارب الإنمائية في الدول الناشئة أن القطاع الخاص يتجه إلى التوظيف في قطاعات سريعة المردود ولا تتطلب توظيفات ثابتة طويلة الأجل. وعلى القطاع العام بالتالي أن يقوم بهذه التوظيفات المطلوبة، وذات المردود المنخفض والمخاطر المرتفعة، مثل خطوط السكك الحديدية والسدود المائية والصناعات الثقيلة والصناعات ذات التقنيات العالية، بنوك التوظيف المتخصص بالإقراض المتوسط والطويل الأجل، الصناعات العسكرية، الخ ....

وتتعدد وسائل التدخل المباشر من قبل النظام في الاقتصاد عبر السياسة المالية، كما عبر السياسات الجمركية والسياسات النقدية.

لكن "القطبة الخفية" في موضوع إعادة الأعمار إدراك أنه لا يمكن أن تكون هناك حلول قبل أن تعرف المشاكل، حيث لا ينبغي منذ أن يكون الهدف هو النتيجة المرضية، بل يجب أن يكون أصغر من ذلك - تبادل المعلومات حول العمليات القادمة بطريقة حرة ونزيهة، وما هي التغييرات التي يمكن توقعها ومتى. و أهمية إدراج الناس، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الإعاقة أو العمر، في عملية إعادة الإعمار.

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد