حادثة الرجم: علمانيون يرفضون وإسلاميون يتجادلون


22 تشرين الأول 2014

استحوذت حادثة قيام إرهابيون متشددون منسوبون لداعش برجم امرأة بتهمة الزنى في ريف حماه على نقاشات وسجالات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي لأيام معدودة، بين من استنكر الحادثة ورفضها من منطلق المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وحق المرأة باستخدام جسدها كما تشاء، وهو حال أغلب العلمانيين السوريين، وبين من استنكر الفعل ولم يرفض الثقافة الدينية التي أنتجته، معتبّرا أنّ الرجم جاء بموجب نص مقدس، وبين من دافع عن الأمر باعتبار أنه حدّ من حدود الله، ناهيك عن توازي الأمر مع غضب صبّته النساء على عدد من الذكور المتباكين على ما يحدث في حين أنّ ثقافتهم قائمة بكلها على هذا النصوص المؤسّسة لهذا الرجم، سواء دينيا أم سياسيا.

أقسى الرفض لما حدث، جاء من الكاتب السوري "ياسين الحاج صالح" الذي كتب أنّ "الرب الذي لا يرضى بأقل من رجم امرأة "زنت" شرير"، في حين قال الشاعر السوري فرج بيرقدار: "لا أتردّد في وصف من حكموا برجم المرأة "الزانية" بريف حماة بأنّهم بهائم، ووالد المرأة الذي شارك برجمها مسكين ومزايد وبهيم أيضاً. كان عليهم طلاقها من زوجها إن هي مارست "الحب أو الجنس مع غيره"، وكان عليهم ازدراؤها إن أرادوا وليس رجمها"، في حين اختار الشاعر "حمزة رستناوي" أن يرد عبر مقطع لعبد الرحمن الكواكبي جاء فيه: "الغربيون يستودعون شرفهم في العمل، والشرقيون يستودعون شرفهم, في فروج نسائهم".

"ضياء العبد الله" اختار أن يصب نقده على الثقافة المنتجة لهذا الفعل، معتبرا أن "زواج المتعة والمسيار والعرفي هو زنى، وقانون جرائم الشرف هو زنى. الزواج بأكثر من امرأة هو زنى ... تشليح مطلقتك لأطفالكما بالقانون هو زنى. سهرك حتى الفجر في الشوارع والمطاعم ومحاسبة أختك على مغيب الشمس هو زنى..." وهو ما ركزت عليه "رؤى" إذ كتبت: "العلاقة بين رجم داعش للمرا و مجتمعنا الذكوري الخروء، طردية! تعاطف المجتمع الذكوري تعاطف سطحي كاذب ما بيفيد لو ما اقترن بحراك حقيقي وتوزيع عادل للمساحة بكل مجالات الحياة"، في حين ذهب "وليد النبواني" أبعد من ذلك، إذ قال: "أتحدى الغالبية العظمى من الذكور وأيضا الإناث الذين استنكروا الحادثة أن يسامحوا أختهم أو بنتهم عن ممارستها الجنس مع شخص من غير حلال وماذا سيكون ردة فعلهم. وبالطبع فأنا شخصيا لست بعيدا عن هذا المفهوم".

السجال وصل إلى رجال الدين السوريين، حيث اعتبر الشيخ "أسامة الرفاعي" رئيس ما يعرف بـ "المجلس الإسلامي السوري" أن الرجم بجرم الزنا حد شرعي لا بد أن يقام لكن بشروط معينة، معتبرا أنا ما جاء في الشريط "مخالف تماماً لشروط إقامة الحد"، و متسائلا": "أين حيثيات الحكم؟ وأين الهيئة الشرعية التي قامت بالتحقيق في الواقعة وأصدرت الحكم؟ وأين الشهود؟ وأين إقرار المتهمة بفعلتها؟ وكذلك أين الخليفة أو نائبه لكي يطبق الحد"، الأمر الذي دفع الشيخ "رياض درار" للرد بأن "الرجم ليس حداً من حدود الله. لا يوجد شروط للرجم لأنه لا يوجد رجم"، متابعا: "الزناة الراجمون. من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر".

هذا النقاش المنطلق من مرجعية النص المقدس، رفضه المفكر السوري "جاد الكريم الجباعي" قائلا: "من يناقشون أو يناقشن جواز الرجم أو عدم جوازه (انطلاقاً من النصوص المقدسة) فقيهات وفقهاء بنات وأبناء ثقافة فقهية تحكِّم النص في الواقع والماضي في الحاضر والأموات في الأحياء. ثقافتنا هي من نحن، ومن يمكن أن نكون. فلمَ نستنكر الرجم ما دمنا معجبين بثقافتنا وتراثنا ونعشق الاستبداد؟!"، وهو ما أكدت عليه "مايا" أيضا، إذ قالت: "لم تفجعني حادثة الرجم بقدر ما فجعتني النقاشات التي دارت حول تحليل وتحريم الرجم، وهل يجوز تطبيقه أم لا، وقد تجاوزنا اليوم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الذي تتباهى به الحضارة الإنسانية بمواثيق واتفاقيات تحفظ للإنسان حريته وحقوقه وكرامته، فهل العيب في تلك الجماعات الخارجة عن العصر والتاريخ والزمان، أم في ثقافة متوارثة تجعل من مثل هذا الفعل الوحشي مسألة خاضعة للنقاش والأخذ والرد؟؟؟".

لوحة للفنان وسام الجزائري. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك
لوحة للفنان وسام الجزائري. المصدر: الصفحة الرسمية للفنان على الفيسبوك

هذا النقاش وصل إلى مستويات عميقة من النقاش عند البعض، حين تساءل عن مدى شرعية النص المقدس بمواجهة شرعية حقوق الإنسان، حيث قال رئيس تيار بناء الدولة السورية "لؤي حسين": "عندما يتعارض الشرع مع حقوق الإنسان تكون الغلبة لحقوق الإنسان وليس للشرع إطلاقا؛ وهذا ليس دفاعا عن الزنا بل دفاع عن حق هذه المرأة بالحياة وعدم الحكم عليها بمسألة ذات طابع شخصي.بعد داعش وأخواتها علينا تحييد الشرع بالمطلق عن القوانين الناظمة لحياة الناس"، في حين ناقش البعض الآخر ماهية الثقافة المنتجة لهكذا أفعال، معتبرا أنها (الثقافة القائمة) تحمل في جيناتها بذرو داعش، في حين وصل أحدهم حد اعتبار أن الإسلام هو هكذا حيث قال "مصعب": "حبيب هاد هوي الإسلام و الدين بيجي باقة كاملة مافيك تختار الي بدك اياه و تترك الي بدك إياه".

قسم آخر سلط الضوء على غياب الرجل ولم لا يطبق عليه الحد، طالما أن الجرم مثبت، حيث قال الفنان "ياسر أبو حامد": "أنا ما شفت فيديو العار تبع الرجم. بس هالمخلوقة زنت هيك مع حالها يعني.؟؟؟.مش لازم يكون في طرف آخر(رجال يعني) وكمان هادا يتم رجمه إذا كان متزوج أو جلده إذا كان أعزب"، في حين تساءلت المذيعة "براء صليبي":"وينو الزاني ؟" لتجيب ساخرة: " مات بفعل الزنى .. ما تحمل قلبه يشوفوه 4 رجال عقلاء عم يغتصب".

الفنان "وسام الجزائري" اختار أن يعبّر عن الأمر على طريقته حيث رسم صورة لفتاة ترجم وكتب بجانبها " وكانت حجارة الرجم تدور حولها كشمس في بداية خلقها.

على هامش السجال اختار البعض السخرية من الحدث أو الذهاب به نحو مناخات أخرى، حيث قال "فادي زيدان"، ساخرا : "يا أخي داعش صناعة أمريكية ومؤامرة غربية عالإسلامّ أي أكيد لأنو رجم الزانية مـنصوص عليه بالدستور الأمريكي، و قطع اليد وضرب الأعناق مـذكور في ميثاق الأمم المُـتحدة لـ حقوق الإنسان والسبي والنكاح للكافرين موجودة في القوانين الإسرائيلية"، في حين اختار الناشط "وثاب عزو" من إدلب أن يسلط الضوء على نوع آخر من الزنا: "نحن بنظر بشار الأسد كلنا زنوات فلذلك عم يرجمنا بالبراميل".

أغنى ما في حادثة الرجم أنها أثارت سجالا علمانيا إسلاميا من جهة، وإسلاميا إسلاميا من جهة ثانية، وذكوريا إنثويا من جهة ثالثة، وهو ما يعني أن السوريين قادرون على السجال رغم كل هذه الدماء النازفة.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد