رزان وأنا


30 تشرين الأول 2014

بدأ الأمر منذ فترة من الوقت، حوالي عام ٢٠٠٨، عندما خضعتِ لتدريب على يد محامية عبر البريد الالكتروني والدردشة، حول كيفية كتابة بيان للمطالبة بإطلاق سراح مدون معتقل. بعد بضعة سنوات، اندلعت انتفاضة في بلادكِ ووجدتِ نفسكِ تتعاونين عن قرب مع المحامية نفسها التي تشارك في الانتفاضة بشكل بطولي، إلى جانب العديد من المجهولين/ات.

تمر الانتفاضات بطلعات ونزلات- وتجدين نفسك وسط حملة تطالب بإطلاق سراحها؛ فتقرأين مسودات البيانات التي تحمل اسمها، وأن تكتبي المقالات عنها- مثل هذا المقال- وفيه تحاولين أنسنة هذه المحامية على الصعيد العالمي، حيث أصبحت تقريبا "قضية" للمناصرة.

لقد كتبت عدة مرات في السابق، فرزان هي قدوتي ومرشدتي. ولكن ذلك ليس كامل القصة. بالطبع تنظيم حملة مع رزان تهدف إلى إظهار التضامن معها. ولكن في الغالب، إن الأمر هو كناية عن آلية دفاع. فعندما تكونين معتقلة وخائفة عما ستحمله إليك الدقائق والساعات والأسابيع الآتية، فتريدين أن تحصلي على شخص يثير ضجة وجهد لإطلاق سراحك.

أنا لست متأكدة إن كنت على حق، ولكنني لاحظت خلال السنوات الثلاث الماضية أن أولئك الذين ما زالوا داخل سوريا هم أكثر حرصا على "القيام بشيء ما" من أولئك الذين "تركوا" سوريا مؤخرا. داخل سوريا، تنظيم حملة والدعوة لصالح أو ضد أمر معين لم يعد وسيلة تضامن، إنما وسيلة للبقاء على قيد الحياة.

لقد كنت في سوريا عندما عرفت بخبر اختطاف رزان. أتذكر أنني كنت واقفة، وكنت قد دخلت الغرفة للتو، وكان رائد جالسا على الأرض نظر إلي وقال لي: "لقد خطفوا رزان". جلست، وقرأت في صفحتي على الفايسبوك وانتبهت إلى أنني لم أكن قادرة على القراءة. فذهبت إلى الغرفة المجاورة وبكيت. رزان كانت قد طلبت مني أن أغادر الشمال لأن تنظيم داعش كان يقترب من بلدة كفرنبل. وقد ألحت علي حتى آخذ مسألة داعش على محمل الجد. بعد ذلك اختُطِفَت.

في ذلك الوقت، كنت أعمل دون توقف على مشروع، ولم أجد وقتا للأصدقاء والعائلة أو أي تعاون محتمل آخر. كنت أعمل بسرعة، ومن دون كهرباء في أغلب الأوقات أيضا. قلت وقتها: من هم في الخارج سيطالبون بإطلاق سراحها. أما أنا فلا أستطيع. وبعد بضعة أشهر تركت الشمال وسوريا. ذهبت إلى لبنان لأعيش "فترة شفاء"، وهناك تحولت إلى ناسكة، لم أذهب إلى أي مكان- حتى إلى اجتماعات مناصرة للثورة. لم أشارك في أي شيء ما عدا الاعتناء بنفسي. كنت أولويتي الوحيدة. ومع ذلك، لم أستطع أن أمنع ذاتي عن شيء واحد خلال الأشهر الخمسة؛ رزان. قمنا، نحن، أصدقاء وأفراد من عائلة رزان بتنظيم حملة #Douma4. وقد عملنا بجهد، ونتائج ملموسة، كما أعتقد، كانت مقبولة.

لماذا شاركت في هذه الحملة؟ لأن فترة شفائي من الحرب ستطول، وستتأخر من دون شك، إذا لم أفعل شيئا لرزان. وقد مرت أوقات، بطبيعة الحال، عندما فكرت أنني لم أعد قادرة على القيام بذلك بعد اليوم. لقد تعبت نفسيا وجسديا وحبي للحياة تراجع. فكرت بالانسحاب من الحملة. ولكن بعد دقيقتين رديت على عدد من الرسائل الالكترونية حول الموضوع نفسه. إنها مسألة شخصية، ما أشعر به تجاه رزان، هي ليست "شخصية عامة" بالنسبة لي، وليست "مدافعة عن حقوق الإنسان". هي مرشدتي الشخصية.

في الواقع، قصتي ورزان لها عدة مراحل. وهذا النص يجب أن يقرأ كنوع من الشهادة من امرأة ثورية نيابة عن أخرى.

منذ بداية الثورة وعندما بدأت بالتغريد من داخل سوريا، في ١٦ شباط عام ٢٠١١، خلال اعتصامات أهالي المعتقلين، وقد شنت قوات الأمن والشبيحة هجوما شرسا، انقضت فيه على الأهالي والناشطين والمحامين المناصرين لحقوق الإنسان. وصلت بعد أن انتهى الهجوم على الاعتصام بثلاث دقائق. وقد تمكنت رزان من الهرب. ثم وقفت في المحكمة للدفاع عن جميع الذين اعتقلوا يومذاك. حتى أنها نشرت بعض المقتطفات من مرافعتها الدفاعية. أتذكر ميمونة عمار يوم كانت حامل حيث نشرت رزان تعليقها على ذلك في المحكمة. ولا تستهيني بالمحامية التي تختار الدفاع عن المعتقلين السياسيين في مثل تلك الأيام. في ذلك الوقت، كان النظام وشبيحته يتساءلون: هل الثورة في الهواء؟ وفي مثل هذه الحالة يجب ألا تحصل.

‫في تلك الأيام كنت أغرد باللغة الانكليزية باسم @Razaniyyat. وقد خلط بعض الصحافيين والمتابعين بيني وبين رزان زيتونة. رزان هو اسم مشهور في سوريا. وقد ظنوا، أنها تغرد باسم @Razaniyyat‬. وكانت تعيد إرسال كل الرسائل الالكترونية إلي. وإحدى المجلات الألمانية قدمتني عن طريق الخطأ باسم رزان زيتونة. خلال اعتقالي الأول على يد القوى الأمنية، سألني المحقق: ما هي علاقتك برزان زيتونة؟ ويومذاك، تساءلت: هل هو أحمق أم أنه فاتني أمرا ما هنا؟ ما هي العلاقة بين غزاوي وزيتونة؟ أتساءل. يجب علي الإجابة عن هذه "الجريمة". لا، اسمي هو رزان غزاوي، وليس زيتونة. كان علي أن أهجئ له الأحرف ليقتنع، أظن.

خلال فترة اعتقالي الثانية، والمثير للسخرية، أن المحقق لم يسألني أي شيء عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. في الواقع لم يسألني أي شيء. عوضا عن ذلك، كان يتحدث عن رزان، وغياث مطر ويحيى شربجي. وقد أجريت محادثة وحيدة مع يحيى، واحدة فقط. وقد ظن أنني متورطة ضمن الدائرة المحيطة برزان، ولم أكن كذلك. كل ما في الأمر أننا نحمل الاسم نفسه، "رزان".

وفقط بعد إطلاق سراحي من الاعتقال الثاني بدأت العمل لها. وقد دام ذلك لوقت قصير لأنني كنت أريد أن أنشط على الأرض. لا أريد عملا على الحاسوب- على الرغم من أهمية ذلك. من جانب آخر، كانت رزان تظن أن عملي التوثيقي جيد وكانت تريد تدريبي من أجل تحسين ذلك. لكنني أردت العمل مع القواعد الشعبية، وقد توليت مسؤوليات أخرى ضمن الثورة نفسها.

بيني وبين رزان ثمة هناك هذه القصص التي لا تصنف بأنها واحدة من نماذج للعلاقات بين الصديقات. لم نكن صديقات. بالنسبة لي كانت المرأة التي تقاطع ايمانها مع إيماني، امرأة عاملة بكد وحيث القيم الانسانية تنعكس على شخصها أكثر من أي قيم أخرى. لقد آمنت بالحق بالمساواة، وأن الجميع يستحق معاملة واحدة من القانون. رزان مناضلة حقوقية لا تكتفي فقط في كتابة البيانات، ولكنها كانت تلتزم قضية حقوق الإنسان والمساواة على مستوى يومي من حياتها.

رزان لا يمكن أن تكون عنصرية، أو متحيزة على أساس الجنس، أو معادية للإسلام، أو كارهة للمثليين أو أن تطلق أحكاما مسبقة، هي تستهدف فقط المعتدين. المعتدي الذي يرتكب ظلما بحق شخص آخر. فكرة رزان عن حياة الإنسان جد بسيطة، وهو أمر جذاب لمعرفة أنها استمرت حتى في ظل أسوأ الأزمات التي مر فيها العالم. هذه هي رزان، مرشدتي، على الرغم من معرفة اسمها، فلا العالم، ولا حتى العديد من السوريين، يعرفها.

الولايات المتحدة وقطر وإيران وروسيا يمكنهم إعادتها. هذه الدول يمكنها إطلاق شعبنا من السجن، أو من الخطف على يد المجموعات المسلحة، إذا أرادوا ذلك. لكنهم لا يريدون ذلك.

عائلة رزان، وعائلات كل المعتقلين والمخطوفين، هم من يستحق هذا النضال. ولا "نهاية" لهذا الكفاح.

ونحن، سنتضامن معهم وندعمهم.

ترجمه‫/‬ته الى العربية‫ لموقع المنشور:‬ وليد ضو

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد