حرب غنائية بين أنصار الاستبداد وأنصار الثورة


27 تشرين الأول 2014

منذ بداية الثورة لم يتوقف الصراع بين مؤيدي الاستبداد ومناصري الثورة في سوريا، إذ يسعى كل منها لتأكيد روايته بوجه الآخر، فيعمل النظام وأنصاره بتواتر على ترويج رواية الحرب ومكافحة الإرهاب لإعادة تأهيل نفسه، وإعادة هيمنته على الفضاء العام الذي كسرته الثورة بعد طول احتكار، عبر إظهار أنّ هناك حرب ضد الإرهاب في سوريا وليس ثورة، سعيا لإخفاء الأسباب الحقيقية لما يحصل، مستخدّما كلّ الأدوات والوسائل التي تعينه على ذلك، والتي كان آخرها مونولوغ سياسي حمل عنوان "لبلادي" بآداء الأختان "فايا وريحان يونان". إذ للوهلة الأولى يجذب الغناء والشريط المشاهد ويدفعه للتعاطف مع محتواه، إلى أن يكتشف أن المؤديتان هما من أنصار الدكتاتور، حيث نشر الناشطون معلومات وصور لإحداهن وهي تنتخب الدكتاتور في السفارة السورية في السويد، الأمر الذي دفع العديد من المشاهدين لإعادة رؤية الشريط بعين نقدية، لنكتشف أن الفلم يصب في نهاية المطاف في خدمة النظام السوري عبر التركيز على رواية الحرب التي "اخترقت الأبواب خلسة فاستوطنت البيوت وأذلّت أهلها" عبر وصفها بأنها "حرب بلا بداية"، في سعي واضح لتجهيل الفاعل وعدم الحديث عن الاستبداد وقصف الطائرات والمعتقلين مع الإيحاء الواضح إلى "الإرهاب"، عبر القول "حرب بيع فيها الصغار والنساء في أسواق الرق والعبيد" في إشارة واضحة إلى تنظيم داعش، وفي سعي واضح لأخذ الرأي العام باتجاه أنّ ما يحصل في سوريا هو مجرد "إرهاب داعشي" بعيدا عن الإرهاب الأخر المتمثّل بسلطة الاستبداد.
http://www.youtube.com/watch?v=4GO52i0xui8

أصابع النظام تبدو واضحة في الشريط من خلال السعي على التركيز على البعد القومي ( فلسطين، العراق، المقاومة)، وهي أمور تشي بها عبارات من نوع "تقسيم المقسّم" و "الإرهاب" و "بوصلة القضايا"، حيث يعمد النظام إلى إعادة ضبط الرأي العام على ساعة القضايا القومية بعيدا عن الساحة الوطنية التي تؤدي إلى تجريمه، ناهيك عن قيام التلفزيون السوري بالترويج له على ما نحو ما أظهر فيديو مسجل لقائد فرقة "خطوة الفنية" التي ردّت على الفيديو الأوّل بنسخة أصلية، بما يشير إلى أنّ محاولة النظام هذه لم تفت المعارضين والنشطاء الذين باتوا متربّصين بأيّ حدث أو محاولة تصدر عن النظام لإعادتهم إلى بيت الطاعة الذي خرجوا منه، ساعين لمقاومته ومنعه من إعادة ترميم صورته المشوّهة عالميا، إذ لم يكد ينتشر الشريط حتى بادرت مجموعة "خطوة الفنية" إلى إصدار شريط غنائي ردا عليه، عنوّن بـ "لبلادي – النسخة الأصلية"، شارحا وبوضوح المرامي الحقيقية لما يريد أن يقوله الشريط الأول، تاركة للمشاهد أن يحكم، حيث جاء في الشريط الثاني:"بضعة من المندسين خرجوا ليحرقوا ويدمروا بلادنا، ساعدتهم دول الاستعمار وأمدّوهم بالعدة والعتاد، ثم هبّوا بعد أن قيل لهم: هبوا وانشروا الرعب والخوف في قلوب الأبرياء"، حيث عمد الشابان (يوسف بكر و محمود بكر، وهما أخوان أيضا)، اللذان أدا النسخة الثانية إلى تقليد آداء الفتاتين والسخرية من عباراتهما المفخمة، حيث يلقي الأول الكلمات بلغة شعرية ساخرة، ليرد الآخر بعبارات من نوع "عظيم يا قائد الوطن" و"بالروح بالدم"، إلى أن يصل الفلم إلى أن يقول بوضوح ما يرمي إليه الشريط الأول، أي قول ما لم تقله الفتاتان: "الدكتور القائد المفدى الرئيس بشار حافظ الأسد .. كويس بس يلي حوليه عرصات".

https://www.youtube.com/watch?v=Dh1f2mJpRjc

حرب القراءات اشتعلت بين الطرفين أيضا على أرضية سعي كل منهما لكسر سردية الآخر والوصول إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء، خاصة أن التلفزيون السوري حين تحدث عن شريط الفتاتين قال أن عدد القراءات وصل خلال ثمانية وأربعين ساعة إلى 62 ألف مشاهد، الأمر الذي دعا قائد فرقة خطوة ليقدم المباركة لهم ساخرا، وداعيا إياهم ليباركوا له أيضا لأن أغنيتهم وصل عدد مشاهديها أقل من ثمانية وأربعين ساعة إلى 89 ألف مشاهدة، علما أن عدد المشاهدات على أغنية الفتاتين وصل لحظة كتابة هذا الخبر إلى (1,249,096 ) في حين بلغ عدد متابعو الشريط الثاني إلى (116,682). وقد عزا بعض المعارضين الفرق إلى أن الشريط الثاني ساهم عمليا في رفع مشاهدات الأول، دون أن يعني ذلك أن كل شاهده يؤيد مضمونه.

خلف الشريطان الغنائيان تكمن معركة واضحة الملامح بين الاستبداد الذي يصرّ على وسم ما يحصل في سوريا بالحرب والإرهاب والثورة التي تصر على مطالبها برحيل الاستبداد، لهذا نرى الشريط الأول يقول "حرب لم تعرف بداية. حرب تبحث عن نهاية"، ولكنها النهاية التي يريدها المستبد وأنصاره، أي أن تتوقف الحرب ويبقى الدكتاتور في حين لا يفعل الشريط الثاني إلا فضح الأهداف الحقيقية للشريط، وكأنهم يقولون لن تنتهي هذه الحرب دون رحيل الأسباب المؤدية لها وعلى رأسها الاستبداد الذي هيّأ الأرضية اللازمة لنشوء التطرّف وبداية الحرب التي تناست الفتاتين بدايتها.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد