كيف يمكن للسلطة القضائية في سورية أن تساهم في تحصين الديمقراطية ؟


31 آب 2014

ميشال شماس

محامي سوري وناشط حقوقي في عدد من الملفات الحقوقية أبرزها: الدفاع عن المعتقلين السياسيين

 

ربما يسأل أحدنا هنا ما علاقة الديمقراطية بالعدالة؟  وهل يتوقف تحقيق الديمقراطية في مجتمعاتنا على وجود سلطة قضائية قوية ونزيهة؟

في الحقيقة لا يمكن الحديث عن مجتمع عادل خال من الديمقراطية؛ مثلما لا يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي هادئ وهادف في غياب سلطة قضائية فاعلة وفعّالة. وإن المطالبة بتحقيق مجتمع عادل ليس ترفاً في مجتمعاتنا ودولنا العربية، بل أصبحت ضرورة ملحة لمد الجسور بين ما هو مثالي وبين الواقع الذي نعيشه، لاسيما بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة منفتحة على بعضها البعض، تتناقل الأخبار والتحقيقات والمنجزات العلمية بالصوت والصورة.

إن الحديث عن غياب العدالة مازال يتكرر في سورية وغيرها من البلدان العربية، نسمعه أينما توجهنا، سواء في البيوت والاجتماعات، في المؤتمرات والندوات، في وسائل الإعلام، نسمع عن قصور شيّدها قضاة في غمضة عين، كما نسمع الكثير من الحكايا عما يجري داخل قصور العدل وخارجها التي تنال من هيبة القضاء، الذي خسر الكثير من دوره في نظر الناس، حيث أصبح القضاء موضع اتهام بدل أن يكون هو القادر على اتهام الآخرين، وقد يكون ذلك دون وجه حق، وقد يكون على حق، وتغيّرت نظرة الناس تجاه بعض القضاة إن لم يكن معظمهم، فالقاضي الذي كان يدخل مكاناً عاماً ويستقبله الناس بكل احترام، باتوا اليوم يتجاهلونه في غالب الأحيان، كل ذلك جاء نتيجة إحساس الناس المتنامي بطغيان الظلم وغياب العدل وعجز القضاء عن تأمين احترام حريات الناس وحقوقهم، رغم أنه في الأصل هو الضمانة الحقيقية للإنسان في المجتمع والمؤتمن على حقوق الناس وحرياتهم..

ففي الوقت الذي اعتبر أصحاب الفكر السياسي والقانوني المعاصر في العالم أن استقلال القضاء بات يشكل ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية ودعامة أساسية من دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات، وفي الوقت الذي تحوّل القضاء في الدول المتطوّرة إلى مؤسسة سياسية بالمعنى الواسع، حيث يقوم بوظيفة حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي في إطار مجموعة من المبادئ الديمقراطية الحديثة التي تحتل فيها دولة الحق والقانون العمود الفقري. نجد العكس تماما يجري في سورية والبلدان العربية، حيث تحوّل القضاء إلى مجرد هياكل بلا طعم بلا لون، بسبب  التدخل السافر في شؤونه والتعدي على اختصاصاته، فتحوّل من مؤسسة عدل وإنصاف إلى مؤسسة قمعية بيد الأنظمة الحاكمة لاسيما في مواجهة الخصوم السياسيين والمدافعين عن حرية الإنسان وحقوقه، وهذا الأمر شكّل أحد العوامل التي ساهمت في اندلاع "ثورات الربيع العربي" في عدد من البلدان العربية.

إن الباحث لا يمكنه أن يفهم واقع السلطة القضائية في سورية إلا إذا وضعها داخل بنية وجوهر النظام الدستوري والسياسي السوري. وبالرجوع إلى الدستور السوري نجد أنه ينص على سلطات ثلاث هي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ويرأس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية الذي يتمتع بصلاحيات واسعة جداً ومع أن الدستوري نص على استقلال السلطة القضائية في  المادة 132 ( لسلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى). إلا إنه عاد ومنح رئيس الجمهورية سلطة رئاسة السلطة القضائية  في المادة 133منه  ( يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى..).

صحيح أن رئيس الجمهورية لا يتدخل في القضاء ولا في الأحكام التي تصدر عن المحاكم، ولكن مشكلة القضاء في سورية تأتي بالدرجة الأولى من قانون السلطة القضائية الذي أعطي وزير العـــدل نفوذاً واسعاً على القضاء، لاسيما في المادة 65 منه، مما جعل السلطة التنفيذية حاضرة ومؤثرة في جميع الحلقات الإجرائية التي تنظم شؤون القضاة من التعيين والترقية إلى التأديب والإقالة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مجلس القضاء الأعلى المعيّن من قبل السلطة التنفيذية والذي تتمثل فيه بأكثرية أعضائه، وهذا ما جعل القاضي تحت رحمة وزير العدل وتعليماته. ويبرز تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء لاسيما في المواضيع السياسية، حيث يلتزم القاضي غالباً بجميع التهم التي ترد في الضبوط الأمنية، ومع أن كثير من القضاة لا يقتنعون بتلك التهم، إلا أنهم يخشون على أنفسهم إذا أصدروا قراراً بالبراءة أو إخلاء السبيل.

والوضع في القضاء الإداري والدستوري لا يختلف كثيراً عما هو عليه الوضع في القضاء العادي، فالقضاء الإداري أنشئ  من أجل تقريب القضاء الإداري من المتقاضين وتوفير سرعة البت في المنازعات بين المواطن والإدارة أو بين إدارة وأخرى. إلا أنها تعاني من النقص الواضح في الأطر المتخصصة وارتفاع تكاليفها، وبطء إجراءاتها، والأخطر من كل ذلك هو تبعية تلك المحاكم لمجلس الوزراء، حيث تتلقى التوجيهات من رئيس الحكومة مباشرة، مما يفقدها أيّة استقلالية وينزع صفة القضاء عنها.  أما المحكمة الدستورية فبحكم تشكيلها وتبعتيها لرئيس الجمهورية فإنها هي الأخرى تبدو شبه غائبة عن الحياة العامة في البلاد.

وبعيداً عن هذه الإشكالية القانونية – السياسية في طبيعة القضاء السوري، فإنه يمكن القول أن الجهاز القضائي في سورية يعاني من ضعف ملحوظ في تأهيل وإعادة تأهيل القضاة واللجوء إلى الاعتبارات اللاقانونية في إصدار الأحكام، وعدم تحديث القوانين الأساسية كقوانين أصول المحاكمات وقانون العقوبات والبينات التي مضى على إصدارها أكثر من نصف قرن، وضعف الوسائل والإمكانات المادية الممنوحة للسلطة القضائية، يضاف إليها طبعاً مسألة التدخل في شؤونه من قبل السلطة التنفيذية وأجهزته الأمنية.

إن  دور القضاء اليوم لم يعد يقتصر على  المعالجات القانونية الصرفة كحل النزاعات وإيقاع العقاب بمرتكبي الجرائم أو تقرير البراءة ، بل أصبح له دور مجتمعي يتمثل بحفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث نتيجة عدم إيجاد حلول جدية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولاسيما مشكلة الفساد والتضيّيق على حريات الناس. فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر إشكالية الاستثمارات في سورية فإن القاضي مطالب من جهة بمراعاة الجانب الاجتماعي، حيث يتحتم عليه الوقوف بجانب الطرف الضعيف ألا وهو العامل، وفي المقابل عليه أن يحرص على ضمان حقوق المستثمرين، على اعتبار أن لا تنمية مستديمة في غياب اقتصاد قوي.

إن السلطة القضائية المنوط بها وحدها تحقيق أمر العدالة، لا يمكنها أن تحقق هذا الهدف إلا إذا ما عقد النظام القائم أو أي نظام أخر مصالحة حقيقية بينه وبين مواطنيه، وجعل من المواطن أساس كل التعاقدات الاجتماعية والسياسية، ومفهوم العدالة لا يخرج عن هذا الإطار بل يكرّسه.

ولا يمكن أن تتحقق العدالة إلا بوجود سلطة قضائية - عادية وإدارية ودستورية- قوية وفاعلة وفعّالة ومستقلة، تجعل من الإنسان الأساس المحوري الذي ترتكز عليه في كل قراراتها وأحكامها. وبعبارة أوضح وأدق (أن تحفظ هذه العدالة كرامة الإنسان باعتبارها تشكل الدافع الأساسي لتقدم وازدهار العدالة) وفق ما قاله الفيلسوف الفرنسي "جوزيف برودون".

إن إشكالية القضاء في سورية لا تكمن في التدخل بشؤونه والهيمنة عليه، ولا تكمن في القوانين، ولا في كيفية تطبيق هذه القوانين فحسب، بل وأيضاً في ضعف روح الحرية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على السواء والمطلوب هو جعل هذه الروح حيّة على الدوام في قلوب الناس،  علّنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذو محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، في عملية مستمرة ودائمة، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل ..الخ، وجعله منطلقاً وأساساً في بناء وتطوير بلداننا وإعلاء رايتها عالياً بين الأمم، فما قيمة النصوص والقوانين إذا خمدت روح الحرية واحترام القانون وحقوق الإنسان في قلوب الناس ..؟ هذه الحرية التي تعلو بالإنسان، ولا تحط من قيمته بالترهيب والتخويف والشتائم. فبدون الحرية لن نستطيع أن نفتح باباً، أو نرفع ظلماً أو نصد عدواناً.

وخلاصة القول: في دولة القانون، تقتصر سلطة الدولة على حماية المواطنين من الممارسة التعسفية للسلطة. في دولة القانون يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونيا ويمكنهم استخدامها في المحاكم. ولا يمكن لبلد أن تكون فيه حرية ولا ديمقراطية بدون أن يكون فيه أولاً سيادة للقانون، وأن حقوق الإنسان لا يمكنها أن تترسخ في دولنا ومجتمعاتنا إلا إذا ما ضمّنا لقضائنا وقضاتنا الحرمة والفعالية. فلا عدالة بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون عدالة.

ربما يسأل أحدنا هنا ما علاقة الديمقراطية بالعدالة؟  وهل يتوقف تحقيق الديمقراطية في مجتمعاتنا على وجود سلطة قضائية قوية ونزيهة؟

في الحقيقة لا يمكن الحديث عن مجتمع عادل خال من الديمقراطية؛ مثلما لا يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي هادئ وهادف في غياب سلطة قضائية فاعلة وفعّالة. وإن المطالبة بتحقيق مجتمع عادل ليس ترفاً في مجتمعاتنا ودولنا العربية، بل أصبحت ضرورة ملحة لمد الجسور بين ما هو مثالي وبين الواقع الذي نعيشه، لاسيما بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة منفتحة على بعضها البعض، تتناقل الأخبار والتحقيقات والمنجزات العلمية بالصوت والصورة.

إن الحديث عن غياب العدالة مازال يتكرر في سورية وغيرها من البلدان العربية، نسمعه أينما توجهنا، سواء في البيوت والاجتماعات، في المؤتمرات والندوات، في وسائل الإعلام، نسمع عن قصور شيّدها قضاة في غمضة عين، كما نسمع الكثير من الحكايا عما يجري داخل قصور العدل وخارجها التي تنال من هيبة القضاء، الذي خسر الكثير من دوره في نظر الناس، حيث أصبح القضاء موضع اتهام بدل أن يكون هو القادر على اتهام الآخرين، وقد يكون ذلك دون وجه حق، وقد يكون على حق، وتغيّرت نظرة الناس تجاه بعض القضاة إن لم يكن معظمهم، فالقاضي الذي كان يدخل مكاناً عاماً ويستقبله الناس بكل احترام، باتوا اليوم يتجاهلونه في غالب الأحيان، كل ذلك جاء نتيجة إحساس الناس المتنامي بطغيان الظلم وغياب العدل وعجز القضاء عن تأمين احترام حريات الناس وحقوقهم، رغم أنه في الأصل هو الضمانة الحقيقية للإنسان في المجتمع والمؤتمن على حقوق الناس وحرياتهم..

ففي الوقت الذي اعتبر أصحاب الفكر السياسي والقانوني المعاصر في العالم أن استقلال القضاء بات يشكل ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية ودعامة أساسية من دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات، وفي الوقت الذي تحوّل القضاء في الدول المتطوّرة إلى مؤسسة سياسية بالمعنى الواسع، حيث يقوم بوظيفة حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي في إطار مجموعة من المبادئ الديمقراطية الحديثة التي تحتل فيها دولة الحق والقانون العمود الفقري. نجد العكس تماما يجري في سورية والبلدان العربية، حيث تحوّل القضاء إلى مجرد هياكل بلا طعم بلا لون، بسبب  التدخل السافر في شؤونه والتعدي على اختصاصاته، فتحوّل من مؤسسة عدل وإنصاف إلى مؤسسة قمعية بيد الأنظمة الحاكمة لاسيما في مواجهة الخصوم السياسيين والمدافعين عن حرية الإنسان وحقوقه، وهذا الأمر شكّل أحد العوامل التي ساهمت في اندلاع "ثورات الربيع العربي" في عدد من البلدان العربية.

إن الباحث لا يمكنه أن يفهم واقع السلطة القضائية في سورية إلا إذا وضعها داخل بنية وجوهر النظام الدستوري والسياسي السوري. وبالرجوع إلى الدستور السوري نجد أنه ينص على سلطات ثلاث هي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ويرأس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية الذي يتمتع بصلاحيات واسعة جداً ومع أن الدستوري نص على استقلال السلطة القضائية في  المادة 132 ( لسلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى). إلا إنه عاد ومنح رئيس الجمهورية سلطة رئاسة السلطة القضائية  في المادة 133منه  ( يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى..).

صحيح أن رئيس الجمهورية لا يتدخل في القضاء ولا في الأحكام التي تصدر عن المحاكم، ولكن مشكلة القضاء في سورية تأتي بالدرجة الأولى من قانون السلطة القضائية الذي أعطي وزير العـــدل نفوذاً واسعاً على القضاء، لاسيما في المادة 65 منه، مما جعل السلطة التنفيذية حاضرة ومؤثرة في جميع الحلقات الإجرائية التي تنظم شؤون القضاة من التعيين والترقية إلى التأديب والإقالة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مجلس القضاء الأعلى المعيّن من قبل السلطة التنفيذية والذي تتمثل فيه بأكثرية أعضائه، وهذا ما جعل القاضي تحت رحمة وزير العدل وتعليماته. ويبرز تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء لاسيما في المواضيع السياسية، حيث يلتزم القاضي غالباً بجميع التهم التي ترد في الضبوط الأمنية، ومع أن كثير من القضاة لا يقتنعون بتلك التهم، إلا أنهم يخشون على أنفسهم إذا أصدروا قراراً بالبراءة أو إخلاء السبيل.

والوضع في القضاء الإداري والدستوري لا يختلف كثيراً عما هو عليه الوضع في القضاء العادي، فالقضاء الإداري أنشئ  من أجل تقريب القضاء الإداري من المتقاضين وتوفير سرعة البت في المنازعات بين المواطن والإدارة أو بين إدارة وأخرى. إلا أنها تعاني من النقص الواضح في الأطر المتخصصة وارتفاع تكاليفها، وبطء إجراءاتها، والأخطر من كل ذلك هو تبعية تلك المحاكم لمجلس الوزراء، حيث تتلقى التوجيهات من رئيس الحكومة مباشرة، مما يفقدها أيّة استقلالية وينزع صفة القضاء عنها.  أما المحكمة الدستورية فبحكم تشكيلها وتبعتيها لرئيس الجمهورية فإنها هي الأخرى تبدو شبه غائبة عن الحياة العامة في البلاد.

وبعيداً عن هذه الإشكالية القانونية – السياسية في طبيعة القضاء السوري، فإنه يمكن القول أن الجهاز القضائي في سورية يعاني من ضعف ملحوظ في تأهيل وإعادة تأهيل القضاة واللجوء إلى الاعتبارات اللاقانونية في إصدار الأحكام، وعدم تحديث القوانين الأساسية كقوانين أصول المحاكمات وقانون العقوبات والبينات التي مضى على إصدارها أكثر من نصف قرن، وضعف الوسائل والإمكانات المادية الممنوحة للسلطة القضائية، يضاف إليها طبعاً مسألة التدخل في شؤونه من قبل السلطة التنفيذية وأجهزته الأمنية.

إن  دور القضاء اليوم لم يعد يقتصر على  المعالجات القانونية الصرفة كحل النزاعات وإيقاع العقاب بمرتكبي الجرائم أو تقرير البراءة ، بل أصبح له دور مجتمعي يتمثل بحفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث نتيجة عدم إيجاد حلول جدية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولاسيما مشكلة الفساد والتضيّيق على حريات الناس. فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر إشكالية الاستثمارات في سورية فإن القاضي مطالب من جهة بمراعاة الجانب الاجتماعي، حيث يتحتم عليه الوقوف بجانب الطرف الضعيف ألا وهو العامل، وفي المقابل عليه أن يحرص على ضمان حقوق المستثمرين، على اعتبار أن لا تنمية مستديمة في غياب اقتصاد قوي.

إن السلطة القضائية المنوط بها وحدها تحقيق أمر العدالة، لا يمكنها أن تحقق هذا الهدف إلا إذا ما عقد النظام القائم أو أي نظام أخر مصالحة حقيقية بينه وبين مواطنيه، وجعل من المواطن أساس كل التعاقدات الاجتماعية والسياسية، ومفهوم العدالة لا يخرج عن هذا الإطار بل يكرّسه.

ولا يمكن أن تتحقق العدالة إلا بوجود سلطة قضائية - عادية وإدارية ودستورية- قوية وفاعلة وفعّالة ومستقلة، تجعل من الإنسان الأساس المحوري الذي ترتكز عليه في كل قراراتها وأحكامها. وبعبارة أوضح وأدق (أن تحفظ هذه العدالة كرامة الإنسان باعتبارها تشكل الدافع الأساسي لتقدم وازدهار العدالة) وفق ما قاله الفيلسوف الفرنسي "جوزيف برودون".

إن إشكالية القضاء في سورية لا تكمن في التدخل بشؤونه والهيمنة عليه، ولا تكمن في القوانين، ولا في كيفية تطبيق هذه القوانين فحسب، بل وأيضاً في ضعف روح الحرية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على السواء والمطلوب هو جعل هذه الروح حيّة على الدوام في قلوب الناس،  علّنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذو محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، في عملية مستمرة ودائمة، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل ..الخ، وجعله منطلقاً وأساساً في بناء وتطوير بلداننا وإعلاء رايتها عالياً بين الأمم، فما قيمة النصوص والقوانين إذا خمدت روح الحرية واحترام القانون وحقوق الإنسان في قلوب الناس ..؟ هذه الحرية التي تعلو بالإنسان، ولا تحط من قيمته بالترهيب والتخويف والشتائم. فبدون الحرية لن نستطيع أن نفتح باباً، أو نرفع ظلماً أو نصد عدواناً.

وخلاصة القول: في دولة القانون، تقتصر سلطة الدولة على حماية المواطنين من الممارسة التعسفية للسلطة. في دولة القانون يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونيا ويمكنهم استخدامها في المحاكم. ولا يمكن لبلد أن تكون فيه حرية ولا ديمقراطية بدون أن يكون فيه أولاً سيادة للقانون، وأن حقوق الإنسان لا يمكنها أن تترسخ في دولنا ومجتمعاتنا إلا إذا ما ضمّنا لقضائنا وقضاتنا الحرمة والفعالية. فلا عدالة بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون عدالة.

 

الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد