كش ملك.. التعليم كحرب على التطرف والفساد


31 آب 2014

.

لا شكّ في أن العنف الدائر على أرض سوريا يحصد يوميّاً عشرات الأرواح، ويخلّف وراءه أضراراً جسيمة على الصعيدين المادي والنفسي، ولعل أعمقها وأكثرها تأثيراً هو حرمان جيلٍ كاملٍ من الحصول على التعليم، إلا أن المبادرات التي يواصل الشباب السوري تقديمها واقتراحها يوماً تلو يوم، تحمل الكثير من الدلالات لكونها تأتي من خارج الأطر المعارضة التقليدية من جهة، ولأنها تشير إلى أن الشغل الحقيقي على سوريا الغد بدأ فعلاً على الأرض من جهة أخرى.

ومن ضمن المبادرات كانت فعالية "فرصة للتغيير" التي أطلقتها مجموعة "كش ملك" كمبادرة  تنشد التغيير، مثلما وصفت المجموعة الأمر على صفحتها الرسمية في موقع "فيسبوك"، مطالبة بـ"لنرجّع سوريا جمهورية". فالتغيير الذي تحلم به المجموعة لا يقف عند مستقبل مئات الآلاف من الأطفال السوريين فحسب، بل مستقبل سوريا بأكملها، ذلك أن العمل من أجل المستقبل يتطلب عملاً على الأساس، وإن كانت مسألة تعليم الأطفال قد حظيت باهتمام العديد من النشطاء والمجموعات السورية من قبل، فإن أهمية المبادرة تكمن في أنها تأتي من الحدث السوري الساخن، والذي يشهد تراجعاً للقوى المدنية لتحل مكانها قوى دينية لا تعترف بالعلوم .

 لا ينفك مطلقو المبادرة عن العمل، إذ يتطلعون إلى تمويل ودعم 15 مدرسة في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، بهدف ضمان استقلال التعليم والمناهج التعليمية في المناطق المحررة، وسط محاولات حثيثة من مجموعات مختلفة للسيطرة على المستقبل السوري، عن طريق رشوة الكادر التدريسي أو المدير، ليقوموا بدورهم بالسيطرة على المنهاج التدريسي بما يخدم مصالحهم، كما تقول الكاتبة مرسيل شحوارو في حوارها مع "سيريا أنتولد.syriauntold"، فما لم تقله الكاتبة قالته الرشى، ذلك أن المجتمع الذي انطلق في ثورة ضد الفساد والقمع يقع مرة أخرى فريسة لذلك الفساد، لكنه يأتي هذه من قوى منظمة تستدعي أسباب الثورة.

بروشور ضمن حملة فرصة للتغيير. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
بروشور ضمن حملة فرصة للتغيير. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

وعلى الرغم من أن المنطقة التي يعمل فيها شباب المبادرة خالية من المجموعات المتطرفة، إلا أن المخاوف موجودة، وإن كانت من  مكان آخر، إذ يؤكد أحد مؤسسي الحملة إن خطر سيطرة المنظمات المتطرفة على المدارس غير موجود، إلا أن المخاوف الحقيقية، حسب رأيه، تأتي من محاولة بعض الجهات توريث الأطفال والطلاب في المدارس الأحقاد الطائفية والدينية.

ولهذا السبب بالتحديد تتضمن الحملة هدفاً يتمثل بوقف قبول تمويل الممولين، أياً كانوا، في حال أرادوا السيطرة على المناهج الدراسية وفرض أجنداتهم وأيديولوجياتهم على الأطفال، إذ تتولى مجموعة "كش ملك" بنفسها مهمة تحضير المناهج الدراسية لمدارسها الخمس عشرة، بحيث تشبه مناهجها مناهج النظام السوري إلى حد كبير، باستثناء المواد الدراسية التابعة للنظام، كمادة القومية على سبيل المثال لا الحصر.

ونشاط مجموعة "كش ملك" المتمركزة في حلب لا يتوقف عند هذا الحد، إذ  يحضر شبابها لإطلاق مشروع يُعنى بتوفير الرعاية الصحية للأطفال، ومعالجة الصدمات والمشاكل النفسية الناشئة لديهم والناجمة عن ظروف الحرب، إضافة إلى ذلك، لم تكن فعالية "فرصة للتغيير" المبادرة الأولى التي أطلقتها المجموعة، فالفريق  كان قد أولى ومنذ تأسيسه اهتماماً بالغاً للتعليم والنشاط السلمي، حيث أطلقت فريقها العديد من الحملات المدنية كحملة "تشييع الخوف"، وحملة "أحلم يا وطني". كما ساهمت في افتتاح مدرسة جديدة باسم الشهيد "مصطفى قرمان" أحد مؤسسي المجموعة والذي استشهد في إحدى مظاهرات حي "بستان القصر" نتيجة استهداف المظاهرة بقذيفة هاون، إضافة إلى مشاركتها بمهرجان للأطفال في حي "بستان القصر" في حلب والعديد من حملات النظافة في المدينة.

كما قامت المجموعة أثناء انتخابات مجلس الشعب بتنفيذ حملة ترفض الانتخابات تضمنت مسرحاً للدمى، بالتزامن مع توزيعها لمناشير ترفض مهزلة الانتخابات، إضافة إلى تنفيذها حملة ضد الاستفتاء على الدستور تضمنت عرضاً لفيديو الظل، رافقه توزيع علم الاستقلال الذي يمثل الحراك الشعبي.

ولعل حملة "حرية، عدالة، كرامة" من أكثر الحملات الإشكالية للمجموعة مع أنها كان حملة غايتها الاحتفال بالثورة لا أكثر، إذ أن الحملة التي كانت مدتها أربعة أيام، وكان مقرر تنفيذها في مدينة حلب تزامناً مع احتفال السوريين بالعيد الثالث للثورة، توقفت في اليوم الثاني بعد اعتقال "تجمع فاستقم" - وهو إحدى الكتائب الإسلامية المتواجدة في مدينة حلب - للكاتبة شحوارو بسبب عدم ارتدائها للحجاب. صحيح أن شحوارو خرجت من الاحتجاز في المساء، إلا أن ذلك لم يساهم في استمرار الحملة، بل جعل المجموعة تتخذ قراراً قضى بإيقاف الحملة. 

وفي العودة إلى المبادرة التي أطلقتها المجموعة، نجد أنها تستهدف -كما باقي النشاطات التي نفذتها- مخاطبة المجموعات المهتمة بمستقبل سوريا ودعم مجتمعها المدني، بما في ذلك السوريين المقيمين في سوريا وفي الخارج، للمساعدة  في تزويد الأطفال السوريين بتعليم مستقل غير منحاز وخال من التعصب والطائفية، وبهذا ومن حيث لا يدري أحد تفتح المجموع شراكة مع المجتمع المدني وتؤسس لفكرة تلاقي الجهود والنخب الاقتصادية والثقافية على فكرة واحدة وهي البناء السوري.

فالمبادرة تفتح الباب أمام فرصة حقيقية للتغيير، لاستعادة  الواقع السوري خالياً من الفساد ومن التطرف، فهي فتحت فرصة للمعلمين الذين رفضوا الهروب من سوريا وقرروا البقاء لمساعدة الجيل القادم للحصول على تعليمهم، والمساعدة في تعليم الطفل عبر المنظمات غير الحكومية  والمحلية التي أنشأت هذه المدارس بالرغم من مصادرها المحدودة.
 

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد