صرخة ستهدم معبد الدكتاتور أم صرخة في واد؟


27 آب 2014

 

هي صرخة جاءت وإن متأخرة..

هي صرخة وطن تعب من "الطائفية والدمار والقتل و التعفيش".

هي صرخة ألم وبكاء وتعب البيئة الحاضنة للنظام، والمنهكة من استقبال الضحايا والقهر والظلم على مدى سنوات.. جاءت لتصرخ في وجه القاتل: " الكرسي إلك والتابوت لأولادنا"و "بيت الأسد عالتخوت وشبابنا عالتابوت".

هي صرخة أيضا بوجه الطائفيين و بعض "الثوار" الذين لم يروا في بيئة الساحل إلا مخزنا للتشبيح، فارتفعت اللافتات في طرطوس واللاذقية وحمص وحماه، لتؤكد أن "الشعب السوري واحد" وأن "صرخة الشعب ما زالت مستمرة".

 من هؤلاء الذين يصرخون ضد الاستبداد داخل بيئته الحاضنة، بعد أن تراجع الحراك السلمي في البيئات الحاضنة له أساسا؟ وما مدى فعاليتها أيضا وأفقها ومستقبلها؟ هل يمكن التعويل عليها أم أنها مجرد صرخة في واد؟ خاصة أن منسقة "صرخة" الناشطة "إيما سليمان" أكدت لموقعنا "سيريا أنتولد Syria untold"  أن "صرخة ليست حملة كما يشاع لها في وسائل الإعلام بل هي مجموعة عمل لها خطة استراتيجية ترسمها على المدى البعيد"، الأمر الذي دفعنا للبحث عن الحكاية من ألفها إلى يائها، فما هي هذه الحكاية القادمة من قلب المناطق الساحلية المعتّم عليها إعلاميا، سواء من النظام أو المعارضة، وتعاني من نظرة مشيطنة في أغلب الأحيان، عبر وسمها بأنها "مع النظام"، هكذا بإطلاق ودون رفة جفن من قبل البعض؟

مجموعة من الناشطين السوريين المنحدرين من مناطق الساحل السوري بدؤوا العمل بشكل سري منذ  بداية آب 2014، و أعلنوا عن أنفسهم عبر صفحة على الفيسبوك على نطاق ضيق، إلى أن فاجاؤوا الناس بـ"صرخة" التي بدأت في أربع محافظات سورية ( طرطوس، حمص، اللاذقية، حماه)، عبر لافتات ورقية وزعت في مناطق مختارة بدقة، ورفعت على عجل وبسرية، إذ حملت اللافتات عبارات مثل " "الكرسي لك (الأسد) والتوابيت لأولادنا!"، و"الشارع بدو يعيش"، و"حتى البحر تعب وبدو يعيش بسلام".

لافتة مرفوعة ضمن نشاطات المجموعة وقد كتب عليها "الكرسي إلك والتابوت لولادنا". المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
لافتة مرفوعة ضمن نشاطات المجموعة وقد كتب عليها "الكرسي إلك والتابوت لولادنا". المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

وقد وزع الناشطون  بطاقات لقتلى النظام المعروفون باسم "الشبيحة" كتب عليها "هذا حال شبيحة الأسد، يموتون ويتركون بطاقاتهم وأنين عائلاتهم، والأسد ما زال في قصره"، إضافة إلى بطاقات تحمل معلومات عن عدد القتلى والجرحى والمعتقلين مع التركيز المكثف على مخاطبة أبناء الساحل الذين توّجهت الحملة لهم أساسا، عبر عبارات تنطق باسم الأمهات مثل "عرس ابني بحياته ما بموتو" في محاولة للسخرية من إعلام النظام الذي يقدّم الضحايا بأنهم يذهبون نحو زفافهم، وللفت نظر أبناء الساحل إلى فداحة الثمن الذي يدفعونه، حيث بيّنت الأوراق الموّزعة أن "عدد القتلى من جيش النظام منذ بداية الثورة بلغ 330 ألفاً، منهم 40 ألفاً من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الذين غالبيتهم من الساحل السوري، و 4500 شخص من صف الضباط هم معتقلون في الأفرع الأمنية، و3050 ضابط معتقل بينهم 145 من الساحل السوري، و 130 ألف مشوّه وجريح ومعوق، و 38 ألف عسكري محتجز يخشى النظام استخدامهم حتى لا ينشقوا، و 189 ألف مذكرة بحث وتوقيف في حق عسكريين اعتبروا منشقين أو متخلفين أو فارين من الخدمة العسكرية، كما نقلت إحدى الصحف، دون أن يتسنى لنا التأكد من دقة هذه الأرقام من مصدر مستقل، مع العلم أن الفاتورة الأكبر ( من قتلى الجيش والأمن نعني) يدفعها أبناء الساحل كائنا ما كان الرقم، الأمر الذي لا يغيّر في الأمر شيئا.

لافتة وضعها الناشطون على باب أحد مقرات الحزب الحاكم. المصدر: الصفحة الرسمية للمجموعة على الفيسبوك
لافتة وضعها الناشطون على باب أحد مقرات الحزب الحاكم. المصدر: الصفحة الرسمية للمجموعة على الفيسبوك

المجموعة التي اختارت لوغو لها خريطة سوريا وبداخلها شاب يصرخ، وزّعت لافتاتها في الشوارع والساحات و الجدران و بلور السيارات ولافتات الطرق وأبواب المحلات، وأمام مقرات الحزب الحاكم، حيث نقلت صفحة "صرخة" الصورة مرفقة بعبارة تحدي تقول "سنرى البقاء لمن "صرخة الشعب أم شعبة الحزب"، إضافة إلى رسومات ذات دلالة، كتلك التي تمثل تابوت مكتوب بجانبه "ياشيالين التابوت بيكفي موت بدنا نعيش" و أخرى تمثل ثوب أبيض لعروس مرفق بعبارة "عرس ابني بحياتو مو بموتو"، حيث ترافق الأمر أيضا مع التقاط صور لناشطين يحملون شعاراتهم وهم يخبئون وجوههم بالشعار بينما نرى صور عملاقة للأسد في خلفية الصورة، الأمر الذي يؤكد أن الحملة جرت في مناطق خاضعة لسيطرة النظام، إذ لا تزال صور الدكتاتور المنشورة في الشوارع تؤكد ذلك، وهو الأمر الذي غاب من المناطق التي انحسرت عنها سيطرة النظام.

 ما إن انطلقت الحملة حتى لقيت صدى إيجابي في المناطق الأخرى، حيث رحب ناشطو المناطق الأخرى بسماع صوت الساحل وإن كان متأخرا، فرفعت اللافتات المرحبة في حلب وإدلب وأريافهما، مترافقة مع غرافيتي على الجدران لشعار الحملة وعبارات من نوع "لا للقتل.. لا للطائفية.. لا للسرقة.."، بل وصل التضامن حتى البيت الأبيض حيث رفعت لافتات أمامه.

وعن هذا الاحتضان، قالت منسقة المجموعة "إيما سليمان" أن مجموعات الحراك المدني في المدن الأخرى "أبدت لنا الكثير من الود والتعاون، وعبروا عن ذلك عبر لافتات تحمل شعاراتنا ولوغو المجموعة، حيث رفعوها في حمص وحلب وإدلب ومناطق عديدة، وكان من بينهم ملتقى الشباب في الأتارب حيث ساهموا منذ البداية بالتعبير عن دعمهم لنا".

لوحة لأبي البراء ( اسم مستعار) ضمن الفعالية. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك
لوحة لأبي البراء ( اسم مستعار) ضمن الفعالية. المصدر: الصفحة الرسمية للحملة على الفيسبوك

الفن المقاوم كان ضعيف الحضور في مرافقة النشاط، ولكنه كان نوعيا، حيث انتشرت خريطة لسوريا مغطاة بشواهد قبور متصلة مع منطقة الساحل صاحبة أكبر تابوت، موقعة باسم "أبو البراء"، وأخرى تمثل مجموعة من التوابيت فُتح أحدها ليخرج منه هيكل عظمي يحمل لافتة مرفوعة بوجه الدكتاتور، كتب عليها "الكرسي إلك والتابوت لأودلانا".

الحملة التي موّلت "المنظمة السورية للطوارئ" جزء من نشاطاتها، تعرضت لانتقادات من ناحيتين، الأولى أنها ذات بعد مدني بالظاهر وطائفي بالعمق، حيث تتوّجه بشكل صريح إلى فئة من السوريين بوصفهم أبناء طائفة لا أبناء وطن واحد، حتى وإن سلمت النوايا، لأن هذا الخطاب يزيد من شعورهم بأنهم أبناء أقلية، وهم بذلك يكررون مرة أخرى مأزق المعارضة التي تعاملت مع هؤلاء منذ البداية على هذا الأساس، وهو ما نلحظه من خلال عبارات مثل "هي حملة من وإلى الشارع العلوي في الداخل السوري" و "الطائفة العلوية كانت وما زالت جزء من الفسيفساء السورية" و " يعمل نشطاء علويون مدنيون" و "الحملة بدأها الشباب العلوي" والأخطر حين يتم توصيف ما يحصل في سوريا بأن "حرب طائفية" ويتم استعمال مصطلحات مثل الفسيفساء السورية"، الأمر الذي دفع ناشطون آخرون يطلقون صيحة تحذير من هذه المصطلحات، دون أن ننسى أيضا أن المجموعة أكدت أنه خلال فترة قصيرة سيكون معنا أحرار سوريين من جميع أطياف الشعب السوري لنقف جميعا معا ضد الطائفية لإنعاش الثورة السورية السلمي" الأمر الذي يضعنا أمام خطاب مدني يستخدم الطائفية في نهاية المطاف وإن كان عن طريق محاولة تصحيح النظر عن وإلى الطائفة العلوية، حيث يختلط الطائفي بالمدني إذ نجد تعبيرات مثل التي سبق ذكرها إلى جانب "نحنا مو أقلية. بدنا دولة مدنية".

البعض رد على هذا الانتقاد بأن المسألة الطائفية أصبحت من الوضوح في سوريا بحيث لا يمكن تجاهلها، ولا بد من الخوض في وحلها حتى يتمكن الناشطون من إسقاط الدكتاتور وإيقاف حمام الدم هذا،  و سنعمل في "سيريا أنتولد Syria untold" على تخصيص حكاية خاصة عن هذه الإشكالية.

لافتة رفعتها إحدى الناشطات بعد أن غطت وجهها في مدينة طرطوس الساحلية. المصدر: الصفحة الرسمية للمجموعة على الفيسبوك
لافتة رفعتها إحدى الناشطات بعد أن غطت وجهها في مدينة طرطوس الساحلية. المصدر: الصفحة الرسمية للمجموعة على الفيسبوك

والنقد الثاني جاء من نشطاء آخرين من الساحل السوري، قالوا أنه "لا شيء حقيقي حدث على الأرض في مدينة طرطوس، وأن كل ما هنالك هي صور وزّعت لقنوات الإعلام أكثر بكثير من أنها وزعت للناس وأهالي المدينة"، ناهيك عن تأكيد مجموعات مثل "فرسان القرداحة" و "أحرار طرطوس" و "نحل الساحل" و "تجمع أحرار الساحل" بأنه لم يتواصل معهم أحد، ولم يشاركوا، و لم يلاحظوا أي نشاط فعلي في كل منطقة الساحل، ولو على "صعيد إثارة البلبلة سيما لدى الأمن الذي استنفر ليعتقل ويهدد كل من يشك به من شباب جاهروا بموقفهم الأخلاقي مما يجري في سوريا".

النقد الثاني قد يكون صحيحا، وقد يكون لا، لأن ظروف عمل الناشطين أساسا صعبة حيث "الجو الأمني بات لا يوصف وخطيراً للغاية بعد إطلاق حملة صرخة" كما يقول أحد ناشطي الحملة لأحد الصحف، ولأن العمل أساسا لم يهدف إلى استعراض عام بقدر ما استغل ما يمكن استغلاله من الهامش المتاح في هذه المناطق الممسوكة أمنيا ومحاصرة اجتماعيا، حيث اتخذ الأمر صيغة التظاهرة الطيارة التي كانت تحدث في بداية الانتفاضة، حين كان ناشطون يتجمعون لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة في مكان ثم يهربون، مما أدى لحدوث تراكم ساهم بامتداد الثورة لاحقا، حيث تقول "إيما" أن المجموعة لديها استراتيجية واضحة للعمل، وأن الأمر ليس محصورا بهذا النشاط الذي لن يكون إلا شرارة "قد لا يلاحظ في الوقت الحالي التغيرات التي تحصل داخل المجتمع في الساحل، ولكنها تذكرني ببداية الانتفاضة بدرعا التي بدأت ككرة من الثلج التي تبدأ صغيرة وتنتهي بحجم الجبال، كل ما يريده هذا المجتمع هو فتيلة للانتفاضة تزيل عن كاهله الذل والاستعباد من قبل آل الأسد"، فهل هذا سيحصل حقا بعد ثلاث سنوات ونيف من بدء الانتفاضة؟!

فلننتظر ولنرى، ما يأمل أن يراه أغلب السوريين حقيقة.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد