بسمة: نحو طفولة تقاوم الحرب والتطرف


17 آب 2014

 

خلف ركام المعارك الدائرة وأخبار الموت المتناثر على الطرقات في مدينتي درعا والقنيطرة وأريافهما، ثمة ضوء يقاوم وحياة تتشبث بالبقاء: أطفال يتطلعون نحو المستقبل وهم قابعون بين براثن الدمار، قلوبهم تبحث عن مساحة آمان بعيدا عن الغبار الذي اعتلى ثيابهم وكلل أرواحهم، فجاءهم ناشطون و متطوّعون اعتلوا موجة التحديات وقاوموا اليأس لتولد مؤسسة "بسمة" للدعم النفسي والارتقاء البشري، لتغطي حاجات الأطفال في التعلم وحماية أنفسهم وإعادة الثقة وبناء مساحات صديقة للطفل وسط صحراء الحرب، فمن هؤلاء؟ وكيف يعملون وسط هذا الدمار والحرب؟ وأين ولدت حكايتهم؟

إنهم مجموعة من الشباب والمثقفين الذين رؤوا ماذا حل بأطفال سورية من قتل وتشريد وصدمات نفسية، "فقررنا البدء مشروع دعم نفسي ترفيهي لمساعدتهم وخلق جو طفولي لهم وإبعادهم عن الجهات المستقطبة لهم من المتشددين" كما تقول أحد المؤسسات لـ"سيريا أنتولد Syria untold".

المشروع الذي ولد من تعاون شابتان فقط سرعان ما استقطب العديد من المتطوعين الذين وصل عددهم اليوم إلى 150 متطوع و متطوعة و"عندما نفتح مركز جديد يأتي متطوعون جدد وعلينا تدريبهم لكيفية التعامل مع الأطفال"، حيث قام مؤسسو المشروع بجمع الكوادر من اختصاصيين نفسيين واجتماعيين ومن المتطوعين من الفروع الأخرى ليتم تدريبهم وتقسيمهم على مجموعات كل مجموعة  فيها 4 ميسريين و اختصاصي نفسي أو اجتماعي.

أحد نشاطات بسمة في مدينة داعل في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للمؤسسة على الفيسبوك
أحد نشاطات بسمة في مدينة داعل في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للمؤسسة على الفيسبوك

ويمتد عمل "بسمة" ليشمل عدد من المدن والقرى، إذ يوجد في  مدينة طفس 16 مجموعة كل مجموعة لديها 15 طفل على مدار شهرين (جلسة لكل مجموعة كل اسبوع )، وفي مدينة داعل 8 مجموعات وفي محافظة القنيطرة بمنطقة الرفيد 4 مجموعات، مع الاستعداد لفتح مركز جديد في صيدا بالقنيطرة.

يهدف عمل المنظمة إلى انتشال الأطفال من وهدة الحرب وتخفيف الصدمات النفسية والأعراض (تبول لا إرادي في الليل، خوف، تردد ، عدم الثقة في النفس، السلوك العدواني..) عنهم، من خلال مجموعة من البرامج والنشاطات منها "مشروع حماية الطفل أو المساحات الصديقة للطفل" المؤلف من "ثمانية جلسات. واحدة كل أسبوع ويقسم المرشدين إلى مجموعات تتألف من ثلاثة أو أربعة مرشدين وكل مجموعة لديها 15 طفل وتكون الأعمار من 5 سنين حتى 12 سنة" حيث لكل جلسة عنوانها وهدفها، ولعل أهمها تلك التي تعلم الأطفال كيفية التعامل مع القذائف والألغام وأنواعها وكيفية تفاديها والتعامل معها، وكيفية اعتماد الطفل على نفسه في حل مشاكله عبر التعاون مع الآخرين.

وهناك مشروع "تعليم أساليب البقاء"، الموّجه للأطفال من عمر 12 فما فوق، والمؤلف من خمسة جلسات مع الأطفال وجلستان مع الأهل جلسة قبل البدء، لتبدأ الجلسات التي يترك فيها العنان للأطفال ليتحدثوا عما شاهدوه ليتم معالجتهم لاحقا، فأحد الأطفال رأى جنودا ينزلون من السيارة ويطلقون النار نحو رجلين في الشارع، فعاد إلى منزله خائفا متوترا ولائذا بأمه، ليكره الطفل الخروج إلى الشارع والذهاب إلى المدرسة كلما شاهد اللون الأحمر، ليتم بعدها التعامل مع الحالة عبر سلسلة من النشاطات التي تعتمد تفريغ خوف الطفل وتأهيله للتعايش مع الحالة ونسيانها تدريجيا.

أحد نشاطات بسمة  في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للمؤسسة على الفيسبوك
أحد نشاطات بسمة في درعا. المصدر: الصفحة الرسمية للمؤسسة على الفيسبوك

وتعتمد بسمة على الكوادر المتعلمة، متوّزعة وفق التالي: 5 اختصاص علم نفس، 29 اختصاص إرشاد نفسي، 19 علم اجتماع، 20 رياض أطفال، 25 معلم صف، 15 لغة عربية، 13 لغة انكليزية، 4 رياضيات، 2هندسة زراعية، 4هندسة مدنية، 10 حقوق، 12 رسم، لنكون أمام مؤسسة تقوم بجزء من مهمات الدولة التي انسحبت من تلك المناطق، ساعية ما أمكن لتغطية هذا النقص من خلال كوادر تتمتع بتعليم جامعي عال.

الخوف على الأطفال لا يأتي من المعارك وأثارها، بل من جهات متطرفة تعمل على توجيه التعليم وفق برامجها الدينية المتطرفة وهو ما يرفضه فريق بسمة الذي اعترف لموقع "سيريا أنتولد Syria untold" بأنه "جاءنا عروض كثيرة للتمويل ولكن من جهات متشددة تريد فرض فكر متشدد للأطفال. طبعا رفضناها" دون أن ترفض التمويل بشكل مطلق بل هي "جاهزة لأي جهة تتعاون معها ونحن نتعاون مع أي جهة ولكن لخدمة ومساعدة الأطفال بعيدا عن التطرف".

بسمة": كما هو اسمها، تحلم برسم البسمة على وجوه أطفال سوريا وإنقاذهم من صدماتهم النفسية وإرجاعهم إلى طفولتهم، آملة أن توّسع عملها في جميع المناطق المحررة من سوريا لزيارة كل طفل سوري، لأنها تؤمن بأن "أطفالنا هم جيل المستقبل الذي سيبني سوريا الجديدة الديموقراطية بعيدا عن التطرف".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد