الخروج من حمص: هل أطلق وحش الطائفية؟


10 حزيران 2014

 

أطلق خروج المسلحين السوريين من حمص ودخول الجيش السوري إليها، سجالا كثيرا بين السوريين توّزعت بين قراءة الحدث وأسبابه وانعكاسه على واقع ثورتهم/ انتفاضتهم، ولم تنته عند رثاء مكثّف لحال عاصمة ثورتهم.

إلا أن أخطر ما حفل فيه هذا السجال، هو عودة الطائفية لتبرز بقوة ليس بين الجمهور فحسب، بل على مستوى "النخبة" ( شعراء وفنانين) التي تحوّلت في كثير من الأحيان صفحاتها الفيسبوكية إلى مرآة فاضحة لمدى تقدم الطائفية التي عمل ناشطو الحراك الأول على وأدها. والمفارقة الكبرى أن سعيهم لوأدها كان من حمص، وهاهو اليوم الحدث الحمصي يكون مطلقها ومفجرها؟ فما هي الحكاية؟ ولم انفجر هذا المرجل الطائفي؟ ولم لم ينجح شباب الحراك الأول في وأدها؟ وهل حقا هذه الطائفية حقيقية وعميقة إلى درجة تهديد التعايش المجتمعي أم أنها مجرد رد فعل عابر على خروج المسلحين بهذه الطريقة؟

بعد خروج المسلحين من حمص، دخل الإعلام السوري الرسمي برفقة الجيش إلى المدينة المدمرة، وبدأ يلتقي بالمواطنين السوريين ويأخذ رأيهم بانتقائية واضحة طالما كانت متقصدة، حيث التقى بفتاة أطلقت عبارة لم تكن واضحة المعنى بما يكفي على مستوى النطق، ولكنها كانت واضحة أيضا بما يكفي لتعكس ما تضمر الفتاة وفق رأي البعض، وهو ما تسبب في إطلاق الوحوش الطائفية، حيث قالت الفتاة "نريد حمص خالية من الس .. (لتستدرك قائلة) السلاح"، حيث فسرها البعض بأنها تريد قول السنة في حين اعتبرها البعض الأخر أنها مجرد خطأ لغوي عابر. ولكن بغض النظر عما كانت تريد الفتاة قوله، فإن الشريط لقي انتشارا هائلا على صفحات التواصل الاجتماعي، وتسبّب في سجال كثيف عكس أن الحقل قابلا للاشتعال! حيث قال الشاعر "ماهر شرف الدين": "لم تكن زلّة لسان حين قالت تلك الفتاة العلوية لمراسلة التلفزيون بأنها تريد لحمص أن تكون خالية من السنّة. لم تكن زلّة لسان. لم تكن زلّة لسان"، وهو الأمر الذي أطلق حملة واسعة النطاق ضد "شرف الدين" الذي كان منذ فترة طويلة دأب على مهاجمة الناشطين المنحدرين من الطائفة العلوية معتبرا إياهم إنهم جبناء، وهو ما أطلق سجالا عكس عمق التفكير الطائفي الذي ضرب النخبة السورية، حيث أتبع ماهر الأمر بسلسلة من البوستات التي تستهدف المعارضين المنحدرين من الطائفية العلوية، إذ قال مستهدفا الفنانة "لويز عبد الكريم": "بعدما كانت صفة "الشجاعة" هي الصفة المرافقة للمعارضين العلويين أول الثورة. صارت صفة "الجبن" هي صفة معظمهم اليوم لأنهم لم يجرؤوا على أن يخطوا خطوتهم الثانية. لذلك تحوّل معظمهم إلى مراقبين أشبه برقابيي "دار البعث" على منشوراتنا واستمرأوا تزييف الواقع والإتيان بمقاربات بائسة وجبانة.آخر مظاهر ذلك "الجبن"، قول لويز عبد الكريم إن "سوق السنة" له ما يقابله ألا وهو "سوق الحرامية" بدمشق الذي معظم لصوصه من السنّة!! ليس أجبن من الجبان إلا الذي ادّعى الشجاعة... ثم أحجم".

https://www.youtube.com/watch?v=B_1TwuhGRSc

يعتبر "شرف الدين" أن النظام السوري هو نظام طائفي بامتياز و أن الطائفة مشاركة في جرائمه، إذ يقول: "ثلاثة ملايين علوي منخرطون في قتل الشعب السوري... مقابل عشرة علويين "معارضين" لا عمل لهم سوى ممارسة الرقابة على كتاباتنا وإعطائنا دروساً في الوحدة الوطنية!"، الأمر الذي دفع الفنانة "لويز" للرد بطريقة غير مباشرة إذ قالت "رح افترض معكم انو هني 10 علويين ضد النظام حافظوا عليهم ولو. على الأقل هالعشرة ما استفادوا من النظام و سرقاتهم معو و لما قامت الثورة عملوا حالهم ضدو. متل كتيرين أصحاب رؤوس أموال من مالنا جميعا".

بوست للفنانة لويز عبد الكريم. المصدر: الصفحة الرسمية للفنانة على الفيسبوك
بوست للفنانة لويز عبد الكريم. المصدر: الصفحة الرسمية للفنانة على الفيسبوك

إن رد "لويز" على "شرف الدين" الذي يربط بين الطائفة ككل والنظام يأتي هو الآخر من موقع طائفي، حين تبدو ضمنيا وكأنها ترد عليه من موقع طائفي وليس من موقع وطني، وهو أمر يعكس بعض كتاباتها التي تؤكد فيها ولو بشكل عابر على خلفيتها الطائفية، إذ تقول مثلا: " كنت بقعدة ..... صاحبة الضيافة كل ما جابت سيرة علوي تطلع فيني".

هنا نضع يدنا على نقطة تعود للبداية، أي حين قَبِل الكثير من المعارضين المنحدرين من الطائفة العلوية على تقديم أنفسهم بوصفهم "علويين" لا مواطنين، فبات ينظر لهم بهذه الصفة التي كانت تكرّس الطائفية ضمنيا حتى وهي تحتفي بهؤلاء الثائرين ضد نظام الاستبداد، لأن احتفاء الآخر بهم كان يأتي من موقع كونهم علويين ثاروا ضد النظام، وليس بكونهم مواطنين، أي من موقع "منهم وصاروا معنا" بحيث يحيل الأمر إلى طائفية مستترة في المجتمع لم تكن ظهرت بوضوح بعد في بداية الحراك، وهو أمر لم ينتبه له هؤلاء الناشطين، ليتغذى الأمر لاحقا من السلاح و إصدار بعض العلويين المعارضيين بيانات أو عقد مؤتمرات بصفتهم الطائفية لا الوطنية، فكان أن كرسوا الأولى بديلا عن الثانية في النظر إليهم لترافقه حينا مع شهرة أسبغت عليهم، وهو ما يتم دفع ثمنه اليوم حين يتهمون بطائفيتهم من قبل "شرف الدين" وغيره، لأن وحوش الطائفية حين تطلق لا يعود بالإمكان لجمها بسهولة، وهي دوما ما ترتد على صاحبها، حتى لو كان لا يقصد ذلك ونبيلا في نواياه، لأن الطريقة الطائفية في التعاطي مع الأمور أو تقديمها بهذا الشكل غالبا ما تستجلب رد فعل معاكس من نفس الطينة.

بوست للشاعر ماهر شرف الدين. المصدر: الصفحة الرسمية للشاعر على الفيسبوك
بوست للشاعر ماهر شرف الدين. المصدر: الصفحة الرسمية للشاعر على الفيسبوك

نفس الأمر يقع اليوم فيه "ماهر شرف الدين" إذ يرد عليهم من نفس الموقع الطائفي، عبر النظر إليهم بصفتهم علويين وكفى، ليحصد هو الآخر شهرة يكرر يوميا أنه لا يقصدها، وأن اتهامات ما يسميهم "المعارضين العلويين" له زائفة في الوقت الذي لا يكف فيه عن مهاجمتهم ومهاجمة العلويين ككل عبر تحميلهم جرائم النظام. والحق أن "ماهر" لا يريد الشهرة حقا، لأنه معروف أساسا، إلا أنه بنفس الوقت لا يمكن نكران أن الشهرة زادت من جهة، وأنه ينطلق في معالجة الطائفية من منطق طائفي لا علمي، خاصة حين يتطابق الأمر مع تحريض واضح إذ يقول :"لا أفهم وقاحة هؤلاء الذين يهاجمون ويشوّهون سمعة كل من يقوم بتسمية القاتل... والحجة طبعاً "لا للطائفية"... الطائفية التي جعلها علويو سوريا خمرتهم المفضّلة... الطائفية التي تعبث اليوم بالديموغرافيا السورية وبالوجدان السوري".

الطريقة الطائفية بالنظر للموضوع الطائفي ستنقلب على "شرف الدين" اليوم ولاحقا كما انقلبت على المعارضين الذين قدموا أو ارتضوا أن يُقدموا بوصفهم علويين لا مواطنين، حين يُقدم بوصفه ابن "الأقلية الدرزية" وليس مواطنا أيضا، إذ يرد قصي زهر الدين على ماهر دون أن يسميه بالقول: "مهاجمة المعارضين ( العلويين)، صار مهنة يتسوّلها الكثيرون، وأقصد المشهورين منهم، ( على سبيل الإعلام ) والشوفونية الرخيصة،ولمَ لا :كأن يريد القول: وأنا أيضاً من أقليةٍ أخرى، ولكن انظروا جيداً أنا معكم.أن يتجه إصبعكَ جهةَ القاتل ( من أي طائفةٍ كانت ) ذاك حق، لكن أن تتهم المعارضين العلويين، فتلكَ غايةٌ ندركها جميعاً.هامش :لم نقلْ يوماً ( داعش السنية) نقول : داعش القتلة"، ليصبح المجتمع مقسوم بين "هم ونحن"، و "معنا ومعهم"، وهكذا ندخل في بئر عميق يحلل أفكار الآخرين ونوازعهم انطلاقا من انتمائهم الطائفي وليس من ممارستهم وتفكيرهم هم، وهو أمر خطير يدمج بين العنصرية والطائفية التي لن ينجو منها أحد إن انتشرت بشكل واسع.

بوست للشاعر ماهر شرف الدين. المصدر: الصفحة الرسمية للشاعر على الفيسبوك
بوست للشاعر ماهر شرف الدين. المصدر: الصفحة الرسمية للشاعر على الفيسبوك

ينطلق ماهر من تحليله للأمور في سوريا أن النظام السوري يشكل نوعا من "العلوية السياسية" التي تستوجب محاربتها، وهو وصف أطلقه المفكر السوري "صادق جلال العظم" ولقي بدوره سجالا كبيرا بين مؤيد ومعارض بين من اعتبر النظام كذلك ومن اعتبره مجرد نظام سلطوي استبدادي يحتكر الطائفية ويستخدمها.

يأخذ الآخرين على شرف الدين الطريقة الطائفية التي يعالج فيها الأمور، إذ يرون أنها تصب في صالح تأجيج الطائفية بدلا من وأدها، لأنها رؤية تستسهل إسقاط النظام من البوابة الطائفية وهو أمر جربه الكثيرون في سوريا وفشل، إذ أدى دوما إلى إبقاء النظام الذي يمتلك أدوات للعبة الطائفية وإدارتها في حين لا يمتلك معارضوه هذا الأمر. وبالتالي لا بد من معالجة الطائفية ولكن بطريقة علمية وليس بطائفية مضادة لا تفعل إلا أن تكرس الوعي الطائفي المضاد فيستثمره النظام مجددا، موجها إصبع الطائفية إليهم، عبر القول: "انظروا كم هم طائفيين"، وهو الذي يغطي احتكاره للطائفية ولعبه بها بشرشف علماني!

 في الوقت الذي يرى فيه ماهر أنه لابد من الخوض بهذه الأمور، لكسر احتكار النظام للطائفية وتعرية ما يسميه "نظام العلوية السياسية" إلى الأبد، عبر وضع الإصبع على الجرح بدل من الاختباء، ينسى أن الطائفية من الخطورة أنها لا تعالج بطريقة طائفية أو عبر كيل الشتائم، سواء تلك التي يتهم الآخرين بها، أو في شتائم الآخرين و ردهم عليه، لأن الاثنان ينطلقان من منبع طائفي واضح، وهما يصبان في خدمة نظام الاستبداد، حتى وإن ادعيا إسقاط النظام الذي يسقط بطرق علمية تحارب الطائفية وتنظر بها علميا لا طائفيا.

في نهاية المطاف: إن خروج المقاتلين من حمص لم يطلق الطائفية بقدر ما عرّاها، إذ كشفت حجم ما يعتمل في القاع السوري، إذ لم يكن الحدث أكثر مناسبة كشفت هذا القاع الذي يحتاج الكثير من الجهود لوأده قبل أن ينتشر، وهو ما يعمل عليه الكثير من الناشطين الذين يؤمنون أن الطائفية تحارب بفهم مسبباتها ومحاربتها على الأرض عبر كسر الجدران اللامرئية بين الطوائف وليس في تأكيد تلك الجدران وإعلاء أسوارها عبر الإعلام.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد