حنظلة مشيّعا "ماما حمصو" إلى الشتات السوري


09 أيار 2014

لأنها حمص...

 لأنها عاصمة ثورتهم ولون نكتتهم

 لأنهم راسمة بسمتهم الخارجة من مر الحصار

 لأنها لون ونكهة وذل حصارهم

 ولأنها "نكتتهم" التي ما فتئت تضحكهم، حتى وهي تبكي

وربما لأنها عارهم أو "حسينهم" الذي خذلوه

وربما لأنهم فعلوا كل ما بوسعهم لإنقاذها وفشلوا

وربما لأنها زمنهم الثوري الجميل: زمن المظاهرات الطيارة، واعتصام حمص الشهير، وصناعة الساعة الحمصية والتظاهر حولها حين لم يتمكنوا من وصول ساحة الساعة، ودوار أبو موزة، والتظاهر المصحوب بغناء الساروت وصرخة فدوى سليمان في ساحات البياضة وباب عمرو والخالدية وباب الدريب..

ربما لأنها كل ما سبق وأكثر، كان تفاعل السوريين ( سواء أيدوا السلاح أم السلمية) مع خروج آخر المقاتلين المحاصرين من حمص القديمة إلى الريف الحمصي بعد توقيع اتفاق مع النظام، مأساويا وصارخا وحادا كنصل سكين، وصل حد أن شبهه الفنان السوري "عبد الحكيم قطيفان" بخروج مقاتلي المقاومة الفلسطينية من بيروت ( 1982)، إذ قال: "اليوم و أنا أشاهد خروج الرجال./الساروتيون/ من العدية. أعادتني الذاكرة للحظةٍ طافحةٍ بالحزن والخذلان والمرارة. يوم خرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت إلى المنافي. حمص أنت الخسارة الأكبر عسكريا ومعنويا لثورتنا...لأنك حمص.!!!"،

صورة لشخصية حنظلة المعروفة يتحدث عن مدينة حمص : المصدر صفحة حنظلة الحمصي على الفيس بوك
صورة لشخصية خنظلة المعروفة يتحدث عن مدينة حمص : المصدر صفحة حنظلة الحمصي على الفيس بوك

وهو ما دفع عدد من الشبان والناشطين لتكوين صفحة على الفيسبوك حملت عنوان "حنظلة الحمصي"، مستلهمة رسم "حنظلة" الشهير لفنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل "ناجي العلي". تلك الشخصية التي ترمز لتطلع الفلسطيني أبدا للعودة وهو يجوب منافي الشتات، وكأن السوريون يخشون مصيرا مماثلا، بات البعض يتنبأ به تخوّفا من مشروع تقسيم.

الحزن الذي يصل حد البكاء والتفجع، أرخى بثقله على السوريين وهم يعبّرون على وسائل التواصل الاجتماعي عما حصل في الساعات الأخيرة من حمص، حيث قال ابن مدينة حمص الذي لا يزال فيها حتى هذه اللحظة، الكاتب "عبد الكريم عمرين": "حمص قصتنا/ حمص غصتنا/ ولحمص حكايا أخر" قد يكتبها التاريخ يوما، وقد يطويها النسيان في قلوب أصحابها المتفحمة من ظل الحصار، مما دفع ابن المدينة الشاعر "عمر يوسف سليمان" للقول في قصيدة له: " هؤلاء الذينَ فكوا حصارنا في المساحاتِ الشاسعةِ الوهمِ/ لديهمْ قصصٌ لن يخبرونا بها/ كلما سألناهمْ عنْ ما حدثَ سيبتسمونَ/ ويغرقون في لعبةِ المطلَقْ".

ووصل رد فعل البعض حد التفجّع، حيث قال "وئام بدرخان سيماي": "بخاطرك يا حمص. يا إم المخذولين، لا تسامحينا.لا تسامحينا كلنا.خليناك تصيري نظرة مسروقة من تحت شبابيك باص صار تابوتنا الأخير ليرمونا بوجه الطريق البعيد.آخر حذلانات حمص المحاصرة و بخاطرك يا ماما حمصو".

ولكن مقابل هذا النواح والحزن الفجائعي، رأى البعض أن ما حصل في حمص ليس هزيمة بل قوة، حيث قالت الإعلامية "ميس قات" أن "خروج الشباب من حمص بالسلامة.انتصار لا خسارة. لا حاجة للبكاء الآن. الثورة خسرت معركتها منذ زمن حين تحالفت مع أمراء القتل. الثورة لم تخسر اليوم. مبروك لكم الحياة. ولهم بقايا النواح. لعلهم يعقلون!"، في حين اعتبر الإعلامي "عروة الأحمد" أن "حمص لم تُباع اليوم .. بل إنّه أكثر القرارات جرأة من طرف من في الثورة وأحكمها".

وعلى طرف نقيض، كان الشاعر الحمصي "عبد الكريم بدرخان" متفائلا، إذ قال: " أعرف تفاصيل مفاوضات حمص منذ ثلاثة أشهر، وكنتُ أتوقعُ أنّ يومَ خروج شبابنا منها، سيكون يومَ انتحاري على طريقة خليل حاوي. لكنني اليوم متفائل، وأعرف أن الشبابَ قادرون على تحرير مدينتهم خلال ساعتين، عندما يملكون الطعام والذخيرة. إني أثقُ بهم أكثر مما أثقُ بنفسي".

صورة لمقاتلين من الجيش السوري النظامي بعد انسحاب المعارضة من حمص القديمة
صورة لمقاتلين من الجيش السوري النظامي بعد انسحاب المعارضة من حمص القديمة

قيام النظام برفع علمه وسط هذا الخراب انتصارا، كان له موقع من رد فعل المعارضين والمثقفين أيضا، إذ كتب ياسين سويحة "حمص ركبت حافلتين ورحلت شمالاً.. مبروك للأسديين ركام انتصاراتهم!"، في حين كتب الشاعر "هاني نديم" قصيدة تتأمل هذا النصر المبني على الجماجم، إذ قال: "خفقت تلك الراية فوق التلال منتصرةً / ترفل بحريرها كزغرودة/ انقشع الدخان / لم يكن هنالك بين القتلى/ حيٌ واحدٌ /يزهو بها". و أرفق الشاعر الكردي السوري "مروان علي" صورة لجنود النظام وهم يحتفلون فوق الخراب، وكتب بجانبها " من المستحيل أن نعيش مع هؤلاء البرابرة في وطن. لن نسامح ولن ننسى".

كعادتهم في ابتداع النكتة من قلب الألم، لم ينس الحمصيون رسم الفرحة على وجهنا حتي وهم في أشد اللحظات مرارة، حيث روى المصوّر "مظفر سلمان": "مكالمة مع أحد الشباب الذين خرجوا من الحصار

- كيفك خيو .. انشالله ما تعذبتو بالطلعة؟

- لا ولله عادي بس كنا خايفين

- ليش صار شي ع الطريق

- لا ابدا بس ما كان معي كرت بالباص وخفت يطلع المفتش".

هي حمص التي ترسم البسمة على وجوهنا حتى وهي تذبح في يوم أربعائها، الذي طالما كان نكتة الحمصيين، فإذا به اليوم مأساتهم، وهو ما جعل الكاتب "عبد الكريم عمرين" يعتذر باسم الحماصنة قائلا: " كل الأربعاءات السعيدة وهبتها حمص لكم اسمحوا لنا  أن نحتفظ لأنفسنا بهذا الأربعاء الحزين".

صدى حمص الحزين وصل إلى حلب الجريحة، حيث أقدم بعض الشبان على تشكيل كلمة حمص بأجسادهم في حي صلاح الدين، وكأنهم يقولون: "يا حمص احنا معاك للموت"، كما كانت حمص تصدح، متضامنة مع المدن الأخرى.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد